مبادرات ثقافة القراءة في الإمارات تعود في إطلاقها والتأكيد على تعميمها الاجتماعي والإعلامي إلى سياسة دولة ورؤية قادة فكر وتربية وتعليم، وفي مثل هذه المبادرات التي تقوم على أسس بهذه الأهمية الإدارية والقيادية، فإن النتيجة الايجابية مضمونة سلفاً وبالكثير من التفاؤل المستند إلى المنطق والموضوعية بعيداً عن العاطفة واستهلاك الإعلام..

راقب، إذا أردت، الكيفية التي تعمل بها الإمارات على مستوى مبادرات القراءة،.. هناك مثلاً عامل الزمن، وأقصد به مبادرة عشرية القراءة من العام ٢٠١٦ إلى العام ٢٠٢٦ في الإمارات، ثم آذار/ مارس من كل عام (شهر القراءة)، ثم المبادرات الأوسع نطاقاً اجتماعياً ومحلياً مثل مشروع قراءة بلا حدود، ومكتبة في كل بيت إماراتي، ومهرجان الشارقة القرائي للطفل، والمبادرات المتواصلة لمركز أبوظبي للغة العربية، وبرامج مكتبة محمد بن راشد المتعلّقة بالقراءة..

كل هذه القنوات وغيرها ذات الصلة العملية بمفهوم القراءة وثقافتها وسلوكها الفردي والجماعي تتكامل وتلتقي على الفكر والعمل والتخطيط الذي تعطيه الدولة أولوية مادية ومعنوية باتجاه لا التباس فيه نحو تعميق وتأصيل القراءة، ولعلّ المبادرة الأكبر (تحدّي القراءة العربي) في الإمارات هي أكثر العناوين وضوحاً ومؤشراً على رؤية الدولة وتطبيقاتها العملية المنتظمة بشأن قيمة القراءة وقيمها الحضارية المدنية في الإمارات..

اليوم، تضاف إلى هذه الرؤية الثقافية الإماراتية مبادرة جديدة يطلقها مركز أبوظبي للغة العربية، وهي مبادرة ميدانية إن أمكن القول حيث «القراءة في المرافق الحيوية»، أولاً في المقاهي، وتالياً، في مرحلة ثانية من المباردة يجد القارئ كتباً في الفنادق، وفي المستشفيات، وفي المطارات، وفي صالات انتظار المعاملات في دوائر الدولة الحكومية والخاصّة..

هذه حالة ميدانية ثقافية بامتياز، وكان القارئ في الإمارات وجد كتباً في خزانات متخصصة عند الشواطئ؛.. «القراءة في الهواء الطلق».

كرنفال اجتماعي عام بلا مبالغات وبلا حرق للمراحل كما يقولون، فالقراءة جزء من ذات الإنسان وشوقه الفطري للمعرفة، وهو يحقق هذا النزوع التلقائي في هذه الفضاءات القرائية المكانية العامّة..

أردت أن أضيف إلى هذه الصورة الثقافية الراقية في الإمارات ما هو موجود أصلاً في ذاكرة كل قارئ محترف إن أمكن القول، وأقصد، ظاهرة كتاب الجيب التي عُرِفت في فرنسا في أوائل الخمسينات من القرن العشرين بالصورة التقليدية المعروفة لهذا الكتاب الورقي المحمول بكل عناية في جيب القارئ.

تُرى.. هل سيعرف القارئ الإماراتي كتاب الجيب أو هل سيتاح له هذا الكتاب في المرافق الحيوية والأماكن الميدانية القابلة للقراءة..؟