[ 1 ndash; 2 ]
في هذه الحلقات محاولة لعرض نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في فرنسا، وأسباب هزيمة حزب الأكثرية، والخطوات التي تنوي الحكومة الفرنسية اتخاذها لمعالجة الموقف.
1 ndash; النتائج:
لقد مني الحزب الحاكم في فرنسا، 'حزب اتحاد الحركة الشعبية'، بالهزيمة في الانتخابات البلدية التي جرت على دورتين في شهر مارس الراهن، وذلك لحساب المعارضة اليسارية، والاشتراكيين بوجه خاص ورئيسي. لقد صارت إدارة البلديات في الغالبية الساحقة من المدن الكبرى في أيدي الاشتراكيين، ومنها مدينة تولوز، وستراسبورغ المهمتين، فضلا عن احتفاظ اليسار بباريس. لقد خسرت الأغلبية الحاكمة 44 مدينة متوسطة وكبيرة في عدد سكانها، [من 20000 وما فوق]، وأصبح لليسار 58 رئاسة مجالس البلدية مقابل 45 للأكثرية البرلمانية. إن بقاء المدينة الكبرى الثانية بعد باريس، مارسيليا، في أيدي الحزب الحاكم قد خفف جزئيا من وطأة الهزيمة، هذا وإن ما هو جدير بالذكر أن 7 ملايين ممن لهم حق التصويت امتنعوا عن التصويت، وهو حوالي 36 بالمائة من المجموع.
إن الآراء كثيرة في تحليل ما حدث، ومغزاه، رغم إمكان تصنيفها صنفين رئيسيين: آراء المعارضة، وتحليلها، مقابل تقييم الساسة من الأكثرية، والمعلقين المتعاطفين معها، والآراء الثانية فيها تنويع، وتعدد اجتهادات، رغم تلاقيها في النقاط الأساسية.
إن الموضوع متشعب، وهنا نقدم وجهة نظر، من بين وجهات نظر كثيرة، في الموضوع، سواء غربية كانت أو عربية.
إن الانتخابات البلدية هي مناطقية محلية، وتعتمد النتائج عادة على ظروف كل منطقة، وشخصيات كل مرشح. إنها ليست كالانتخابات البلدية الأمريكية، التي لنتائجها دور كبير في تركيب الكونغرس، لكن مع ذلك، فالهزيمة التي لحقت بحزب الأكثرية ذات مغزى سياسي، فهي كتوبيخ قوي، أو رسالة إنذار للحكومة، ودلالتها بالتالي على تزايد السخط الشعبي. إن هذه النتيجة جاءت مع الانخفاض الكبير في شعبية الرئيس الفرنسي، وهو ما علقنا عليه في مقالنا في 1 مارس تحت عنوان 'مطاردة سركوزي'. صحيح أن الفرق بين مجموع الأصوات هو 2 فقط، 5،49 بالمائة مقابل 47، ولكن المقارنة يجب أن تجري مع الأغلبية التي صوتت لسركوزي في الانتخابات الرئاسية.
إن الهبوط الكبير في شعبية سركوزي، التي ساهمت بدور مهم في النتائج، هو حالة نادرة بين ما حدث للرؤساء قبله، ونعني الهبوط بعد 10 أشهر فقط من الحكم.
الاشتراكيون يفسرون النتائج بالعقاب الشعبي، وبفيتو على مجمل سياسات وإجراءات الرئيس الفرنسي منذ تنصيبه، أي يعتبرون النتائج استفتاء ضد برنامج انتخابي أيدته أكثرية الفرنسيين في انتخابات الرئاسة، ثم في الانتخابات النيابية. إن هذا تفسير يطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، وبالتالي يشكك في صميم النظام الديمقراطي الفرنسي.
أجل، إن لنتائج البلدية دلالة سياسية، ولكن ليس كما يعرضها ويهولها الاشتراكيون، وأقصى اليمين على لسان لوبين، ويبدو أن سركوزي وحكومته يأخذان النتائج بجد كبير، وقد أعلن الأول مع رئيس الوزراء بأنهما سوف يعملان على تلافي النواقص والأخطاء التي حدثت خلال عشرة شهور، و صرح سركوزي بعيد الانتخابات: ' بالطبع سوف آخذ بالاعتبار ما عبر عنه الشعب'، مع التأكيد بأنه سيواصل تنفيذ الإصلاحات التي انتخب من أجلها.
إن الخطر المحتمل الذي قد تتعرض له الحكومة، والإصلاحات بعد هذه النتائج هو أن الاشتراكيين سوف يكونون قادرين على تشكيل مركز قوى مواز، ربما يستطيع في بعض الحالات عرقلة الإصلاحات المعتمدة رسميا، لاسيما وأن للبلديات ميزانيات تقدر بعشرات المليارات من اليورو، وكان رؤساء البلدية الاشتراكيون، وغيرهم من اليسار، قد أعلنوا منذ شهور أنهم لن يطبقوا قانون الحد الأدنى من الخدمات في حالة وقوع إضرابات النقل، ولكن هذا سيكون عليهم صعبا للغاية، إن لم يكن متعذرا، لأن خدمات الحد الأدنى في المواصلات أيام الإضرابات، وخدمات الحد الأدنى في المدارس عند نشوب إضرابات المدرسين، هي مطلب شعبي ملح منذ سنوات، فكيف يمكن للاشتراكيين تفسير موقفهم لو اتخذوه حقا؟؟
على صعيد آخر، فإن للاشتراكيين تناقضاتهم، وصراعاتهم الداخلية حول من يتزعم الحزب، ومن سيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة لعام 2012، وثمة عدة مراكز قوى تتنافس بحمية، ومن ثم، فلا ينبغي لهم تضخيم انتصارهم الانتخابي الأخير.
نتائج أخرى:
إن من النتائج الأخرى فشل فرانسوا بايرو، زعيم ما يعتبر تقليديا بحزب الوسط، [ الحركة الديمقراطية - 'موديم']، في هذه الانتخابات، وتلك ضربة قوية لمكانته، وهو الذي حصل على نسبة جيدة من الأصوات عندما رشح نفسه لرئاسة الجمهورية، [6،18 بالمائة في الدورة الأولى و 7،5 في الدورة الثانية].
لقد لاحظنا في مقالات سابقه تذبذب بيرو بين الاشتراكيين وبين الحزب الحاكم، مع ميل قوي نحو اليسار، وكذلك حمله لعداء محموم لسركوزي. أما أعضاء تنظيمه [ موديم] في الانتخابات البلدية، فقد صوتت غالبيتهم للاشتراكيين، وقلة منهم للأكثرية الحاكمة، علما بأن أعضاء تنظيمه مبعثرون، وسبق خلال الحملة الرئاسية أن انسحبت منه شخصيات هامة أسست مركزا جديدا للوسط متعاون مع الأكثرية. إن تنظيمه كان يمكن أن يظل يلعب دور القوة السياسية الثالثة، [ حكم]، ولكنه يزداد ضعفا، مما يقلص دوره هذا، ومع أن أكثرية من أعضاء حزبه صوتت للاشتراكيين، فإن هؤلاء خذلوه شخصيا عند ترشيح نفسه، مثلما انتزعوا مدينة كانت بإدارة الشيوعيين، بينما تحالفوا أحيانا مع مرشحي أقصى اليسار. يبقى أن بيرو سياسي ذو تجربة وتاريخ وهو قادر على التكيف مع الصعوبات، ولا يمكن القول بأن دوره انتهى.
أما حزب لوبين اليميني المتطرف، فهو فقد مني بهزيمة ساحقة بالنسبة لما حصل عليه من أصوات في الانتخابات الرئاسية لعام 2002. إنه لا يكتفي بإدانة مجمل سياسات سركوزي، بل قال في لقاء صحفي إن ما هي مدانة ليست فقط فترة عشرة شهور، بل فترة سبع سنوات، قاصدا منذ رئاسة شيراك. إن لوبين، بدوره، يكن عداء خاصا لكل من شيراك، وسركوزي وحزبهما، وهو في كل مناسبة يهاجمهما أكثر من مهاجمته لليسار، ويبدو أن من الأسباب في موقفه هو الضعف المتواصل لحزبه نتيجة ميل نسبة عالية من ناخبيه نحو حزب الأكثرية منذ أن تم وضع القضية الأمنية في مقدمة الهموم الفرنسية، والانتخابية، بينما كانت هذه القضية موضع استخفاف الاشتراكيين طوال حكمهم الطويل الأمد، مما أدى لهزيمتهم في نتائج الانتخابات التي جاءت بشيراك. هناك أيضا مشروع سركوزي لضبط الهجرة الشرعية ووقف غير الشرعية، وهي قضية استغلها على نحو متطرف لوبين وحزبه لحد المطالبة بوقف تام لكل هجرة. يمكن القول بأن دورا كبيرا في هذه النتيجة الهزيلة لحزب لوبين يعود السياسة سركوزي في قضيتي الأمن ومشكلة الهجرة.
هذا وسنقدم في الحلقة القادمة وجهات النظر عن أسباب الانتكاسة الانتخابية لحزب الأكثرية، وما تم إنجازه خلال الشهور العشرة الماضية، والخطوات التي ينوي الرئيس الفرنسي اتخاذها، وذلك حسب التصريحات الرسمية، والتقارير الصحفية الفرنسية.