1:

الشيعة العرب في الخليج العربي رقم صعب، وليس رقما هامشيا كما يتصور البعض، هم رقم صعب لانهم يشكلون الاغلبية في البحرين، ولأنهم حضور مكثف سياسيا واجتماعيا في الكويت، ولانهم ثقل تجاري معتد به في الامارات، ولانهم في سلطنة عمان على تواصل وتفاهم نسبي مع الحكومة، وفي السعودية يشكلون نسبة جيدة، ولهم نشاط سياسي قوي، فاعل... وهم رقم صعب لان بعض منا طق تواجدهم نفطية، كما هو الحال في السعودية، وهم رقم صعب لان شيعة السعودية يتواصلون جغرافيا مع شيعة البحرين، وشيعة الكويت يتواصلون مع شيعة العراق عبر البصرة، وهم رقم صعب لان الكثير من رجالاتهم مفكرون ونشطون في الفكر والسياسة، فهم قادة اليسار في البحرين، وهم ثلة مثقفة في الكويت.
هذا الرقم الصعب اكتسب المزيد من القوة والفاعلية بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران، وبعد التغيير الذي حصل في العراق، ولا ننسى أثر انتصارات حزب الله على اسرائيل مهما كانت درجة هذه الانتصارات وقيمتها ونوعيتها، زاد ذلك كونهم وكما يصورهم الاعلام العالمي الخطر الاكبر الذي يهدد اسرائيل.

2:
هذا الرقم الصعب لم ياخذ حقه في صميم ا لواقع الخليجي العربي كحقوق ووظيفة وموقع وامتيازات، بل بالعكس، كان هناك شبه اهمال لهذا الرقم، لا أقول في كل بلدان الخليج العربي، وإن كان الواقع ذاته بشكل عام، فشيعة الكويت غير شيعة البحرين وغير شيعة السعودية وغير شيعية سلطنة عمان على سبيل المثال، وذلك فيما قمنا بعملية مقايسة بسيطة على صعيد الحقوق السياسية والوظيفية والاجتماعية، ولكن بشكل عام، هناك اهمال لهذا الرقم، هناك تعامل جاف، وربما ظالم مع هذا الرقم، ويبدو ذلك واضحا كل الوضوح مع شيعة البحرين، حيث تُوِّج الموقف هذا بتشريع ما تسميه المعارضة البحرينية بـ(التجنيس السياسي)، الفقر سمة أبناء المناطق الشيعية في البحرين، الاهمال العمراني سمة هذه المناطق.

3:
هذه السياسة، سياسة الاهمال المتعمد، وسياسة الموقف الجافي من الشيعة في دول الخليج قادت إلى نتائج ليست في صالح الاوطان، وليست في صالح الحكام وليست في صا لح الشعوب، وليست في صالح المنطقة. لقد تحول الشيعة في بلدان الخليج بشكل عام الى معارضة، خاصة في البحرين والسعودية واحيانا في الكويت، وكانت هناك علاقة متشنجة بين الشيعة العرب في الخليج وبين حكا مهم، وقد تخلل ذلك تصعيد حكومي ضد الشيعة، سجنا، مطاردة، تهجيرا، وربما قادت هذه السياسة السلبية الى تطلع شيعة هنا وشيعة هناك إلى ايران، منقذا، او عنصر تهديد، او ولاء... فيما بقي الشيعة عموما يعلنون بكل صراحة وقوة إنهم عرب، وهم خليجيون أولا وقبل كل شي، لا ولاء قبل أو بعد الوطن....

4:
العلاقة هذه متوترة الان، متوترة أكثر من قبل، هذه حقيقة، وربما الظروف التي يمر بها المجتمع العربي والاسلامي، ظروف الانتفاضات الشعبية، وظروف التجاذب الطائفي المقيت في لبنان والعراق يصب باتجاه هذه التوتر، وهو بادي للعيان، ينذر بالخطر في البحرين أولا والسعودية ثانيا، هو قضية مقلقة سواء بالنسبة للانظمة أو الشيعة أو عموم الخليجيين بصرف النظر عن أي انتماء مذهبي او وطني....
الامر يتطلب حلا، وحلا جذريا، وإذا كانت بضع خطوات بسيطة ومرنة فيما لو اتخذتها هذه الانظمة والحكومات فيما سبق كفيلة بشيء من الحل، فإن مثل هذه الخطوات ليست كفيلة بحل مقنع في سياق الظروف الحالية، فلابد من موقف بل سياسة جريئة تقدم عليها الحكومات والانظمة المذكورة باتجاه حل جذري،يجنب البلاد والعباد الويلات والمشاكل.

5:
أن أولى خطوات الحل الجذري هو عمل هذه الانظمة وفي المقدمة منها حكومة البحرين والمملكة العربية السعودية على دمج المواطن الشيعي في نظام الحكومة، اي أن يكون للشيعة حضورهم الوظيفي الواسع، كما هو حضور أهل السنة في الوزارات، في صلب الحكومة، لا يكفي أن يكون منهم معلمون ومدرسون ومهندسين، بل المطلوب أن يكون لهم الحضور في صلب الدولة، يشاركون في تخطيط اقتصا دها وسياستها وصحتها وعمرانها، وهو من حقهم، فكل مواطن له نصيبه من ثروة الوطن، وله الحق في تصميم القرار السياسي للدولة، لا يكفي وظيفة هنا ووظيفة هناك، بل المطلوب أن يكون لهم حضور في قلب الدولة، في عقل الدولة، كي يحسوا من الا عماق إنهم في دولتهم، وإن الدولة تحترم مبدا المواطنة وتعمل بموجبه الدستوري.
المطلوب الاخر هو الاهتمام الجدي بالمناطق الشيعية، اي اعمارها، فمن المعروف إن هذه المناطق تشكي الاهمال العمراني والصحي، وعملية انقاذ هذه المناطق من هذا التردي في العمران والخدمات تفعل من العلاقة بين الشيعة والانظمة المذكورة، بل هذا قانون مدني عام، فإن التفاعل الجدي المثمر بين الحكومة والمواطن يستوجب من الحكومة الاهتمام بابسط حقوقه المدينية كما هو معلوم.
المطلوب الآخر هو أن تؤمِّن هذه الانظمة حقوق الشيعة الطقوسية، هذه نقطة حساسة في ضمير الانسان الشيعي، وأن تهذب المناهج الدينية من أي إساءة الى التشيع، وهي القضية التي طالما يشكو منها شيعة الخليج.
ان الشيعة في الخليج يتطلعون إلى حكومات تعمل على معاملتهم مواطنين من الدرجة الاولى، وليس مواطنين على الهامش، والبداية هي دمجهم في هيكل الدولة، أن يكونوا من بناتها، من اعمدتها، وهذا يتوقف على الحكومة بالدرجة الاولى.

6:
ولكن هل يعني هذا أن الشيعة في الخليج، خاصة في السعودية والبحرين غير مسؤولين عن مواقف تجاه الحل،أي هل الحل هو مسؤولية الانظمة حصرا؟
لا بطبيعة الحال...
أن أولى المواقف هنا أن يرحب الشيعة باي انجاز مهما كان بسيطا باتجاه الحل، اطلاق سراح المعتقلين في البحرين، تعيين خمسة وزراء شيعة في الحكومة، اعلان توظيف عدد كبير من ا لمواطنين الشيعة، هذه المواقف وغيرها ينبغي أن تجد صداها في التجاوب الشيعي مع حكومة البحرين، وليس من المصلحة اعتبارها نوعا من التخدير ونموذجا من الالتفاف على المطالب الكبيرة...
إن شيعة الخليج مدعوون الى طرح مطالب واقعية، فإن مشروع الملكية الدستورية يحمل بذور فشله في تصوري، الخطوة الاولى هي دمج المواطن الشيعي في الدولة، أن يجد موقعه في مراكز ومواقع الدولة التي لها مساس بتخطيط سياسة الدولة، قيادة الدولة، ثم تأتي الخطوات الاكثر عمقا...
الولاء للوطن سمة شيعية، فالشيعة هم الذين حاربوا الانكليز في العراق، وهم الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي في جنوب لبنان، وهم الذين ضحوا الكثير من أجل القضية الفلسطينية، وقد رفضوا ان تكون لهم دولة با سمهم في الجزيرة وفضلوا الانطواء تحت لواء المملكة بقيادة عبد العزيز، وشيعة الخليج على هذا الدرب، الدرب الوطني اللاحب، فهم أهل البلاد، وهم عصبها الحساس، وهم اتباع الائمة العرب، وهم مثقفو هذه الشعوب، ولذلك لا يمكن شراء ولاءهم لاي قوة خارج مملكة الوطن، فما على الحكومات الخليجية سوى أن تنتبه لهذه المقتربات وتعمل في ضوئها وعلى ضوئها...