قبل أيام قليلة مضت تعرضت (قناة الفيحاء) الفضائية في مقرها البديل و الجديد في مدينة (السليمانية) العراقية التابعة لإدارة الأحزاب الكردية في (كردستان العراق) لحملة مداهمة شرسة و دموية من قبل جهاز الأمن الكردي و بأسلوب أستعملت خلاله القوة المفرطة مما نجم عنه إصابات متفرقة و إعتقالات تحدثت عنها وسائل الإعلام و فضلنا التريث و الإنتظار لحين معرفة التفاصيل و المداخلات خصوصا و أن الوضع في العراق كل العراق سواء في كردستان أو جنوبستان أو غربستان أو صدرستان أو حكيمستان!! يحمل مفاجآت يومية يشيب لهولها الولدان!!، و فعلا فقد صدر التوضيح المنتظر من أهل الأمن في كردستان و كان توضيحا يحمل في طياته العديد من عناصر الطرافة بل المهزلة المفرطة التي تتحول بلمسة زر لمأساة!! فالفرق بين المأساة و الملهاة في العراق متعلق بخيوط رفيعة من الحرير!!، فقد تبين أن القضية تقف خلفها (معركة سكارى)!! أي أن كل ما حصل من فوضى و مداهمة لصرح إعلامي لا يسجل إلا تحت مسمى (دعوة سكر)!! وهي قضية لها أبعادها في القضاء العراقي المعروف بتعامله اللطيف مع قضايا السكر و العربدة في أيام النظام البائد!! فمن واقع التجربة الشخصية أروي للقراء الكرام حكاية صديق لي تعرض قبل سنوات في وسط الشارع للبصرة لهجوم كان من نتيجته شق و جرح في الرأس من قبل شخص سكران سرعان ما أطلق المحقق سراحه لأنه سكران!! و يا سلام على العدالة!!... المهم في الموضوع أن التوضيح الرسمي لأمن كردستان قد ربط بين هجوم السكارى الأكراد الذي تحول بعد أن رد حرس حماية الفيحاء على ذلك الهجوم لصرخة إستغاثة بطريقة (وامعتصماه الكردية)!! تقول بأن هنالك هجمة عربية مضرية فيحاوية مؤنفلة في قلب كردستان!! مما عقد الموقف الشعبي و جعل من مبنى الفيحاء ساحة معركة خاضتها قوات الأمن الكردية بكل جاهزيتها القتالية و بين كل التطورات التي حدثت بعد ذلك!! و لا نستغرب ما حصل لأن التوتر و الحقد السائد في العراق قد جعل من أهل الصحافة و الإعلام هناك مشاريع موت مجاني يومية و قوافل الشهداء من أهل القلم و الإعلام العراقيين تتضخم كل يوم و بطرق جبانة و مبتكرة لا تنفع معه كل النداءات الموجهة للحكومة العراقية الغير قادرة على حماية نفسها أصلا لحماية الصحافة و أهلها و يستوي الوضع في الجنوب مع ما يحصل في الشمال فالمأساة العراقية واحدة و ليس هنالك من فروق حقيقية سوى في التفاصيل الفرعية.

و قضية (قناة الفيحاء) هي واحدة من القضايا الحساسة المتعلقة بحرية الرأي و التي وقعت ضحية الصراع الطائفي المحتدم في العراق و خارجه!، فقناة الفيحاء مكانها الطبيعي هو (البصرة) ثغر العراق المتهدم و المنكوب بهيمنة عصابات التخلف الطائفية و الأحزاب و الجماعات العميلة لنظام الولي الإيراني الفقيه من الأغراب و المتخلفين الذين تحولوا لقادة سياسيين في واحدة من أكبر المهازل التاريخية، فمن المعروف أن تلك القناة قد طردت من مدينة دبي الإعلامية لأسباب و مداخلات سياسية صيغت بأسلوب مخالفات إدارية ووفق مؤشرات لا تخفى حقائقها على العين البصيرة و الخبيرة!! و قررت الرحيل صوب العراق و نظرا لإستحالة العمل في مدينة البصرة المحتلة من قبل الأحزاب الإيرانية و العشائر المتخلفة فكان الخيار صوب كردستان و هو قرار أعتبره شخصيا قرار خاطيء و يحمل الكثير من عناصر المجاملة التي لا مكان حقيقي لها في العمل الإعلامي و السياسي الحقيقي، لأن حرية الكلمة المسؤولة لا مكان لها في الديمقراطية العراقية المريضة التي تدار بأسلوب و عقلية أهل البعث البائد!! فالديمقراطية ليست حبة أسبرين بل أنها سلوك حضاري و ثقافة متراكمة لا وجود لها في الوضع العراقي المعاصر الذي يحمل من الأمراض التاريخية و المتوارثة الشيء الكثير... فأصعب شيء في العراق قول كلمة الحق في وطن يحكم و يدار بأساليب العصور الوسطى و من قبل قوى و جماعات هي عار على الديمقراطية و الحرية... مأساة قناة الفيحاء هي صورة مصغرة لمأساة الإعلام العراقي الحر الذي يتعرض للمطاردة و القتل و الإعدام بالجملة و المفرق و لا قيمة لأي إعلام يكون واقعا تحت سطوة تابوهات و خطوط حمراء و مجالات حساسة لا تتحمل النقاش و لا المساءلة ؟ فحينما تكون الفضائيات تحت رحمة السكارى عربا كانوا أم كردا فعلينا أن نقرأ الفاتحة على ذلك الإعلام... نصيحتي للإخوة في الفيحاء في ضرورة الرحيل بعيدا و تحديدا تحت الحضن العربي و لا أعتقد أن ديار الله قد ضاقت بحيث سدت جميع السبل ؟ و إذا إنعدم الحضن العربي فلا خيار سوى العودة لديار اللجوء الغربية وهي مهمة ليست مستحيلة رغم صعوبتها... فالفيحاء إما أن تكون في البصرة حين تتحرر من التخلف أو لا تكون... و بعكسه إنتظروا الكثير من هجمات (جحوش السكارى و المدمنين)..... تلك هي الحقيقة العارية ؟.

[email protected]