بغداد: طالما حشرت السياسة انفها الطويل في الثقافة والفن وطالما جعلت وضعهما مؤسفا، والشواهد في العراق كثيرة، ويرى المثقفون ان اي سياسي اذا ما تمكن من منصب وزارة الثقافة فأنه لن يتردد في رسم خريطة سياسية لها.

&&& يحاول المثقفون العراقيون ان يبعدوا السياسة من التدخل في شؤونهم الثقافية والادبية ولا يريدون للسياسيين ان يقتربوا من امكنتهم الخاصة بهم، لانهم يعتقدون ان السياسة حين تحشر انفها في الثقافة والفن تفسدهما او تجرهما الى زوايا ومناطق تعكر صفوهما وتسيء اساءة بالغة واضحة، ويؤكدون ان السياسة اذا ما توغلت في اعماق الثقافة ستقدمها على (طبق أيديولوجي أصفر) بضيق افق واضح فتبث سمومها، وهنا حاولنا ان نجد اجابة عن سؤالنا: ماذا يحدث حين تحشر السياسة أنفها في الفن والثقافة.

المرجعية الطائفية اولا!
فقد اكد الناقد والشاعر علي حسن الفواز& ان السياسي العراقي& لم يتخلص كثيرا من مرجعياته الطائفية والقومية، لذا يتصرف مع قيم الدولة والحرية والديمقراطية والمعرفة والتعليم والحقوق من منطلق تلك المرجعيات، وقال: لايمكن& فصل السياسة عن الحياة، ولايمكن وضع السياسي خارج العتبات،& ليس لان السياسة& تعني الهيمنة، وتعني العنف، او تعني حيازة الرقابة والقوة، بقدر& ما& تنظيم& سياقات الحياة والعلائق الفاعلة داخلها تتطلب وجود مجاورات عملياتية ومؤسساتية بين السياسي والثقافي، فضلا عن& العمل على اعادة توصيف وظيفي للسياسي والثقافي، بعيدا عن المزاج الانقلابي والثوري& والديني وحتى الشعبي..
واضاف: نحن ومنذ عقود طويلة& ورثنا& سياسيا مأزوما، وسياسيا مصنّعا بطريقة ملتبسة، فهو يملك نياشين الجنرال، وشراسة الانقلابي، ودوغمائية الايدولوجي، وطبعا& هذه الخصائص لاتؤهله لان يكون مؤنسنا، وقادر على تنظيم البناء المجتمعي المدني بشكل صحيح، اذ ان وجوده يعني الاستحواذ والهيمنة، والتلصص على عوالم الاخرين، لكننا بالمقابل ايضا ورثنا مثقفا سلبيا،ـ مذعورا، مستلبا، ويعاني من عقد مرعبة في علاقته بالجمهور، وفي صناعة الرأي العام الضاغط والمؤثر، كما يعاني هذا المثقف من مهيمنات الايديولوجيا، والعقائد والتي اسهمت الى حد كبير في تعليب هذا المثقف وافقاده الحساسية النقدية والتفاعلبة..
وتابع: في مشهد مضطرب كالمشهد العراقي اليوم يثير العلاقة مابين السياسي والثقافي التباسات كثيرة، واكثر مايجعلها مسكونة بالرعب هو هشاشة& العقل السياسي، وضعف المؤسسات السياسية، مقابل تشوه الوظائف الثقافية وتشتت بنى الثقافة المدنية، وهذا مايجعل التدخلات مابين الطرفين باعثة على الازمة دائما، والتي هي ازمة ثقة، وازمة وعي، وازمة توصيف للوظائف، وازمة بناء حقيقي للحريات وللمؤسسات المهنية التي يجب ان تكون فاعلة وساندة في مجتمع يتحول نحو الديمقراطية..
ختم بالقول: السياسي العراقي – للاسف- بدون ملامح، لم يتخلص كثيرا من مرجعياته الطائفية والقومية، وحتى من عقد لاوعيه الاستلابي، لذا& يتصرف مع قيم الدولة والحرية والديمقراطية والمعرفة والتعليم والحقوق من منطلق تلك المرجعيات التي لم تجعله ينخرط بشكل مهني ووظيفي في بنية الدولة المؤسساتية..

ثقافة موجهة
اما الروائي المصري عبد السلام ابراهيم فقد على ضرورة ان يبقى الفن والثقافة مستقلين، وقال: الثقافة والفن هما العنوان الحضارى لأى مجتمع، وهما طابعه التراثي على مر العصور. والسياسة تستخدم كل المعطيات المتاحة والتى تقودها نحو إقرار أو فرض أيديولوجيتها فى هذا المجتمع، ومن هذه المعطيات الثقافة والفن، وربما توجهها فتصبح ( ثقافة موجهة) أو ( فن موجه) فى الحروب أو فى وقت الأزمات لكن فى بعض المجتمعات نرى أن السياسيين يستخدمونهما من أجل سياساتهم القمعية أو ذات الطابع الغريب على هذه المجتمعات. والمثال الاكثر جلاءا على هذه الجزئية فى خمسينيات القرن الماضى فى أمريكا والتى تسمى بالحقبة المكارثية والتى كانت تسعى حثيثا نحو توجيه الفن والثقافة لمحاربة الماركسية وكانت تتعقب كل من يؤمن بها أو يتعاطف معها.
واضاف: كانت الثقافة والفن آليتين من آليات السياسة فى بعض المجتمعات مثلما حدث أمريكا الجنوبية وفى بعض الدول الافريقية، عندما كان المستعمر يستخدمهما لإرساء دعائمه وفرض هيمنته بالقوة إذا لم تؤتى الثقافة والفن بما خطط له.
وتابع: وفى ظنى أن الثقافة والفن لابد أن يظلا مستقلين عن أى توجه سياسى يقود هذه المجتمعات لأن الثقافة والفن مرتبطان بتراث وحضارتها وهما المكونان الأساسيان لها.

السياسة افسدت الثقافة&
&&&& الى ذلك كامل العامري اشار الى ركوب المثقف لموجة السلطة وتحول البعض الى ادوات قمعية، وقال: لقد افسدت السياسة الثقافة وهمشتها...رغم مساعي النخبة الثقافية...ولمن بقيت السياسة توظف ماهو ثقافي لصالحها...ولعل هذا ما يعيد السؤال عن علاقة السلطة بالمثقف، ومن هنا ركب عدد من المثقفين او المتثاقفين موجة السلطة وجعلوا من انفسهم اداتها القمعية ضد المثقف...بل حاول بعض مدعي الثقافة بمجرد اعتلاء كرسي المسؤولية الثقافية مارس البطش بالمثقفين الجادين من الذين بنوا ثقافة البلاد وتهميشهم بشتى الذرائع...بل حاول البعض ركوب موجة الطائفية...واعادة العجلة الى ماكانت عليها من اجل الانفراد بالقرار الثقافي.
واضاف: نحن بحاجة حقا الى اندريه مالرو وغايتان بيكون...فالاول هو من اطلق مصطلح السياسة الثقافية والثاني هو من نفذ تلك السياسة

عدم تحجيم الثقافة
فيما اكد القاص حيدر عاشور على ضرورة عدم تحجيم الثقافة، وقال: هناك عملية تجارية واضحة في هذا التدخل الاستكلابي على الثقافة والفن بصور خاصة حيث أصبحا سلعة يتداولها السياسيون بالنقود لذا يتعرض الكثير من المثقفين وغيرهم للاغتيال الثقافي بكثير من الطرق التعسفية والتهميشية..وهذا كله ناتج عن تدخل السياسة في جوهر الثقافة وسيادتها المستقلة... واضاف: يجب على المثقفين ان يشهروا أقلامهم بخزين معرفتهم حول تحرر الثقافة من الاستعباد السياسي لا ان يقفوا متفرجين راضين بالمقسوم ومن يرضى بالمقسوم متامر على الثقافة بل هو هدام لها.
&وتابع: صحيح من حق كل القادمين على ساحة السياسة العراقية تحتاج الى بناء ثقافي تعبوي علينا نحن ان نحدد ماذا نريد من هذه التعبوية لا ان نساعد على تحجيم الثقافة وحصرها في بودقة واحدة حتى تموت او تنهار او تسييس فتصبح لعنة على الوطن.
وختم بالقول: من خلال منبركم الإعلامي ارفع شعار لا تحجيم الثقافة نعم لتحررها من قيود السياسيين وغيرهم وتسليمها لمبدعيها وراسمين خطوط الأمل لوطن خال من الجهلاء والاميين&& لخلق مثقفين يسيرون بالوطن نحن بناء حقيقي

مؤدلج ولايهمه من الامر
&& من جهته الشاعر ماجد طوفان& فقد استغرب ان يلهث الكل وراء السياسي، وقال: لايخفى ان المال والسياسة هما المحرك الاول والاخير في كل مفاصل الحياة،ولكن هناك تدخل ايجابي واخر سلبي،احيانا تكون السياسة عامل في تحريك الحياة بكل توجهاتها بما يخدم الانسان،الا في العراق فان الكل يلهث وراء السياسي.. وعلامة السياسي في العراق بعد عام 2003 بانه متخلف ومؤدلج ولايهمه من الامر الا الالتصاق بالحزب الذي يقف خلفه.. لذلك جاءت النتائج فاشلة ومخيبة للامال.
&واضاف: فقد افسدت السياسة الفن والثقافة ووضعتهما ضمن خطوط ضيقة.. لم ينتج العراق الى هذه اللحظة طبقة سياسية.. او نخبة سياسية تنتمي الى الوطن والانسانية.. بل تم انتاج جماعات متنافرة،وضيقة الرؤى،لذلك اختلط الوضع بين الاسلامي المتشدد والليبرالي الخجول الذي ليس له من الراي ما يمكن ان يصرح به علنا.. والنتائج التي تربت على ضوء هذا المنتج الهجين.. اننا لم تعد لدينا ثقافة انسانية.. وفقدنا بذات الوقت المسرح والسينما والفنون الاخرى تحت سوط السياسة المتخلفة.. ولعل من المحزن ان هذه السياسة المتخلفة ترفع شعارات الديموقراطية في العلن.. وفي الخفاء تمارس اعتى انواع الدكتاتورية من من يخالفها في الرأي.

يفقد الأدب عذريته
اما القاصة نهضة طه فقد اكدت ان السياسة اذا حشرت انفها بالادب تفقده عذريته،وقالت: لابد للأدب والفن من أن يكون العين الثاقبة التي تتوغل في أعماق الحياة السياسية وتتفحصها وتشبعها بالتوصيف والانتقاد وصولاً إلى بناء حياة أفضل ترقى بمستوى الإنسان... لكن لا يمكن للمعادلة أن تكون عكس ذلك... أي أن السياسة عندما تحشر أنفها في تلافيف الأدب والفن وتمد أذرعها إلى حناياه وأرصفته.. عندها يفقد الأدب عذريته التي يستقتل على مشارفها الأدباء والمثقفين.. لأنه سيكون رهينا بمزاجيات القائمين على السلطة وهذا هو أفيون الحريات العامة التي لا يحصنها ولا يدافع عنها سوى الأدب بعد أن تحاول التابلوهات المسطرة سواء الاجتماعية والسياسية والعقائدية الحد منها

السياسة هادمة اللذات ومفرقة الجماعات
ومسك الختام كان الاعلامي الدكتور مجيد السامرائي الذي اكد ان السياسة هادمة اللذات ومفرقة الجماعات، وقال: السياسة دائما لها انف طويل لايشبه ذلك الانف الذي في قصة حبة الفاصوليا، نفس الكورس،نفس الاشخاص، الدابكون في كل زمان تعرفهم خشبات المسرح الوطني، لاادري كيف اتفقوا على ابقاء نصب الحرية ؟ ففي صبيحة الرابع عشر من تموز، تمارا فاضل غازي باشا الداغستاني وهي في عمان تلبس الاسود وتضع في عروة سترتها العلم الملكي..وفي ساحة الفردوس يخرج الشيوعيون ابتهاجا بنصر الثورة يعارضهم انصار الملكية الدستورية، بلد لاتقر مشاربه، وكذا العراق عرس يقام على جوانب مأتم، سعيد انا بان نصبا لا افهم معناه قد نجا من فؤوس التحطيم.
& واضاف: سوف تصبح بغداد التي وصفت بانها غابة تماثيل ارضا بلقع تماما مثل البصرة التي صلبت تيجان نخيلها وعثوقها، لن يجد دارس اثرا لاي عهد مباد او نظام سابق لان كل امة حين تدخل تلعن اختها والسبب هي السياسة، من اسمها فن الممكن، انها لعبة المستحيل، انها مثل الموت هادمة اللذات ومفرقة الجماعات مثلما حطمت طالبان تمثال بوذا في كابل، سوف نصحو على زماننا فنجد ان الثور المجنح الذي يزن 40 طنا قد طار والسبب تسييس الدين، لان هذا الكائن من ذوات الارواح مع ان اجماع الفقهاء على انه مجسم مركب او هو خليط من كائنات شتى، ليس حراما وجوده، وكذلك تصوير جن سليمان وخيله، كل معاهد الفن وكلياته عصفت بها النواهي حتى لم يحظ بالمباركة غير الخط والزخرفة عندها ينتعش التجريد اذ لا يؤاخذ التجريدون سواء كانوا اتباع كاندنيسكي او موندريان الهندسي الاتجاه، شعب مغرم بالرومانسية، سوف يكون& لا تشخيصيا على طول المدى، عندي رسالة الدكتوراه تناقش هذا الامر بدقة، ونشرت فصولا منها، سوف ينمو الاحفاد لا لاشيء،اذ لا فن في الارجاء، كل شيء قاحل وبليد، والجلال والبهاء للشمس بعد القمر.
&