حزب الله ينتصر في الميدان
ساعات تفصلنا عن الفاجعة

إسرائيل تنسحب من بنت جبيل والقصف الإسرائيلي يقتل 14 مدنيا

نصرالله: انتصار المقاومة سيكون لكل لبنان

بلال خبيز: يوماً بعد يوم تزداد صعوبة الوضع اللبناني وتختنق المخارج الممكنة للحلول. والأرجح ان زيارة رايس للمنطقة لن تنجح في تحقيق وقف للنار وحقن للدماء اللبنانية في معظمها. فميزان الخسائر بين لبنان واسرائيل يميل بشكل فادح إلى الكفة اللبنانية. وقد كان واضحاً منذ بداية هذه الحرب ان اسرائيل ومن ورائها المجتمع الدولي تريد الوصول بهذه الحرب إلى اهداف محددة لا تراجع عنها. لا احد في لبنان والعالم يمكنه ان يحسب ان المجتمع الدولي واسرائيل يمكن ان يتقبلا انتصاراً كاملاً لحزب الله في هذه الحرب. كان المخرج اللبناني الانسب يقترح نصف هزيمة ونصف انتصار، بمعنى ان النتيجة السياسية التي تنجم عن هذه الحرب التي تدمر لبنان تفترض ان تنتهي هذه المعركة بنزع سلاح حزب الله بعد تحقيق المطالب اللبنانية من اسرائيل، اما نصف الانتصار فيفترض ان يحفظ لبنان لحزب الله والمقاومة الإسلامية تراث المقاومة. لكن الأمور تسير من تعقيد إلى تعقيد.

فبعد وصول السيدة كوندوليزا رايس إلى المنطقة حاملة رزمة من المقترحات بات واضحاً صعوبة موافقة حزب الله عليها، خصوصاً بعدما حقق هذا النصر الميداني، سيكون السيناريو الأرجح إعادة تحشيد المجتمع الدولي خلف اسرائيل مرة أخرى، حين يرفض حزب الله المقترحات ويعترض على القوة الدولية الرادعة بوصفها قوة احتلال. في هذا السياق اتت كلمة السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله إلى اللبنانيين والمقاومين لتشدد على صمود المقاتلين وتشد ازرهم في هذه المعركة الحاسمة، ولتتجنب الخوض في تفاصيل المبادرات السياسية تاركاً لنفسه وحزبه حق الاعتراض عليها في ما بعد. واللافت في هذه الكلمة انه جدد توكيل الحكومة اللبنانية بالتفاوض لكنه طلب منها ان تحسن إدارة المعركة السياسية، وان لا تقدم على خلفية الدمار الهائل الذي لحق بلبنان اي تنازلات لإسرائيل.

تصوير وائل لدكي
الكلمة التي خلت من اي موقف سياسي واضح بددت الكثير من الامال بوقف قريب لإطلاق النار، وجددت المخاوف من تجدد القتال عنيفاً وأشد قسوة من المرة السابقة. والحق ان اسرائيل بدأت ردها بوضوح تام حين قطعت نهائياً طريق المصنع - جديدة يابوس التي تصل لبنان بسوريا بستة صواريخ ثقيلة، مما يعني بوضوح انها ترسل للبنانيين رسالة واضحة مفادها ان المعركة المقبلة ستكون اقسى واشمل واكثر تعرضاً للمحرمات.

حزب الله يجد نفسه في موقع من لا يستطيع تثمير هذا الانتصار العسكري في السياسة. فمنذ صدور القرار 1559 كان واضحاً للحزب ان سلاحه لم يعد شرعياً على المستوى الدولي، وان المقاومة التي اخرجت اسرائيل عام 2000 من جنوب لبنان وحققت نصراً تاريخياً عليها، يجب ان تحل نفسها وتنخرط في منعرجات السياسة اللبنانية الداخلية. وليس امر فقدان الشرعية الدولية بالأمر البسيط في هذا المجال، إذ يصبح شرط تثمير الصمود الميداني للمقاومين في الجنوب في السياسة بالغ التعقيد، ويستند استناداً حاسماً على حال من اثنتين او عليهما معاً إذا توافرت الظروف والامكانات.

الحال الأولى التي يمكن ان توقف النار الإسرائيلية على الشعب اللبناني من دون ان تحقق اهدافها تتلخص بوصول المجازر التي تنفذها اسرائيل بحق الشعب اللبناني إلى درجة لا توصف من الفظاعة وبلوغها حداً لا يستطيع معه الرأي العام العالمي الوقوف صامتاً حيالها. اي بمعنى آخر دفع اسرائيل لممارسة اقصى همجيتها ودفع الشعب اللبناني إلى مرتبة الضحية النموذجية، وهذا تحقق بعضه ويتخوف اللبنانيون من تحقق بعضه الآخر في القريب من الأيام.

ام الحال الثانية التي يمكن ان توقف الهجوم الإسرائيلي على لبنان فهي وصول المواجهات مع حزب الله إلى نقطة تهدد بتفكيك المجتمع الإسرائيلي بسبب الخسائر في الميدان وفي صفوف المدنيين الإسرائيليين على حد سواء، وهذا ما يركز عليه السيد نصرالله دائماً في خطبه وما يوليه اهتمامه البالغ. او بلوغ الحالين معاً دفعة واحدة. لكن الإجماع الدولي حول حق اسرائيل بالرد على عملية حزب الله، يجعل من القرار الإسرائيلي واضحاً في استعداد الحكومة الإسرائيلية لتحميل لبنان ما يلزم من كلفة لقاء انتصارها في الميدان.

لذا لم يعد امام حزب الله من مجال لتثمير انتصاره العسكري إلا بهزيمة اسرائيل مرة بعد مرة والحاق الخسائر بجيشها مرة تلو الأخرى، وغني عن القول ان مثل هذا الاحتمال بعيد المنال وتحف به صعوبات هائلة، فحين تصل الامور إلى هذه المرحلة من التعقيد، ويجد الجيش الإسرائيلي نفسه فعلاً امام معركة حياة او موت، لن يعود بالإمكان حصر الخسائر اللبنانية ولا احصاء الجروح النازفة في الجسم اللبناني، والأرجح ان حرباً لا ضوابط فيها يمكن ان تجد اسرائيل نفسها مضطرة لخوضها على نحو واسع مع استعداد اسرائيلي لتحمل الكلفة الناجمة عن ذلك في الجيش وفي المجتمع الإسرائيليين ستكون باهظة جداً على لبنان وقد تعادل دفن البلد تحت الركام. بعد ذلك وفوق هذا الركام تبنى دولة لبنان الجديد بمن تبقى من الناجين.