قيل الكثير عبر السنوات الماضية حول أوضاع الأقباط وما يواجهونه في وطنهم مصر. لكن من المهم توصيف المشكلة بصورة صحيحة. لا يمكن مثلا اعتبارها مجرد مشكلة "إرهاب". فحتى عندما كان نصيب الأقباط من عدد الضحايا عاليا جدا نسبيا، فإنهم لم يكونوا الضحايا الوحيدين للعمليات التي شنتها الجماعات المتطرفة. ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من الفظائع التي حلت بهم (مثلما جرى في الكشح) قد قام بها "أناس عاديون" (أحيانا من الجيران!)، ارتكبوا أفعالهم تحت تأثير التحريض الذي يحدث في إطار ثقافة الكراهية السائدة.
كما لا يمكن تعريف المشكلة على أنها حالة "أقلية ما تسعى للحصول على حق تقرير المصير". فطالما أصر الأقباط على كون مصر وطنا واحدا يعيش فيهم ويعيشون فيه مع باقي مواطنيه في سلام ووئام ومساواة. فالأقباط هم، كما يقال بحق، "جزء من النسيج الوطني"؛ ولكنهم يتطلعون إلى أن يُعاملوا على قدم المساواة مع شركائهم في النسيج الوطني.
مشكلتهم، إذن، هي حالة أقلية دينية تسعى للحصول على المساواة في ممارسة كافة الحقوق والواجبات الوطنية مع الاحتفاظ بخصوصية تراث ثقافي حضاري (لا يحتكرونه، إذ هو تراث لكل المصريين المعاصرين). بمعنى آخر فهي مشكلة "نقص حاد في حقوق المواطنة".
يقول البعض أن مصر تواجه كما هائلا من المشاكل، لا تمثل المسألة القبطية (في نظر الحكومة والمجتمع بصفة عامة) أولويةً عالية بينها؛ وإذ تتقدم مصر على طريق التحديث الاقتصادي والسياسي، فإن تلك المشكلة ستُحل تلقائيا.
قد يكون هناك شيء من الصحة في مثل تلك الأقوال، لكن ينبغي المسارعة بالتأكيد على أمور ثلاثة: أولا، لا بد من رفض فكرة أن مشكلة الأقباط ستحل بصورة أوتوماتيكية (أو سحرية!) ذات يوم بدون البدء في إجراءات محددة اليوم! ثانيا، لا بد من ملاحظة أن التقدم يمكن، وينبغي، أن يتم على جبهات متعددة، يساعد النجاح في إحدها الأخرى فيما يشبه دوائر ؟ الإيجابي (مثلا فإن التقدم في أي من أوضاع الأقباط وفي ترسيخ حقوق الإنسان بصورة عامة، وفي تمكين المرأة؛ سيساعد على نجاح الباقي). ثالثا، أن التقدم على طريق حل مشكلة الأقباط سوف يعني، في حد ذاته، تقدم مصر على طريق الحداثة. والعكس صحيح أيضا: فلا يمكن لمصر أن تتظاهر بالتقدم على طريق التحديث في الوقت الذي لا تفعل شيئا لشفاء نفسها من مشكلة نقص مواطنة الأقباط.
بناء على "التشخيص" أعلاه، ولكي نكون عمليين بقدر الإمكان سنحاول عمل قائمة من النقاط القابلة للتفعيل. وهي أهداف ستؤدي مساندتها إلى المساعدة على جعل مصر دولة عصرية (أي تعددية علمانية ديموقراطية) مزدهرة، جديرة بحضارتها الضاربة في أعماق التاريخ.
1.الإصلاح الدستوري والسياسي
1)تعديل الدستور المصري للتأكيد على الطبيعة العلمانية للدولة وعلى المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات والمشاركة السياسية بين المواطنين بغض النظر عن العرق واللون والدين والنوع.
لقد كان التعديل الدستوري الذي جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، والذي تم في عام 1981 برغم معارضة واسعة بين المثقفين الليبراليين الأقباط والمسلمين على حد السواء، عاملا على فتح الباب أمام العنف السياسي الذي نشاهد عينات منه في العالم من حولنا. ذلك النص الدستوري (الذي لا تشارك مصر فيه من بين دول العالم قاطبة سوى اليمن وقطر !!) يجعل مصر الدولة الوحيدة في العالم، كونها متعددة الأديان ولكنها تفرض شريعة الأغلبية الدينية على كافة مواطنينها!
2)النص في الدستور بصورة قاطعة على إعلاء قيم حقوق الإنسان وعلى أن الإعلانات الدولية الصادرة بهذا الشأن تعلو فوق أية نصوص قانونية. التأكيد على أساسية الحريات وقيمها، لضمان أن تصبح الديموقراطية في التطبيق العملي آلية تعني مشاركة أفراد "أحرار" وقوى مجتمعية (وخاصة المهمشة منها)، وذلك كقاعدة أولية للإصلاحات التي تحتاجها مصر؛ وليس مجرد لعبة ديماجوجية "صندوقية" (نسبة إلى صندوق الانتخاب)، لا تؤدي في النهاية سوى إلى تقنين الديكتاتورية (الدينية أو غيرها).
3)إلغاء كافة القوانين واللوائح التي تقيد حرية الضمير، أو تلك التي تطبق على غير المسلمين وحدهم، بما يؤدي إلى الحد من حقهم الأصيل في ممارسة دياناتهم. وكنموذج على هذا: الخط الهمايوني (الصادر أيام الدولة العثمانية في 1856) والقرارات الإذلالية المبنية عليه والمتعلقة ببناء دور العبادة لغير المسلمين.
4)السياسة الحالية التي تتعامل مع "الشأن القبطي" باعتباره "ملفا أمنيا" يجب أن تُستبدل بأسلوب شفاف ومؤسسي، يتبع رئيس الجمهورية مباشرة باعتباره "رئيس كل المصريين" و "المسئول الأول عن الوحدة الوطنية". هذا الوحدة الوطنية لا يجب أن تترجم في الواقع إلى "دكتاتورية الأغلبية الدينية".
5)وضع الأطر القانونية والإجرائية لإزالة كل أشكال التمييز بسبب الدين (أو غيره) في كل ما يتعلق بالإجراءات القانونية أو الإدارية والتوظيف والتعليم الخ، وتجريم أفعال التمييز والاضطهاد.
6)على الدولة أن تتمسك بطبيعتها المدنية وبالتالي تنأى بنفسها تماما عن كل الفعاليات والأنشطة الدينية أو التي تدعو إلى، أو تعلي شأن، أحد الأديان. كذلك ينبغي أن يقتصر دور النقابات والجمعيات الفئوية على المجال المهني المدني فقط.
2.تغيير مناخ الكراهية وعدم التسامح:
1)ضرورة تنقية كافة المناهج التعليمـية من أي إشارة تنطوي على تحقير لغير المســـلمين ولدياناتهم، مع تشجيع قبول واحترام الآخر المختلف؛ واستحداث مناهج إجبارية حول حقوق الإنسان في كافة المراحل التعليمية.
2)ليس من مهام التعليم العام، الذي يموله دافعوا الضرائب، القيام بالتعليم (في الواقع، الوعظ!) الديني من منطلق تبشيري متحيز؛ بل يجب تدريس الأديان بصورة موضوعية نقدية في سياق الخلفيات الثقافية التاريخية لنشأتها، وبهدف التأكيد على احترام ديانات الآخرين وتنمية الحس الإنساني بالمساواة، وليس بهدف تأكيد المزاعم الذاتية بتفوق عقائد معينة!
3)تجريم حملات الكراهيـة، أيا كان مصدرها، سواء من وســـائل إعلام أو هيئات أو شخصيات دينية. هذا مع ملاحظة أن الأدبيات المنشورة والتي تنعت غير المســلمين بكونهم "كفـّارا"، ليست سوى دعاوى مفتوحة لارتكاب أعمال عنف ضدهم، بالإضافة إلى الحط من شأنهم.
3.تغيير واقع استـبعاد وتهميش الأقباط:
1)من المهم أن تقوم الدولة في مصـر بعمل تعداد دقيق وصادق للأقباط. فآخر تعداد رسمي لهم (1996) هو 3.6 مليون (ثلاثة ملايين وستمائة ألف؛ أي تقريبا نفس العدد في الخمسينات، بينما تزايد إجمالي السكان بما يقرب من ثلاثة أضعاف في نفس الفترة!) وهذه أرقام تقل بصورة كبيرة عن كافة التقديرات المستقلة والموثوق بها.
2)لابد من أن يكون للأقباط حضور تمثيليٌ واقعي في كافة المجالس والمحافل المنتخبة والمعينة، فالوضع الحالي، الذي فيه يتواجد الأقبـاط بالكاد أو بصورة تقل جدا عن وزنهم العددي، هو أمر مرفـوض.
وإذ لا نُحَبـّـذ إقامة نظامٍ مبني بصــورة دائمة على مبدأ التمثيـل النسبي، إلا أن هناك حاجة لمثل هذا الأســلوب في الوقت الحالي بمثابة "فعل تأكيد إيجابي"، وبصورة مؤقتة. إن تخصيص حوالي 15% من مقاعد كافة المجالس المنتخبة والمعينة للأقبـاط هو أمر ضروري من أجل استعادة التوازن السيـاسي والنفسـي. وسوف يســاعد ذلك على إقرار العدالة وضمان مشاركة الأقباط في إدارة شئون وطنهم إلى جانب شركائهم في المواطنة من المسلمين.
3)تعديل المقررات الدراسية لتشمل الحضارة القبطية ولتغطى الفترة القبطية من تاريخ مصر، والتأكيد على أن هذه الحضارة تمثل رافدا رئيسيا للثقافة التي يشترك فيها كل المصريين.
4)الاستناد إلى معايير واحدة عادلة فيما يتعلق بالمساحة والوقت وحرية الكلمة بين كل المصريين عبر الإعلام القومي، وهو الذي يقوم حاليا بنشر كم هائل من الدعاية الدينية الإسـلامية.
5)التأكيد على أن تكون الهوية القومية للمصريين مبنية على خصائص مصرية أصيلة، ترتكز إلى الوطنية والتلاحم الوطني، والتأكيد على أن يصبح التفتح إزاء القيم الإنسانية الحديثة والتسامح والتفهم الديني جزءا لا يتجزأ من تلك الخصائص المصرية.
4.وقف سياسات وممارسات التمييز:
1)إذابة مظاهر التـفرقة الواضحة بين المواطنين، عن طريق إلغاء خانة الديانة في الوثائق الرسمية (مثل البطاقة الشخصية، والاستمارات ، الخ)، فيما عدا شهادات الميلاد.
2)تطبيق قواعد متماثلة في مجال حرية الاعتقاد، وعلى إجراءات التحول من أي دين إلى آخر. الالتزام في حالات الخلاف العائلي بالشرائع الأصلية القائمة عند التعاقد بالزواج، وليس بالشريعة الإسلامية.
3)التأكد من أن تكون كافة التعيينـات للوظائف بحسب الكفاءة المطلقة والتواجـد العادل. وهذا أمر هام بالذات في حالات المناصب "الحسـاسة" التي يـُسـتبعد منها الأقبـاط حاليا؛ مثل الوزارات السيادية، والمحـافظين، ورؤسـاء المدن، وكافة القيادات المحلية، ورؤســاء الجـامعات وعمداء الكليــات، والمناصب الرئيسـية في الإعـلام والقوات المسـلحة والشــرطة ( بما فيــها أمـن الـدولة ). وينطبق الأمر كذلك على الانتسـاب للكليات العسـكرية أو القبـول في مناصب التدريس بالجامعات وكليـات المعلمين، أو في السـلك القضائي أو الســلك الديبلوماسي حيث هناك عرف سائد حاليا بتحديد سقف أعلى ( هو عادة في حدود 1-2% ) للمقبولين من الأقباط.
وكمثال في هذا المجال: تدل مراجعة أسماء رؤساء البعثات الديبلوماسية بالخارج (درجة سفير وقنصل عام) على وجود بين ثلاثة وخمسة أقباط على أقصى تقدير من بين 151 أي رنسبة لا تتعدى 3% !!
4)إلغاء الازدواجيــة المبنية على أسـاس ديني في التعليـم العام. فقد تضـاعف عــدد الطلاب في نظام التعليـم المخصص للمسلمين فقط بنسبة 300 مرة في العقود الثلاثة الأخيرة ليصل إلى 1.5 مليون طالب، بينما يجب أن يكون هناك تعليم قومي موحد مفتوح لكل المواطنين. أما إعداد رجال الدين فيجب أن يتم في معاهد خاصة تقتصر فقط على هذه المهمة، وبالأعداد الضرورية فقط؛ كما يجب أن تراقب مناهج هذه المعاهد للتأكد من التزامها بمعايير حقوق الإنسان نصا وروحا.
5)احترام الأوقاف الخيرية والدينية على قدم المساواة وأيا كانت الجهة الواقفة، وإعادة الأوقاف المغتصبة بالكامل.
6)احترام حقيقة أن المصريين المغتربين، مزدوجي الجنسية، هم مواطنون لديهم ولاء لوطنهم الأم؛ وأنه طبقا للقانون الدولي لهم كل الحق في ممارسة حقوقهم السياسية في كل من بلد المنشأ والهجرة.
5.وقف التحرشات ضد الأقباط :
1)تطبيق القانون بحزم في القبض على ومعاقبة من يتهجـمون على الأقبــاط أو يضطهدونهم، مع تعويض المتضررين بصورة عـادلة. فالسـلطات المحليـة، وهى القـادرة عـادة على اتخاذ الإجراءات الحـاسمة في حالة الاعتداء على المسـئولين أو السائحين، لا ينبغي أن تصبح متهاونة إذا تعلق الأمر بالأقباط.
2)وقف التحيز من جانب الشـرطة والسـلطات المحلية الأخرى في حالات التحول القسري إلى الإسـلام. وتبين الدلائل الموثقة على وجود أفراد وجماعات متطرفة ممن يقومون بصورة منظمة باستخدام أنواع مختلفة من القسر والضغط والغواية، خاصة على من هم أضعف فئات المجتمع (البنات والفقراء) لتحويلهم. ومن المهم في هذا المجال تعديل القانون بما يجعل سن الأهلية لتغيير الدين هي ذاتها سن الزواج: فالوضع الحالي الذي يلزم الفتاة تحت سن 21 بالحصول على موافقة الأب للزواج، يسمح لفتاة في السادسة عشر بتغيير الدين، مما يفتح الباب أمام استغلال الأمر.
3)التأكيد على أن التحول الديني لأي شخص بالغ لن يؤدي تحت أي ظرف من الظروف إلى إجبار أي من أفراد عائلته على التحول بدون كامل إرادتهم، أو إلى تحويل القصر قسرا بداعي تبعية الوالد الذي يعتنق "الدين الأفضل" (!)
4)وضع حدٍ لأساليب التحرش التي انتشـرت في الريف المصـري (تحت أعين السـلطات المحلية، في كثير من الأحيان) والتي تصل إلى فرض "الجزيـة" على الأقبـاط بواسطة جماعات متطرفة، مختـلطة بفئات من المجرمين. فإذا امتنعوا عن الدفع، أو لجئوا للشـكوى، تصبح حياتهم وممتلكاتهم مهددة، مما اضطر العديد من الأقباط إلى الهروب والإقامة في عشوائيات المدن بدافع اليأس.
5)إعمال الموضوعيـة في فحص شـكاوى الأقبـاط عند تعرضهم للامتهان والإذلال والاعتداء على حقوقهم الإنسانية، ومعاقبة المتسببين لها.

نظرة تطلعية:
الأهداف المذكورة أعلاه لا تشكل بأي حال من الأحوال "مطالب طائفية"، إذ أنها تتعلق فقط بما هو أساسي من حقوق الإنسان والمواطنة، ولذا فمن الطبيعي أن تجد قبولا من كل المنصفين. وبالرغم من كونها أهدافا قابلة للتحقيق، إلا أننا ندرك الحاجة إلى جهود شاقة قبل أن تتحول إلى حقائق على أرض الواقع؛ ذلك لأن العقبات ليست هينة! ومن بينها:
1-القيادات السياسية في مصر لم تعترف علنا حتى الآن بأن الأقباط يواجهون أي مشكلة! وفي حالة مواجهتهم بشكاوى أو بأمور محددة، فهم عادة ما ينكرون الأمر مصممين على أن الأقباط يعاملون بصورة طبيعية تماما(!) بل يبدو أن رئيس الجمهورية شخصيا يتمسك بهذه الرؤية بشأن عدم وجود داع لعمل تغييرات واسعة أو تعديلات في السياسات!
2-قبضة التطرف الإسلامي على المجتمع وعلى أجهزة الدولة في مصر هي حاليا في طور الزيادة وليس التراجع. كما أن الإجراءات المضادة التي قد يقوم بها الحكام هي من قبيل صراع القوى، وليست نتيجة لوجود نظرة مستقبلية مختلفة.
3-مع وجود استثناءات نادرة، فإن الإعلام المصري يسارع عادة بوصم كل من يجرؤ على إثارة المشكلة القبطية باتهامات "الطائفية" أو "التعاون مع الأعداء لإلحاق الضرر بالوحدة الوطنية" ؛ إن لم يكن "بالخيانة"!
4-مع تزايد نشاطات القوى السياسية المصرية في تقديم تصورات ومشروعات إصلاحية، فمن المذهل، والمحزن، ملاحظة غياب إي ذكر لعلمانية الدولة أو لضرورة التعامل مع أوضاع الأقباط.
5-الأقباط هم قوم مسالمون ولن يلجأوا إلى التفكير في استخدام العنف بأي صورة لتحقيق أهدافهم. ولكن بدلا من تثمين توجهاتهم النبيلة هذه، فإنهم (في عالم يبدو أن العنف أصبح الأسلوب الأنجع لتحقيق الأهداف) يجري تجاهلهم باعتبارهم أقلية مهملة ليست ذات وزن.
6-بعد قرون من القهر، فإن الكثير من الأقباط صاروا يذعنون لوضعية الذمية. بل إن البعض منهم قد أصبح "ذميا بالاختيار"، يتميز بصورة مثيرة للإعجاب بالقدرة على تبرير ممارسات وسياسات التفرقة مهما بلغ عنوها وظلمها! وعادة ما تقوم السلطات بمكافأة أمثال هؤلاء عن طريق تعيينهم في المناصب التي ترى "منحها" للأقباط.
7-محاولات العديد من الأقباط لفتح قنوات حوار مع المسئولين قد فشلت تماما حتى الآن. فالمبادرات أُهملت، أو استغلت كوسائل لتهدئة من قاموا بها وبدون أي تقدم حقيقي.
...
لكن بالرغم من كل هذه العقبات، وغيرها؛ فلا نملك ترف التشاؤم. ومن الضروري بذل الجهد من أجل البدء في خطوات إصلاحية حتى ولو أتت ثمرها بعد جيل (أو أكثر!). ومن المهم أخذ النقاط التالية في الاعتبار:
1-من الواضح أنه من واجب "كل المصريين" بكافة فئاتهم وقواهم الاجتماعية، وكافة المهتمين بالدفاع عن حقوق الإنسان، التعاون على تحقيق الأهداف الأساسية المذكورة.
2-ومن الواضح أيضا أن على الأقباط مسئولية كبيرة في تحقيق التغيير المنشود عن طريق المشاركة الكاملة في إصلاح وبناء مصر، وعليهم التخلص من سلبيتهم (حقيقية كانت، أو مجرد اتهام): فالحقوق، مهما كانت عدالتها، لا تُمنح بل تُنزع.
3-من الأفضل بالطبع أن يأتي الحل العادل والسريع لمشاكل الأقباط من "الداخل" وعلى أيدي المسئولين وخلال الحوار الداخلي. ولكن ينبغي التأكيد على أنه بالإضافة إلى عجز هذا المسار عن تحقيق أي تقدم حقيقي حتى الآن، فإن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان والأقليات والشعوب لم يعد "مسألة داخلية بحتة" بل أصبحت شأنا عاما يستحوذ على اهتمامات عالمية ويدخل كعنصر هام في كافة العلاقات الدولية. كما أن القانون الدولي والوطني يعطي الأقباط كل الحق في محاولة الحصول على تعضيد أجنبي، يعرف "بالوساطة التأثيرية" (وهي غير "التدخل الأجنبي" بالمعنى التقليدي)، من الأسرة الدولية.
4-الحوار مُرَحب به، بل وضروري، مع المسئولين والقادة السياسيين في مصر، إضافة إلى الجمعيات الأهلية والمثقفين والشخصيات العامة وكل من يمكنهم تقدير الحقوق الأساسية البديهية التي يطالب بها الأقباط.
ختاما، فإننا ندعو القيادة السياسية في مصر إلى القيام بأسرع ما يمكن بتشكيل "لجنة لحقوق المواطنة" تتبع رئيس الجمهورية مباشرة ومكونة من عدد مماثل من المواطنين المسلمين وغير المسلمين المشهود لهم بالاستقلال والنزاهة. مهمة اللجنة ستكون فحص كافة القوانين واللوائح والسياسات والممارسات الحالية بهدف التوصية بالتغييرات الضرورية من أجل تفعيل حقوق المواطنة الكاملة والمتساوية لكل المواطنين، ثم عمل جداول زمنية لتنفيذها، ومتابعة التنفيذ على أرض الواقع.
فالأمر، حقيقة، ليس بالصعوبة التي يتصورها البعض. فقط لو خلصت النيات.

[email protected]