المواطنون على قلق ... مشاريعهم مؤجلة وأسئلتهم ملحة
خطوات الحكومة لاترضي الشارع السوري


إقرأ أيضا

سورية تواجه امتحانًا صعبًا في مجلس الامن

روسيا محرجة في حرصها على سورية

بهية مارديني من دمشق: مع اقتراب موعد انعقاد جلسة مجلس الأمن لمناقشة مشروع القرار الاميركي- الفرنسي- البريطاني يتساءل السوريون عما أوصل بلادهم الى هذا المأزق الذي قد يؤدي إلى فرض عقوبات عليها. ويتفرع عن هذا السؤال الجوهري سؤال اخر مرتبط به ارتباطا متلازما وهو: إذا كانت السياسة الخارجية في سورية في مأزق فهل كانت الخطوات التي اتخذت من أجل تحقيق الانفراج الداخلي أفضل؟ ام أنها كانت عبارة عن تأجيل وتسويف وابتكار في المرواغة وتأجيل الاستحقاقات ؟
خارجيا جاء اتهام دمشق لتقرير لجنة التحقيق الدولية باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري بالتسييس واللامهنية متأخرا وخارجا عن التأثير، كما ان قراراتها بتشكيل لجنة التحقيق السورية وتأكيدها التعاون مع اللجنة الدولية والجولة الخليجية لنائب وزير خارجيتها لم تكن بالمستوى المطلوب من السرعة "إلا اذا كان الامر نتيجة صفقة يجري إخراجها ".
لكن عدم الإفراط في الجدلية يقتضي ذكر أن بعضهم يرى سورية امام مخطط لابد من ان ينفذ ضدها مهما فعلت، ولن تسمع إشادة بها مهما يكن تصرفها مع المحقق الالماني ديتليف ميليس وبصرف النظر عن موضوع اغتيال الحريري .
وإن كان محللون لا يرون جديداً في القرار الاميركي- الفرنسي فإن آخرين يعتبرونه إنذاراً بخطورة الموقف.
سارة والبند السابع
وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي السوري فايز سارة ل"ايلاف" ان مشروع القرار الاميركي- الفرنسي في شكل النص لايتضمن أشياء شديدة الخطورة، بعكس ما يحمل مضمونه الذي يترجم موقفا دوليا خطيرا من سورية ، موضحا ان في شكلية النص اشتراطات وهذه الاشتراطات تمهد لفرض عقوبات جدية استنادا الى البند السابع من الميثاق الذي يتيح عقوبات تصل الى استخدام القوة أي الحد الاقصى .
وتابع : "لاادري اذا كان الوقت قد فات امام سورية للقيام بخطوات من أجل الخروج من مأزق لجنة التحقيق الدولية وجريمة اغتيال الحريري. ولكن في كل الأحوال ينبغي ان تكون هناك محاولات سورية للخروج من هذا المأزق. وربما يكون التحرك السياسي وتشكيل لجنة تحقيق سورية جزءاً من مبادرة، لكن السؤال المهم هل يكفي ذلك؟ هذا ما يمكن ان تبينه الايام المقبلة او ما سوف يؤشر اليه القرار الذي يمكن ان يتخذه مجلس الامن اليوم" .
وعن ماهية الخطوات التي يمكن سوريا الإقدام عليها لمعالجة الوضع ، قال: " كان علينا ان نلجأ بالفعل الى تحقيق في جريمة اغتيال الحريري قبل ان تتطور القضية وتصل الى مجلس الأمن، وان نحاسب أي شخصية سورية كان يمكن ان يكون لها يد في هذه الجريمة وما تبعها من انعكاسات سلبية على سورية ولبنان وتخريب للعلاقات بينهما" . واعتبر هذه النقطة "من العوامل التي أضعفت سورية ووسعت دائرة خصومها. واعتقد كذلك انه كان المفترض إطلاق انفتاح داخلي على قضايا الاصلاح واعادة هيكلة السياسة والاقتصاد والمجتمع في سورية بما ينسجم مع الحاجات والضرورات الداخلية والخارجية. واذا كانت سورية خطت في الاتجاه الخارجي في تشكيل لجنة التحقيق السورية والتحرك الدبلوماسي الجديد فان خطواتها على الصعيد الداخلي لا تزال أضعف من أن ينظر اليها".
واستغرب "ربط المسؤولين السوريين باستمرار في مواقفهم المعلنة المطالبة بالإصلاح والتغيير بالظروف الخارجية، رغم ان مطالب الإصلاح والتغيير تكاد تكون مستقرة في سورية منذ وقت طويل، فيما الظروف الخارجية متغيرة متبدلة ولا رابط بين مطالب الاصلاح والتغيير كما بدت في اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وما يوصف بالهجمة الخارجية على سورية، سوى ان مطالب الاصلاح والتغيير يمكن ان تحد من تلك الهجمة وتمنع الكثير من تفاعلاتها في المستوى الداخلي".
وفي موضوع إعادة الجنسية للاكراد المحرومين إياها بموجب احصاء 1962 والذي اقرته اللجنة المركزية لحزب البعث منذ ايام، قال: "اعتقد ان امرا كهذا ينبغي ان ينفذ في شكل عادي، لانه أحد الموضوعات التي تثقل على السياسة السورية منذ اكثر من اربعة عقود وقد تسبب بإرباكات شديدة لها وفي مستويات عدة" .
اما الحديث عن مشروع قانون احزاب فرأى سارة أنه "يبدو حديثاً للاستهلاك الاعلامي، اذ عنه تكرر في العامين الاخرين وأُعلن مراراً انه سيطرح للمناقشة ولم يطرح حتى الآن" ، واكد" ان المطلوب جديا اتخاذ خطوات عملية من نوع اعادة الجنسية للاكراد الذين حرموا إياها، وعدم الإكتفاء بطرح مشروع قانون الاحزاب للمناقشة العامة، وانما العمل على اصداره بما يتوافق مع حاجات وضرورات الحالة السياسية في سورية" .
وبالنسبة إلى ما يتردد عن الافراج عن النائبين السوريين السابقين رياض سيف ومأمون الحمصي والدكتور عارف دليلة، المعروفين بمعتقلي "ربيع دمشق"، قال سارة: "تكررت هذه الاشاعة خلال الأعوام الماضية وفي كل مناسبة كانت هذه الاشاعة تتكرر، ودون النظر اليها، يمكن القول ان كلاً من النائبين السابقين سيف والحمصي قد أتم مدة السجن اذا اخذنا في الاعتبار فرصة ربع المدة، وينبغي بالفعل اطلاق سراحهما دون ان يكون ذلك عفوا. والحال قريب في موضوع استاذ الاقتصاد عارف دليلة. في كل الاحوال حدثت في سورية متغيرات كثيرة تجاوزت عموما التهم التي اعتقل وحوكم وسجن على اساسها هؤلاء السادة، الأمر الذي يعني ان لا مبرر لاستمرار اعتقالهم، والأمر لاينطبق على هؤلاء الثلاثة وحدهم انما ينطبق على حبيب عيسى ووليد البني وفواز تللو وعبد العزيز الخير، كما ينطبق على الموقوفين والمحالين على المحاكمة أمثال المحامي محمد رعدون وعلي العبد الله ورياض درار والبقية ممن احيلوا على محاكمات غير قانونية".
محمد العبدالله
في هذا السياق قال محمد العبد الله نجل الناشط علي العبد الله الذي جرت محاكمته أمس بتهمة "نشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة والاتصال مع جمعية سرية" في إشارة إلى جماعة "الأخوان المسلمين" ، انه بعدما وعد رئيس المحكمة المحامون بزيارة عائلة الناشط علي العبد الله له جرى تهريب المعتقلين من دون ان يراهم ذووهم .
محمد (طالب في السنة الرابعة كلية الحقوق) أضاف : "نزور والدي كل شهر في السجن ومعنوياته عالية وصحته جيدة والمعاملة أفضل".
واكد لـ"ايلاف" ان محكمة امن الدولة العليا التي تحاكم والده استثنائية ولادستورية، وأشار الى ان السلطات السورية "بدلا من ان تقوم بانفتاح داخلي يمتص حالة الاحتقان في الشارع السوري ويجعل الشعب يلتف حولها وإن جزئيا، فإنها تعتمد نهجاً معاكساً تماما فتصعد هجماتها على المثقفين لتزيد عدد الاعتقالات وتمتلىء السجون من جديد".
وكان محمد علي العبد الله قد سجن ثم حوكم في محكمة عسكرية بتهمة تشكيل جمعية سرية هي "لجنة ذوي معتقلي الراي والضمير" وقدح السلطات والتشهير بها مع محمد ياسين الحموي والد احد المعتقلين السياسيين وحكم عليهما بالسجن عشرة ايام، وتم استئناف الحكم.
وقال عماتعلمه في السجن: "تعلمت فك الكلبشات". واوضح انه أمضى في الزنزانة المنفردة سبعة ايام في فرع الأمن السياسي - فرع الفيحاء بدمشق ، و"أسوأ ما في فرع التحقيق هو الافتقار إلى المنظفات وعدم وجودها قصدا حتى لو أراد السجناء ان يشتروها ، ثم نقلونا الى سجن دمشق المركزي في عدرا وأمضينا ستة عشر يوميا هناك" .
وبصرف النظر عن الآراء التي تعج بها بلادهم ، يبقى الثابت أن قلقا كبيرا يلم بالسوريين في مختلف مناحي حياتهم ، وقد باتت مشاريعهم كافة مؤجلة وتحركاتهم مرتبكة واسئلتهم اكثر إلحاحاً، خصوصا ان درس العراق لا يزال ماثلا أمامهم ، وهم يقرأون فيه كل يوم الكثير وربما جلهم يتهدجون بالدعوى لله "أن يجنبهم تجرع كأس السم مرغمين ".