نقاش في الحريات الصحافية مع رئيس المرصد المغربي للحريات
الشافعي لـ quot;إيلافquot;: ممارسات مشينة بحق السلطة الرابعة
حاوره أيمن بن التهامي من الدار البيضاء:
شهد حقل الصحافة المغربية، خلال السنوات الأخيرة، خضوع عدد من الصحف أكثرها مستقلة، للمحاكمة بعد أن تمت ملاحقتها بتهم توزعت بين تهديد أمن الدولة والمساس بالمقدسات ونشر أخبار زائفة، ما أعاد إلى الواجهة الجدل القديم حول حرية الصحافة.
وكانت هذه الملاحقات تلك التي طالت quot;الوطن الآنquot; وquot;تيل كيلquot; quot;ونيشانquot; وغيرها، من المؤشرات التي اعتمدتها منظمة مراسلون بلا حدود لتقديم تقرير أبرزت فيه تراجع المغرب من المرتبة 97 إلى المرتبة 106، قبل أن يعقد الأمين العام للمنظمة روبير مينار ندوة في أيلول الماضي بالعاصمة الإقتصادية الدار البيضاء، تحت عنوان quot;الصحافة في خطر بالمغربquot;، حيث قال إنها جاءت في سياق حالة حرجة وحاسمة لحرية الصحافة بهذا البلد.
وناشد مينار العاهل المغربي الملك محمد السادس للتدخل شخصيًا لحماية الصحافيين وحريتهم، مبرزًا أن quot;المغرب اليوم يسير في طريق خطرquot;، وأضاف quot;الزج بالصحافيين في السجون، التي ظن الناس أنها من ممارسات الماضي، قد أصبحت واقعًا من جديد. حالات الإعتقال في ازدياد وهناك محاكمات متتابعة زادت بشاعتها عن مثيلاتهاquot;.
وفي حوار مع quot;إيلافquot;، تبنى مصطفى الشافعي، رئيس المرصد المغربي للحريات العامة، الموقف نفسه إذ اعتبر بدوره أن quot;المغرب يعرف تراجعًا خطرًا في حرية الصحافةquot;، مبرزًا أن quot;هذه الوضعية تؤشر على أن خطاب الإصلاح وحرية الرأي والتعبير لا يعكس الواقعquot;، وأوضح أن quot;التقدم الذي حصل في هذا المجال ما زال هشًاquot;.
وذكر مصطفى الشافعي أن quot;قانون الصحافة في المغرب لا يرضي أحد حتى الدولة، وهو موضوع يثير جدلاً واسعًا في مختلف الأوساط الإعلامية والحقوقية، إذ إن هناك مجموعة من القيود والإجرءات الردعية التي تحول دون وصول خدام صاحبة الجلالة إلى الخبر ونشره، وهذا يجعل المراقبين الدوليين والمختصين والدارسين لحرية الصحافة يسجلون وجود تراجعquot;.
ما هو تقييمكم للوضع العام للحريات الصحافية في المغرب؟
بشكل عام الحريات الآن في تقديرنا كمرصد، تتميز بتقهقر كبير. مظاهرها تتجلى، من جهة، في عنف الدولة في مواجهات احتجاجات وتظاهرات المواطنين، ومن جهة أخرى في استمرار محاكمة الصحافيين بدعوى أنهم ينشرون مواضيع تمس بالأمن العام وتتجاوز الخطوط الحمراء، خاصة بالنسبة إلى الصحافة المستقلة.
وتظهر هذه المتابعات، التي ما زالت سارية بالنسبة إلى أسبوعية quot;الوطن الآنquot; وquot;تيل كيلquot; ومنابر أخرى، أن خطاب الإصلاح والدولة الديمقراطية محجوز ولا يروم الواقع، كما أن هذه المحاكمات تفقده بريقه، وبالتالي يصبح مجرد شعار لا أقل ولا أكثر.
وهذا يعني أن التقدم الذي حصل في هذا المجال ما زال هشًا، سواء في ما يخص تعامل السلطات معه التي تعتمد طرقها في تطبيقه أو من الناحية التشريعية، إذ انه ليست هناك قوانين محصنة له. خلاصة القول، وضعية الصحافة في المغرب مقلقة، تؤشر على أن خطاب الإصلاح وحرية الرأي والتعبير لا يعكس الواقع.
انتقدت تقارير دولية أوضاع الحريات الصحافية في غالبية دول المنطقة المغاربية، ومن بينها المغرب الذي تراجع من المرتبة 97 إلى 106. ما هي المؤشرات التي جعلت المملكة تحتل هذا المركز، وماهي الأحداث التي كانت وراء تقهقرها؟
طبيعي، فهناك مؤشرين أساسيين يعتمدان في إظهار ما إذا كانت الدولة المعنية تحترم حرية الصحافة أم لا. الجانب الأول يتعلق بالترسانة القانونية التي تحمي الصحافيين من بطش السلطة، إذ تكون الدولة مطالبة برصد وخلق قوانين تساعد على تسهيل ممارسة السلطة الرابعة لحريتها، في حين يهم الجانب الثاني الميزانيات التي تعتمدها الدولة للمساعدة على تحقيق هذا الغرض.
وفي المغرب، قانون الصحافة لا يرضي أحدًا حتى الدولة نفسها، وهو موضوع يثير جدلاً واسعًا في مختلف الأوساط الإعلامية والحقوقية، إذ إن هناك مجموعة من القيود والإجرءات الردعية التي تحول دون وصول خدام صاحبة الجلالة إلى الخبر ونشره، وهذا يجعل المراقبين الدوليين والمختصين والدارسين لحرية الصحافة في المغرب يسجلون وجود تراجع.
وهذا الأمر مقلق، لأنه سيكون لدينا فقط صحافة ممجدة ودعائية لكل ماهو رسمي، في حين لن يكون هناك مكان للصحافة المستقلة التي تشرح الواقع وتتعامل بجرأة مع عدد من المواضيع لتقديمها، كيفما كانت طبيعتها، إلى القراء.
أعادت محاكمات عدة صحف مغربية إلى الواجهة الجدل حول عودة السلطات للسعي إلى إخراس صوت الصحافة المستقلة quot;الجريئةquot;، هل هذه بداية تؤشر عن تراجع التحسن النسبي المسجل في السنوات الماضية، وهل هذا يعني أن هناك توجه لمواجهة هذه الجرأة؟
متابعة الصحافيين في المغرب كانت في كل وقت، وما جعلنا نتكلم الآن بطريقة مغايرة، وهو أن الدولة جاءت بخطاب مفاده توسيع دائرة الحريات العامة والانفتاح والديمقراطية، غير أن ما نلمسه على أرض الواقع حاليًا يظهر العكس، وهو ما يحيلنا إلى الخروج بنتيجة تظهر بأنه ليس هناك تغيير جوهري للوضع.
فكل المحاكمات جاءت بناءً على توجيه اتهامات تتعلق بتهديد الأمن العام أو تجاوز الخطوط الحمراء، وهذا أمر نستكنره، ونندد بأي حكم صادر بحق أي صحافي، ونؤكد على ضرورة عدم تدخل السلطات الإدارية لمنع أي صحيفة، كما نقول، وبشكل نهائي ومطلق، بأن العقوبة السالبة للحرية يجب أن تحذف.
فالمغرب يعرف تراجعًا خطرًا في هذا المجال، والمستقبل يتطلب منا أن نشمر على ذراعنا، كآلية مدافعة عن الحريات، ونعمل بجدية ومثابرة للحد من الممارسات المشينة في حق السلطة الرابعة.
عملت الحكومة على تحضير مشروع قانون جديد للصحافة، هل لديكم تحفظات حوله، وما هي المقترحات التي تقدمت بها؟
خلال الستة أشهر الأولى من هذه السنة، دار نقاش مستفيض حول مشروع قانون الصحافة والصحافيين الجديد، وكانت هناك مداولات بين الحكومة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية. ونحن كمرصد توصلنا بنسخة من هذا المشروع الذي كان محط دراسة، وأنجزنا بشأنه مذكرة تفصيلية تثمن عددًا من المقترحات الضامنة لحرية ممارسة الصحافة، والتي بلورت على أساس نقاش مع مختصين في المجال، من رجال إعلام ومدراء مؤسسات وغيرهم، إضافة إلى نشطاء حقوقيين.
وبعد دراسة مستفيضة سجلنا بعض التحفظات، التي قدمنا بشأنها اقترحات، تمتلث بالأساس في أن مشروع القانون الجديد يبقي على العقوبات السالبة للحرية، كما أن منظومة هذا المشروع ما زالت محكومة بنصوص قانونية غامضة، وهذا ما يجعل السلطات الإدارية قادرة على تأويله.
نقطة أخرى تطرقنا إليها همت الرفع من الغرامات المالية، وهذا أسلوب جديد للحد من حرية السلطة الرابعة. وفي كل الحالات لا يسعنا سوى القول إن هذا المشروع فيه صيغ عامة تؤدي لتأويل الفخ، ويمكن أن تسقط السلطات الإدارية والقضاء في منزلقات خطرة.