لم اتوقع ان يجرأ مفكر عربي وأحد دعاة الفكر الليبرالي وحقوق الانسان في العالم العربي الدكتور شاكر النابلسي على توجية دعوة للكاتب المصري الدكتور سيد القمني للموت والاستشهاد على ايدي تيار سلفي من اجل افكاره. بل وسارع الدكتور النابلسي في مقالته ( بئس المفكر والجبان انت) بنعت سيد القمني بالجبن. ان حياة الانسان اثمن قيمة على الارض والمفروض صيانتها واحترامها لاالاسنخفاف بها باية ذريعة كانت.
ان دعوة الدكتور النابلسي لسيد القمني تذكرنا ايضا بدعوة غلاة السلفية لاتباعهم للاستشهاد في سبيل فكرهم وصورة العالم الذي برمون لاقامته. وكان الدكتور النابلسي قد رفضه بشدة بما في ذلك في مقالته السبت في ايلاف. ففي النهاية ان كل طرف( الفكر السلفي والفكر الحديث بكافة اشكاله) يزعم انه يجسم الحقيقة التاريخية. واستعير بهذا الصدد من مقالة الدكتور عبد الرزاق حسين التي اشار لها الدكتور النابلسي ايضا، ما نقلته عن الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل " أنا لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري لأنها قد تتغير." .
ومن المستحيل قياس موقف الدكتور السيد القمني بمقايس الشجاعة والجبن بمفهموها اليومي المتداول والمزايدة بها وسحبها ببساطة على قضية فكرية. فليس من الحكمة الدخول في معركة وقوتك غبر متكافئة مع قوة الخصم، الدخول في معركة خاسرة اساسا. اضافة الى ان ذهنية وعقلية سيد القمني لها تركيبها الخاص الذي يختلف جذريا مع عقلية الذي هددوه بالموت. ان المفكر نبي اعزل ( المصطلح من اسحق دوتشر) واداته الوحيدة الكلمة في هذه الحالة. وان جره الى معارك بادوات اخرى مسالة غير مشروعة. انني افهم موقف الدكتور سيد القمني على انه احتجاج وصرخة غضب في وجه هذه الامة التي صار فيها كل مستباح باسم الله، وليس العكس ( لو لم يكن الله موجودا لكان كل شئ مسموحا به)( فيدور دوستويفسكي). انها صرخة مفكر حر في رد على الامة التي كان يعمل من اجل ان تعي ذاتها، ووتقدم على طريق الحداثة والنطور والارتقاء.
ان غالبية شهداء الفكر سقطوا ضحايا على عتبته بغير ارادة منهم، دون تلبيتهم دعوة للموت، لقد سقطوا مغدورين. اخذوا على حين غفلة. ولكن المفكر قد بضطر لاعلان هدنة ووقفة حينما توجه دعوة للشنق. لقد تراجع غاليليو عن اكتشافة العظيم بدوران الارض حينما عرضته محاكم التفتيش للموت، واضطر الى التصريح بان الارض لاتدور رغم ايمانه بانها تدور. فهل نحكم اليوم على غاليليو بانه جبان. واضطر الاديب الروسي بوريس باسترناك عن التخلي عن جائزة نوبل بعد ان عرضت الحكومة السوفياتية الخيار بين الجائزة او الرحيل عن وطنه. علما بانه وقف على هذا الخيار بالحاح من زوجته. وهناك امثلة كثير دون شك.
كان من المرتقب ان يبدي الدكتور النابلسي دعمه لسيد القمني، مثلما وقف بشجاعة لجانب المفكر التونسي العفيف الاخضر، والعمل على توسيع صف المجابهة مع القوة الظلامية لصف القمني ونيابة عنه، والبحث عن مكان امن لنقله اليه بمساعدة المنظمات الدولية والانسانية، لادعوته للقبول بالشنق بحجة الدفاع عن الفكر الحر. ليس بهذه الطريق يسقط الاحرار.