معنى القضاء
لست قاضيا ولا رجل قانون، ولكنني اعرف ما القضاء وادرك ما الاحكام كوني قرأت تاريخ القوانين وتمعنت طويلا في القضاء العراقي وتواريخه ويعود الفضل في ذلك للبيئة البيتية التي ترعرعت فيها ولمكتبة والدي رحمه الله، فلقد كان واحدا من ابرز قضاة العراق السابقين. كان القاضي قبل عهد البعث يسمى بـ quot; الحاكم quot; وجمعها: الحكام. وقد قالت العرب قديما: الحاكم هو القاضي الذي يحكم الاشياء ويتقّنها.. والحكيم يجوز ان يكون بمعنى الحاكم.. وقال الجوهري: الحكم الحكمة من العلم.. والحكم: العلم والفقة. وتقول العرب: حكمت واحكمت بمعنى: منعت ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم، لأنه يمنع الظالم من الظلم. وقال الاصمعي: أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم. والحكم: القضاء، وجمعه: احكام وعن الازهري ايضا: الحكم القضاء العدل (ابن منظور، لسان العرب، المجلد 12، ص 140-141). والقضاء جمعه: القضايا. قال اهل الحجاز: القاضي معناه في اللغة: القاطع للامور المحكم لها، واستقضي فلان اي جعل قاضيا يحكم بين الناس. والقضايا: الاحكام. وأصل القضاء: القطع والفصل. قال الزهري: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها الى انقطاع الشيىء وتمامه. وكل ما احكم عمله او أتمّ او ختم او أدى اداء او أوجب او اعلم او انفد أو أمضى فقد قضى (المصدر نفسه، المجلد 15، ص 186).

من قرأ رسالة الخليفة عمر الفاروق في القضاء؟
أما الخليفة عمر بن الخطاب فيكفي للانسان ان يقرأ مليا رسالته في القضاء ليدرك حجم اهمية القاضي الذي لابد ان يتمتع بخصال من نوع خاص لا يمكن ان تكون عادية ناهيكم عن دور الادعاء العام ومنهجه ودور الدفاع الذي يضطلع به المحامون! اليس القضاء فريضة محكمة وانها بحاجة الى الفهم في ما يدلى به؟ فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.. اليس من المفروض ان يأسو القاضي في جلساته ووجهه حتى لا يطمع هذا في حيفه ولا يخاف ضعيف في جوره؟ الم يراجع القاضي نفسه كي يهتدي فيه لرشده فيتراجع عما سلكه؟ فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.. أين الفهم الفهم؟ اين دور المدعي العام وبيده القرائن والحيثيات؟ فالمفروض ان يجعل من نفسه حقا غائبا او بينّة آمدا ينتهي اليه؟ هل احضر بينته بحيث أخذت له بحقه او وجه اليه القضاء، فان ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وابلغ في العذر؟؟

اي محكمة لعصر من الفظائع؟
وهنا أسأل من باب تحصيل حاصل: هل وصل القضاء العراقي الى هكذا مستوى من الضعف والاخفاق وفي أهم محاكمة تاريخية سّماها العالم بمحاكمة العصر؟ وانتظرها العراقيون وكل العالم زمنا طويلا؟ أي quot; محكمة جناياتquot; هذه التي لا تدرك الفصل بين جنايات حدثت على مدى ثلاثة عقود من الزمن وبين اباحيات لا يعقل ان تدور في أروقتها في ثلاث جلسات من المحاكمات؟ هل انها محكمة لجناة عاديين ام انها محاكمة لعصر من الفظائع وصناع المآسي؟ هل انها محكمة لمجموعة من شباب طائش ام انها محكمة لعتاة في الجنايات السياسية والحزبية والشخصية والاجتماعية؟ اي محكمة هذه التي تخضع لقياسات غير عراقية في (محاكمة) أناس لا يعرفون الا سوء السلوك وقلة الحيلة؟ اي محكمة عراقية باردة هذه التي طعنت مشاعر العراقيين واهانت كبريائهم في الصميم ليس لأنها تحاكم متهمين كبارا مثل صدام حسين وجماعته، بل لأنها محكمة بائسة حتى وان حاكمت متهمين عاديين؟؟ اي محكمة هذه التي انتقدها الجميع بمن فيهم العديد من كبار البعثيين وهم من انصار النظام السابق؟ اي محكمة سوريالية هذه التي غدت مهزلة في كل هذا العالم؟ اي محكمة هذه التي بدت مثل حمام شرقي لا تسمع فيها الا هلوسة مشاغبين وشقاوة دلاكين وهذيان مجانين؟؟

من اجل محكمة قوية لا محكمة فوضوية!
لقد سببت هكذا محاكمات متعبة مشكلة في المجتمع العراقي، واظهرت المتهمين بصورة غير حقيقية، بل واعطتهم عن طيب خاطر اقنعة يلبسونها على وجوههم من اجل ان يقال انها محكمة (متحضرة).. لا يا عزيزي ايها القاضي الفاضل رزكار.. ان الحيادية والموضوعية شيء وان قوة الشخصية وفرض الهيبة شيئ آخر.. هل كانت المحاكمة تتقصد هذا الفعل كي تسكت العراقيين الذين تعودوا منذ عهد طويل على محاكمات فوضوية وسياسية خاصة؟ وهل نبتعد عن محاكمة فوضوية غوغائية لكي ننتج محاكمة هزيلة بائسة ضعيفة؟ هل يليق بزعيم مخلوع مثل صدام حسين محاكمة هزيلة؟ الا يفترض ان يكون هناك طاقما من القضاة العراقيين والمدعّين العامين الذين يفرضون هيبتهم على الجلسات كلها؟ هل غدا العراق خاليا من رجال قانون مدنيين كانوا ام عسكريين؟ وسواء اتفق العراقيون ام اختلفوا حول عهد صدام حسين فان التاريخ سيقول بأنه حكم العراق لاكثر من خمس وثلاثين سنة بقوة متناهية وشاذة عن كل اساليب الحياة.. فهل تصلح لمحاكمته مثل هذه المحكمة؟ هل تريدون ان يقول العالم ان القضاء العراقي بدا مهزوزا امام زعيم مخلوع وجماعته الذين وقفوا يعلنون بعدم شرعية المحكمة؟ والهدف واضح عند صدام وجماعته ومحاميه انهم يريدون نقل المحكمة الى خارج العراق.. وعند ذاك ستضيع كل الخيوط! هل يدري القاضي الاول رزكار بأن المحكمة التي يقف على رأسها لها قيمة تاريخية لا تقدر بثمن اذ سيذكرها التاريخ طولا وعرضا.. اليس من الاجدى ان تكون هذه المحكمة اكثر حنكة وقدرة ومسؤولية وحرارة وضبطا وربطا ولغة واسلوبا وتعليقا واكثر جذبا وسحرا..؟؟

الهيبة مطلوبة يا محكمة الجنايات!
اما الاخوة من المحامين العراقيين الذين وقفوا الى جانب محامين غير عراقيين.. فلقد وجدوا انفسهم بأنهم جميعا قد جاءوا لا ليترافعوا حسب الاصول، بل ليكونوا كالمشاغبين في حفل راقص يؤدون فيه تمثيلية تثير الاستهزاء بحيث جعلت صدام حسين نفسه يقهقه لأول مرة وهو في قفصه ولأول مرة يجده العراقيون وقد لف رجلا على رجل وهذا ليس من عاداته ابدا! وجعلت برزان يهين القاضي الجالس على يمين القاضي الاول اهانة لا تحتمل. ان العراقيين لا يرون محكمة لمعركة فاصلة بين الحق والباطل امام شاشات التلفزيون، بل يشهدون حفلا كوميديا لأناس لم يعد لهم اي نهج في القانون لا الجنائي الذي يثير الرهبة، بل حتى ذلك القانون المدني العادي! محكمة تأسست لاناس باسم التاريخ والمستقبل وقد اتهمهم الشعب انهم هجموا العراق حجرا فوق حجر.. وكانت النتيجة ان انتهى الجميع القاضي والجلاد حفاة عراة على شاشات التلفزيون!
أتوجّه قليلا لاتساءل: الا يستحي اولئك الذين قدموا من وراء الحدود ليدافعوا عنه؟ وعن ماذا يدافعون؟ ما معنى دفاعهم هذا؟ ما فحوى اسئلتهم البليدة للشاكين والشاهدين معا؟ ما ضرورة دفاعهم بعد ان يكون المتهم قد قذف بالحمم الاولى كما يقذف البركان من تحت الارض بالنار والاحجار المشتعلة لكل هذه الانفجارات!! الا ينبغي من اناس لا يخجلون على انفسهم يستمعون الى شهادة نسوة عراقيات كن ينشجن ويبكين وهن يتذكرن كيف هتكت اعراضهن ظلما وعدوانا ومورست بحقهن اوسخ العذابات واشنع الافعال!؟
ليدعني الاخ الاستاذ القاضي رزكار ان اقول بأنه قد اضاع هيبته منذ اللحظة الاولى وهو لم يؤسس للقطيعة بينه وبين الاخرين كل الاخرين! كنت أتأمّل انه صاحب عبقرية قضائية عراقية يهيمن بشخصيته الكاريزمية على كل الجلسات.. كنت اتمنى ان يصول ويجول مع كل من يحضر ليأخذهم بالحق والامانة واللغة الصادحة المؤثرة ذات اليمين وذات الشمال.. انه باسلوبه الهادئ واخلاقياته المثالية قد اضاع على المحكمة فرصة تاريخية في ان تحفظ مكانتها في التاريخ انه باسلوبه قد هيأ الفرصة لكل من يتجرأ على كسر القيود والاصفاد والتقاليد المهيبة التي تتمثلها محاكم العالم كلها! انه والمدعي العام الذي بدا ضعيفا هو الاخر قد اساءا الى تاريخ القضاء العراقي الذي كان يستشهد دوما بتجاربه الناصعة! لماذا تجاوزتها ايها القاضي الاول في محكمة للجنايات الخاصة كي يتجاوزك صدام حسين واخوه من بعد؟؟ لماذا اضعت فرصة تاريخية كانت متاحة لمحاكمة عهد سياسي يعد من اكثر عهود العراق سوءا وظلاما؟

محكمة تخشى الخطوط الحمراء
لقد بدت هكذا محاكمة هزيلة غريبة على العراق وتاريخه وعلى العراقيين اجمعين.. محكمة لم تتجاوز الحدود الخضراء، فكيف بها تمتلك المقدرة في اختراق الخطوط الحمراء؟ لقد كان صدام حسين في مستهل المحكمة مرتجفا لائذا بالصمت يطرد شبح الهدوء وهو يوزّع انظاره ولكنه اكتشف بأن من يقابله اضعف من ان يسأله سؤالا واحدا فراح يغرد خارج السرب كعادته وهو يسترد قوته ليلعب بالكرة في ملعب المحكمة، بل وليجعل من القضاة كرة يقذفها هنا وهناك.. كيف يمكن لقاض ان يتقّبل الاهانة وهو يلوذ بالصمت عندما يعلو صوت المتهم على صوته؟ كيف يتقّبل ان يبصق احد المتهمين بوجه احد الحضور ويسكت من دون اي مضض؟ مما اثار اشمئزاز المحامي الامريكي رامزي كلارك! القاضي لا ينبغي ان يكون حالما هادئا وملاكا ولا ان يكون عاتيا جبارا مخيفا.. عليه ان يفرض شخصيته بكل ثقلها ولا يسمح ابدا لأي طرف من الاطراف ان تعبث وتثير الاستهزاء.. وله الحق ان يسكت من يستخدم كلاما بذيئا او خارجا عن الادب او الاصول.. بل وله الحق في معاقبته في اروقة المحكمة ndash; كما تقول كل ادبيات الاجراءات والمحاكمات في العالم -.
وسواء فرضت عليه تعليمات ام لم تفرض عليه أيّا منها، فالمحكمة عراقية وينبغي ان تبقى عراقية ولا يحق لأي طرف ان يتدّخل في شأنها.. فنحن لا نتمثّل بتجارب الاخرين ما دام لنا قضاؤنا العريق وقوانين عراقية في كل الميادين.. ولنا تاريخ عراقي حافل من المحاكمات الجزائية والجنائية والسياسية والادارية والبدائية وقوانين الصلح والاجراء والمعاملات الشرعية والاحوال الشخصية والعسكرية.. ساحات القضاء العراقي تشهد بتاريخها الحافل قافلة من افضل قضاة العالم الذين رحلوا وتركوا بصمات لا يمكن نسيانها.. والمسألة هنا ليست عادية حتى يمكن ان تعامل بها الدفعة الاولى من المتهمين كاشخاص عاديين، فلقد حكموا العراق لعقود من السنين.. لم اقصد ان يكون الاخ القاضي الاول كالعقيد فاضل عباس المهداوي الذي اشتهر شهرة كبيرة في نهاية الخمسينيات على عهد الجمهورية الاولى وتسّمت المحكمة باسمه وبقي شاغل الناس ليس لكونه قاضيا حقيقيا متمرسا بل لأنه ملأ العالم بصوته وضجيجه وتعليقاته التي وصفت بالتهريج.. فالمعادلة معكوسة هذا اليوم تماما، فبقدر ما كان ذاك سليط اللسان زائغ النظرات يتمتع بحريته الكاملة الخارجة عن اصول المحاكمات وكان المتهمون امامه يوم ذاك في غاية الادب واللياقة والتهذيب.. بقدر ما غدا قاضينا اليوم مهذبا وعفويا وصامتا يجلس المتهمون امامه يتصايحون ويتنابذون ويتجاسرون!! بقدر ما كانت الحبال تتدلى وتمتد من كل الجهات يوم ذاك، بقدر ما يطالب القاضي اليوم على استحياء بطرد شخص من محكمته قال كل من المحامين والمتهمين معا انه ينظر اليهم شزرا!! بقدر ما كان المدعي العام الشهير يوم ذاك العقيد ماجد محمد امين يلعلع صوته نجد المدعي العام اليوم ضعيفا لا يملأ مكانه ابدا..

مطلوب محاكمة الكليات لا البقاء في دوامة الجزئيات
ان المسألة ليست محاكمة شخص او عصابة او جماعة.. بالحياة او الموت، بل كان لابد ان تكون محكمة لعهد ومحكمة لتاريخ ومحكمة لازمان ومحكمة لجملة هائلة من الجرائم!! لابد للمحكمة اليوم ان تدرك منذ اللحظة الاولى بأنها امام اول مسؤول عن العراق يؤمن بالكليات فلتحاكمه في اطار الكليات.. محكمة كان لابد لها ان تدرك بأن الجزئيات التي لا حصر لها سوف تغدو مجالا للتشكيك والايهام والهروب.. ان صدام يقول بأنه لم يضرب عراقيا واحدا، فمن يثبت عليه ذلك رسميا في الدجيل، ولكنه لا يستطيع ان ينكر كليات ما جرى على عهده بدءا بالعام 1959 وانتهاء بجر العراق الى حرب عاتية هرب هو نفسه من ساحة القتال عام 2003! هل كانت الجريمة واحدة تتمثّل في الدجيل؟ ولماذا اختيرت الدجيل ازاء اتهامات لا لبس فيها وهي اكبر واعظم شأنا من حادثة الدجيل.. بدءا بالجزئيات المهمة وانتقالا الى الاحداث المأساوية التي مرت عبر السبعينيات ومرورا ايضا بما حدث في الثمانينيات ووصولا الى التسعينيات وانتهاء بمطلع القرن الواحد والعشرين!؟؟

هل نتخيل انه سيفعلها؟
كم هو جميل ان ينصرف كّل الى بيته بعدما تحترم مشاعر العراقيين ولو لذرة واحدة؟ كم هو حقيقي ان يخرج اليوم صدام حسين من كل ماضيه الصعب ليقول كلمة واحدة للتاريخ ويعترف فيها بالخطأ؟ هل يمكنه ان يفعلها وان يسجّل مأثرة واحدة في حياته لينصف كل من رحل من العراقيين ظلما وعدوانا؟ هل يمكنه ان يقول بأن كل العراقيين هم يتساوون من دون تمييز؟ هل يمكنه ان يطلب الشفاعة ليس من محكمته، بل من كل العراقيين بعد الله عز وجل؟ هل يمكنه ان يكون عادلا مع نفسه ويعترف باخطاء حدثت بسببه وما دام لم يزل على قيد الحياة؟ اسئلة كثيرة لابد ان يتحّرك بها من يقف على سدة القضاء اليوم اي اقصد القاضي الاول.. ليتكلم قليلا امام العالم بشكل قانوني حيادي من دون اي تدخّل سياسي ويخرج هو الاخر من دائرة الخوف ودائرة الشفافية المصطنعة ودائرة الاخلاقيات المزيفة في عالم لا يعرفها؟ انني لم اسمع الاخ القاضي الاول يتكلم الا لماما، فهل يعجز الرجل عن ذلك خوفا؟ ام هل انه ليس له من حكمة وثقافة وقانون ليصغي صدام والعالم كله اليه.. فالعدالة لا تحرم على القاضي ان يتكّلم بصرامة.. فهل يمتلك القاضي الاول هكذا خصال ومعرفة؟
اسئلة كثيرة لم تخطر ابدا على بال صدام حسين الذي لم يزل متشبث بالعظمة الفارغة التي لم يعد لها وجود مذ اصبح بقبضة جنود عراقيين ام امريكيين وقد هوى وتحطم كل جبروته.. الا يستحق العراق ان يعلن صدام حسين للعالم اجمع عن خطاياه ويعلن الاعتراف عن عهد طواه التاريخ كي يسجل اكثر من حقيقة اساسية للاجيال القادمة:
اولاهما كسبا للتاريخ ولأول مرة في حياته اذ سيكتب الزمن انه مضى معترفا امام الله والعباد بما جناه.. فالاعتذار رجولة وان القديم لا يمكن ان يرجع الى قدمه ابدا.
ثانيهما انه سيكون مثلا لكل اتباعه ومناصري عهده ومن لم يزل يحلم بعودته.. انه يخط لهم نقطة ليس للرجوع في طريق مسدود، بل ليعلنوا براءة من ماض عقيم لا يمكن ان يهربوا من مسؤوليتهم جميعا في صنعه!

واخيرا.. ماذا اقول؟
كنت اتمنى ان يقضي صدام حسين رحله على تراب العراق وهو يقاتل الامريكان حتى يقتل ان لم يكن مستعدا للانتحار! الا يستحق العراق ان يفتديه بدمه؟ الم تتحرك ضمائر ايا من رفاقه المعتقلين كي يتخلص من غثيانه ليرفض ما مضى من تاريخه علنا؟ لا يمكن للانسان ان يكون دوما مالكا للحقيقة! وكل الشواهد تؤكد بأن العراق كان بلدا رائعا في يوم من الايام وغدا مجرد اشلاء مبعثرة على عهد جائر مضى جّره الى مواجهات الحروب ودماراتها وعرضّه للاحتلال في الحرب الاخيرة.. ان التاريخ يعلمني بأن هناك من صحا ضميره فجأة وضحى بكل الامجاد والتجليات في لحظة تاريخية واحدة واخيرة: لحظة خلوة مع الذات كي يخرج فجأة على العالم ليقول: من اجل العراق اعترف بكل ما جنيت عليك يا وطني وعلى كل ابنائك العراقيين وساصمت الى الابد قبل انتهاء الرحلة البائسة. فهل سيفعلها صدام حسين؟ انني اشك في ذلك!