تنهمر قطرات مطر بحجم الكمثرى على امرأة تستلقي عارية. وتملأ قطرات المطر العملاقة المصنوعة من الطين زاهي الألوان قاعة العرض كأنها سرب من صغار الضفدع في فيلم كارتون تتدلى بخيوط غير مرئية من السقف. ولكن الأرجح ان تلطم القطرات وجه الزائر دون ان تبلله.
خيط النايلون الذي يُستخدم في صيد الأسماك هو صديق النحات في التغلب على قوة الجاذبية. ويُفترض بالزائر ألا يلحظه كالسمكة حين تُقدم على طعم السنارة في نهاية الخيط.
قطرات مطر. كمثرى. شراغف أو صغار الضفدع. كل واحدة منها مطلية بلون وحين يطوف الزائر في ارجاء المعرض تتغير كلها من خلال الوان الطيف لتصنع قوس قزح رائع الجمال.
هذه وغيرها بعض الأعمال التي انجزها الفنان السويسري اورس فيشر خلال السنوات العشر الماضية.
ميلودراما فيشر لوحة عملاقة. فتحت المطر ذي القطرات زاهية الألوان تستلقي اشكال طينية بالحجم الطبيعي لأصحابها على اثاث من طين ناهضة من انقاض أيدٍ وأذرع وأقدام هي بقايا أعمال سابقة، والتواءات من الطين المرمي جانبا.
فيشر قرر تلوين المنحوتات ايضا. فهناك جذوع وثدايا ومؤخرات وردية وزرقاء ورقع متعددة الألولن واشكال دُلق طلاء عليها كلها. ولكن الطلاء والطين لا يحبان احدهما الآخر.
ظهر الفنان ومساعدوه في قاعة العرض قبل اسبوعين على الافتتاح ومعهم 30 طنا من الطين المبلل وبدأوا يصنعون تماثيل النساء وقطع الأثاث التي تستلقي عليها تماثيل النساء. ويبدو انه لم تكن هناك نساء حقيقيات وقفن امام الفنان ومساعديه لصنع التماثيل ولا قوالب لصب الأثاث. فهي كلها متشابهة لكنها كلها مختلفة، كما لاحظ الناقد الفني ادريان سيرل.
جميع التماثيل فقدت رؤوسها إن كانت لها رؤوس. وصُنعت احدى الأرائك على شكل سفينة شراعية بكل زخارفها ونوافذها. وعلى أريكة أخرى جلست جزرة عملاقة بدلا من المرأة، جزرة رشيقة كعارضة الأزياء التي تتبع نظاما غذائيا صارما. قل لي ماذا تأكل أقل لك من انت.
أريكة ليس عليها شيء إلا سوى قدمين والباقي مستنقع زلق.
لتماثيل فيشر مادية صارخة تجلس بين انقاضها الخاصة. وخلال ايام المعرض ستزداد تداعيا وانهيارا. وإذ وضع فيشر هذه النهاية نصب عينيه فانه يقدم تماثيلة حبيسة حالاتها المختلفة من التكون والانفلاش، من الخلق والتدمير. ولو لم تكن التماثيبل مسلية ايضا لكانت قاعة العرض ارضا خرابا ينهمر عليها مطر جنوني.
كل هذا لهو عبثي كبير رغم ان اشكال التماثيل تقليدية تماما، ممتلئة واشبه بدمى عرض الملابس. وهي مثلنا نحن البشر الفانين، تنام على شيخوختها وتدهورها المتأصل فيها. وهذا ما يمنحها حياتها. وتتسم بهذه الصفة اعمال الفنان السويسري السابقة المصنوعة من الشمع متحولة حين تُضاء الى شموع عملاقة تبكي قطرات وتذوب في برك غريبة. فالضوء يمنح الحياة ويأخذها.
يقطع فيشر الطريق على أي احساس بالأسى أو الدراما قد ينتاب الزائر. إذ ليست هناك حسرة انسانية على عودة التراب الى تراب ناهيكم عن الوضع البشري رغم ان هذه الأفكار تقحم نفسها بلا استئذان. كما يخطر ببال الزائر تماثيل على الشاطئ مصنوعة من رمل يأتي المد ليجرفها معه ويمحو كل أثر لها.
يستمر معرض فيشر في قاعة Sadie Coles HQ وسط لندن حتى 18 كانون الثاني/يناير 2014.