الرياض تبوح ببعض اسرارها (2)

الرياض تبوح ببعض اسرارها (1)

طلحة جبريل من الرياض: كان أهم موعد خلال "المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب" هو اللقاء الصحافي اليومي مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي. كان المؤتمر في الواقع يقتصر على "إيجاز" يومي يقدمه الأمير سعود الفيصل رفقة رؤساء المجموعات الأربع. قبل المؤتمر يتسكع الصحافيون والمصورون في الردهات في انتظار خروج أحد أعضاء الوفود لتسقط الأخبار. الوجوه المعروفة للصحافيين هي التي كانت تحظى بالاهتمام، لذلك تحدث وزير الداخلية العراقي فلاح النقيب كثيرًا. كيلومترات من الكلمات والجمل. الكاميرات تلاحقه والعدسات تومض والمسجلات تحاصر وجهه، كان كريمًا مع الصحافيين بيد أنه في الغالب لم يكن يقول شيئًا. المهم أن كل صحافي كان يعتقد أنه حصل على "حديث خاص" مع النقيب، بيد أنهم جميعًا اكتشفوا أنهم حصلوا على الحديث نفسه مع تغيير المفردات.

كان هناك كثيرون مهمون لكن لسوء حظ الصحافيين لم يكونوا يعرفون وجوههم، لذلك كانوا يتسللون وسط الزحام دون ان ينتبه إليهم أحد. بعض الإذاعات والقنوات التلفزيونية عوضت غياب الشخصيات المعروفة بإجراء حوارات مع الصحافيين الذين جاؤوا لتغطية المؤتمر. أي ان الإعلام كان يدور حول نفسه. هناك "صحافيون كبار" لم يكلفوا أنفسهم عناء مشقة الانتقال من "ماريوت" الى "انتركونتننتال" هؤلاء يعتقدون ان الأخبار ستصل الى غرفهم من "المصادر العليمة" أو "الوثيقة الإطلاع" أو "المطلعة جدا". لذلك انشغلوا بترتيبات العودة وضرورة توفر سيارة خاصة الى المطار وتغيير الغرفة الى جناح أو "الجناح" الى "جناح ملكي". والبحث عن أفضل أماكن التبضع وفي بعض الأحيان يصبح غسيل الملابس أمرًا يستدعى اتصالات واحتجاجات.

بعضهم اعتاد في الماضي ان تكون زيارته للسعودية في حد ذاتها موضوع تفاوض. ذلك وقت مضى. الأمور تغيرت. لعلهم لم يدركوا بعد.

جاؤوا للمؤتمر ولم يتابعوا شيئًا، وعادوا من المؤتمر ولم يسمعوا شيئًا من "المصادر العليمة" أو التي "لا تعلم".

الحدث السعودي أصبح في الشارع. في خيام المرشحين للانتخابات البلدية مثلًا. كان الامير سعود الفيصل يحاول، وبلغة ديبلوماسية تعايش معها سنوات، أن يقول شيئًا للصحافيين دون أن يكشف تفاصيل ما يحدث خلف الأبواب الموصدة.

الملفت أن الامير الديبلوماسي ظل مرحًا يطلق "قفشات". قال للصحافيين الذين ظلوا يحتجون على عدم السماح لهم بحضور جلسات الأوراش "انتم متعبون خارج القاعات ... كيف إذا كنتم بداخلها".

بعد المؤتمر الصحافي كنا نعود الى الفندق. معظم الصحافيين يتجهون مباشرة الى صالة المركز الإعلامي كل لغايته.

بعد اليوم الأول للمؤتمر رحت أبحث عن مكتب "إيلاف" في الرياض. بعد جهد وصلت اليه. التقيت ناصر الغنيم المدير العام. أعرفه منذ سنوات التقينا في أزمنة متباعدة وأمكنة متباعدة.

وجدته في الرياض شخصًا في جلبابه كما يقال. على طبيعته وسجيته. شخص كما هو. وبما أنه إداري فان شعاره الذي يردده دائمًا "النجاح هو الذي يتحقق بالندرة". طيلة حياتي عشت في ظل "الإنفاق الإتلافي".

كنت ابحث عن "سلطان". مراسل "إيلاف" في الرياض. دردشت مع ناصر قليلًا. خرجنا الى مدخل البناية. تصادف ان وجدنا "سلطان". جاء للتو.

نحن عالم إفتراضي حقيقي. كنت أظن "سلطان" وعلى الرغم من أنني أدرك بانه في مرحلة الشباب في شكل آخر. الشباب هي المرحلة السحرية من العمر. إذن هذا هو "سلطان".
ضحكنا ثلاثتنا.
تواعدنا ثلاثتنا ان نلتقي غدا.

عدت الى الفندق، الى حيث المركز الاعلامي، أكتب "بقليل من المزاج وأقل من الضجر".
أخذت معي بعض الصحف السعودية. لا أحبذ أن أقرا صحفاً مجاناً. لكن لاحل.
صعدت الى الغرفة.
تأملت جهاز التلفزيون المغلق.
قرأت بعض الصحف بصعوبة. حروفها تتراقص أمامي. رميت الصحيفة.
نمت.