ما تضمنه بيان مديرية المخابرات عن خطف منسق القوات اللبنانية باسكال سليمان وقتله لا يمكن أن يتقبّله أي عقل جنائي.

قالت المديرية وفق بيان صادر عن قيادة الجيش إنّه “تبيّن خلال التحقيق معهم أن المخطوف قُتِل من قبلهم أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا”.

كيف يمكن لهذا الكلام أن يقنع العقل الجنائي، خصوصًا مع توافر معطيات كافية لنفي صحة هذا التبرير الرسمي؟

لنبدأ بتعداد ما يشوب هذه الرواية من عيوب.

أوّلًا، ما هذه الصدفة أنّ عصابة سرقة السيارات هذه لم “تستحلِ” سوى سيّارة مسؤول في حزب “القوات اللبنانية” وتعمد الى خطفه غير آبهة بكاميرات المراقبة وبالبيئة الحاضنة وبالمساحة التي تفصل بين ميدان الجريمة ونقطة الوصول؟

ثانيا، ما هو نوع هذه العصابة التي تستطيع أن تتحرك بحرية كاملة بين جبيل وقرية القصر الحدودية وتدخل بأريحية مع جثة الى سوريا؟

ثالثا، لماذا هناك علامات تعذيب على جثة الضحية، طالما أن المقصود سرقة سيارته، لا أكثر ولا أقل؟

رابعًا، كيف أمكن لهذه العصابة أن تتحرك بهذه الأريحية، على الرغم من أنه عُلم بأمر عملية الخطف فور حصولها، إذ اشتبه بذلك صديق المخطوف الذي كان على الهاتف معه حين وقع في كمين العصابة؟

في الواقع، من يدقق في ما هو منسوب الى هذه العصابة يراها “خارقة” وهي تكاد تتفوق بقدراتها على “فيلق القدس”، إذ إنّ لديها جبهات هجوم وجبهات مساندة.

يؤسفنا أن نتعامل بهذا التشكيك مع جهاز أمني يفترض بنا أن نجله ونقدره ونحترم أداءه وفاعليته!

كان على مديرية المخابرات، رأفة بسمعتها وبعقولنا، أن تتريّث قبل أن تقدم هذا الدافع. لم تكن مضطرة على تقديم رواية سريعة بدت كأنها مهووسة بتدعيم عاجل جدًا لهجوم الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله على خصومه في الداخل اللبناني.

لم تكن مضطرة هذه المديرية التي لا يشك أحد بقدراتها على أن تقدم هذه الخلفية للجريمة بهذه السرعة. كان يمكنها أن تتريّث على هذا المستوى حتى تعمّق تحقيقاتها، وتقدم رواية مدعمة بالأدلة الدامغة، ومن شأنها أن تقنع العقول المنطقية والمتخصصين بعالم الجريمة.

غريب أمر خصوم “جبهة الممانعة” في لبنان، فهم دائمًا إمّا ضحايا “قاتل مجهول- معلوم”، وإما ضحايا “خلافات عائلية” وإما ضحايا جريمة سرقة.

للأسف، لا يمكننا بعد هذه الرواية التي قدمتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني إلّا أن نظن- بعد تردد- بأنّ باسكال سليمان قد اغتيل على يد قوة تملك حرية الحركة في مناطق الممانعة، ثم قتل في تبرير رسمي مناف لأبسط معطيات المنطق.

بالفعل، لقد اغتيل باسكال سليمان …مرّتين!