محمد عطيف من الرياض : في الرابع والعشرين من أغسطس/آب 2009 تفاجأ المصلّون في أحد الجوامع في منطقة الجوف (شمال السعودية) بشابّ يستلّ سكينًا ويحاول مهاجمة الإمام، لكنّ عددًا من المصلّين حالوا بينه وبين الوصول إلى هدفه، ونجا الإمام بأعجوبة.الشابّ المذكور كان قد سبق له التقدّم بشكوى لفرع الوزارة حول أن ارتفاع أصوات مكبّرات الصوت يسبّب له الإزعاج لوجود المسجد بجوار بيته، لكنّ الإمام المذكور لم يستجب للتّوجيه بالخفضالأمر الذيتسبّببما حدث.

وكان تصاعد الشكاوى والملاحظات وتكرار وصولها إلى الوزارة قد حثّ الأخيرة على إصدار قرار ملزم لأئمّة جميع المساجد في السعودية بخفض أصوات المكبّرات وأخذ التعهّدات عليهم بذلك من قبل فروع الوزارة في كلّ مناطق المملكة مشدّدة على أنّ هناك عقوبات لمن لا يلتزم بتنفيذ القرار.

وفيما تحدّثتعدّة المصادر عن أنّ هذا القرار ربما هو تمهيد لقرار رسمي قد يصدر لاحقًا بمنع مكبّرات الصوت نهائيًّا، إلاّ أنّ المصدر المسؤول في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف كان قد أكّد على أنّ القرار أتى بعد كثرة الشكاوى التي تمّ التأكّد من صحّتها من قبل فروع الوزارة في مختلف المناطق.

فيما قال وزير الشؤون الإسلاميّة والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس اللجنة العليا لبرنامج العناية بالمساجد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في تصريحات سابقة إنّ quot;مكبّرات الصوت في بعض المساجد والجوامع أصبحت متداخلة، لأنّ بعض الأئمة يرفع الصوت أكثر من الحاجة الأمر الذي يتسبّب بألاّ يسمع حتّى الذين داخل المسجد أو خارجه صوت القرآن بوضوح، حتى في بعض البيوت، فلا يتبيّن أي حرف من حروف القرآن، وهذا ليس المقصود شرعًا امتثالاً لقوله تعالى ((ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً))، فيجب أن تكون الأجهزة على درجة تُسمع من في المسجد ومن حوله من القريبين لأنّ المساجد متقاربة، أما أن يسمع الصوت عن بعد اثنين أو ثلاثة وخمسة كيلومترات فليس هذا مقبولاً لما يسببه من التّداخلquot;. كما كشف عن توجّه الوزارة نحو وضع وثيقة تسمّى quot;وثيقة الإمامquot; ومثلها quot;وثيقة الخطيبquot; لتكون المعلومات محدّدة ومكتوبة يقرأها الإمام والخطيب، تحدّد المعالم الواجبة من جهة الصلاة، ومن جهة المسجد، والأنظمة والتعليمات، بحيث يوقّع عليها الإمام والخطيب عند تعيينه حتى لا يتصرّف في مسجده بطريقتهquot;.

تذبذب تنفيذ القرار

في الوقت الذي بدأت فيه فرق الوزارةجهودًا تختلف من منطقة إلى أخرى لتنفيذ القرار، اتّضح أنّ هناك عدم تجاوب لدى الكثير من أئمّة وخطباء الجوامع لتنفيذ القرار بخفض أصوات مكبّرات الصوت وحصر استخدامها فقط لرفع الأذان والإقامة وإزالة المكبرات الزائدة عن الحاجة، على الرغم من نجاح بعض الجهود مثل ما قامت به تلك الفرق من إزالة 100 مكبّر للصّوت من نحو 45 مسجدًا في منطقة الباحة (جنوب السعودية) إلاّ أنّه من الواضحعدم وجودآليات واضحة تتابع مدى تنفيذ القرار ليبقى الأمر بانتظار شكاوى الأفراد والمتضرّرين.

من جانب آخر، شهدت بدايات شهر رمضان لهذا العام بعض ملامح الالتزام بهذا القرار مثل ما حدث في معظم مساجد المنطقة الشرقية حيث تمّ أداء صلاة التراويحليلة السبت الأول من شهر رمضان من دون مكبّرات الصوت. وكان من المتوقّع أن يكون شهر رمضان المباركالبداية الحقيقيّة لتنفيذ القرار، إلاّ أنّ ذلك لم ينعكس على الميدان حيث يتجاهل الكثير من أئمة المساجد تنفيذ القرار لأسباب قد لا تبدو ظاهرة للعيان وحتى عند تنفيذ القرار عليهم من قبل فروع الوزارة لا يصرّح بتلك الأسباب.

القرار بين التأييد والرفض

من المؤيدين عدد كبير يرى أنّ في القرار عودة إلى الفتوى الشهيرة والقديمة للشيخ بن عثيمين رحمه الله عندما أشار إلى أنّ quot;استعمال مكبّر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنّه منهي عنه؛ لأنّه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبةquot;. فيما يقول الدكتور إبراهيم بن عبدالله المطلق quot;الملاحظ أنّ غالبيّة هذه المساجد وخصوصًا في الصلوات الجهريّة تستخدم مكبرات الصوت الخارجية وبعضها يكون صوته مرتفعًا جدًّا والبعض يتعمد تركيب أجهزة ترديد الصوت (الصدى). وتزداد المشكلة في رمضان المبارك حيث صلاة التراويح والتهجد. صليت خلف الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فلفت نظري أنّه يغلق مكبّر الصوت الخارجي بعد الإقامة مباشرة ويكتفي بمكبّر الصوت الداخلي فقط وهكذا الشيخ صالح الفوزان. ما أعلمه أنّ هناك تعميمًا من وزارة الشؤون الإسلامية لجميع أئمة المساجد في الاقتصار في الصلاة الجهرية على مكبّر الصوت الداخلي فقط وإغلاق الخارجي ولكنّ الكثير من الأئمة هداهم الله قد اعتادوا التمرّد والعقوق لوزارتهمquot;.

أما ردود الأفعال المعارضة فترى أنّ القرار غير مبرّر في ظلّ أنّ ما قالته الوزارة قد لا ينطبق على الغالبية من أئمة المساجد، وأكثرهم ينطلقون من عاطفة دينيّة ترغب في وصول أصوات قراءة القرآن إلى منازلهم خصوصًا في رمضان، وهو ما اعتادوا عليه منذ زمن طويل. فيما يعلّق أحدهم بقوله: quot;تذكّرت أيّام الدراسة في بريطانيا، حيث المكبرات ممنوعة في المساجد وأجراس الكنائس نسمعها من على بعد 20 كيلومترًاquot;.

وذهب البعض الآخر من هؤلاء إلى اتّهام جهات أخرى يصفونها بالليبرالية للوقوف خلف حملة منظمة أدّت إلى ظهور القرار وquot; إيقاف وصول صوت الله إلى المسلمينquot;، ودعوا إلى استبدال الوزير بصفته المتبنّي الأول لهذا القرار.

ولم تخلُ ردود الأفعال المعارضة من بعض الأحداث الطريفة، فقد تناولت بعض وسائل الإعلام قيام أحد المصلين من كبار السنّ بالتهجم على إمام المسجد عندما أطفأ مكبّرات الصوت تنفيذًا للقرار وتصاعد الأمر إلى أن اضطر الإمام لتشغيل المكبّرات مرّة أخرى.