يتقصى الشاعر المصري فتحي عبد السميع في كتابه "الجميلة والمقدس" الصادر هذا الأسبوع عن سلسلة "كتاب الهلال" عدد أغسطس 2014 فتنة الإبداع.. القصصي والشعري والروائي والمسرحي، انطلاقا من ولادة الفنون جميعا من رحم الطقوس والأساطير، ولم تنفصل مسيرتها عن فكرة المقدس، إلا في العصر الحالي، الذي بات يفرض تحديا جديدا، في ظل الشكوى من ماديته المتوحشة، الأمر الذي يدفع المبدعين لمواجهة الشرك المادي الكبير، محاولين استعادةَ الحكمةِ المفقودة، وتحقيق التناغم بين الروح والعقل، وهُم بذلك يدخلون في الرحاب الواسع لفكرة المقدس.
الكتاب يعنى بفكرة المقدس على مستوى الشكل والمضمون، في عدد من النصوص المعاصرة، مع رصد طبيعة اشتباكها مع الظواهر الإنسانية التي ارتبطت بالمقدس ممثل السحر، والأسطورة، والخرافة، والتصوف، وحكايات الجان وخطاب الخوارق وغيرها.
ويؤمن الكاتب بأن الكتابة عندما تتجرد مِن الجمال تصبح كيانا يسهل طردُه مِن جنة الإبداع بلا أسفٍ، مهما تكن القيمة المعرفية التي تحملها تلك الكتابة، فالكتابةَ التي تحوي قدرا عاليا من الجمال ننمتي إليها حتي لو اختلفنا مع رسالتها المعرفية، ولا يمكن أن نتجرأ ونَصِفَها بالتفاهة، فالمبدع الذي يضع عينَه علي جمال الكتابة كجوهرِ عملِه لا يمكن أن يصدر عنه نصٌّ تافه، والإنسان عموما كلما تَرَقي في اكتساب ثقافة التلقّي الجمالي كلما ابتعدَ عن السطحية والتفاهة.
&تجربة الكتابة، في رأي المؤلف، تتقاطع مع تجربة المقدس، وتتداخل معها، ففي لحظة الكتابة ينقسم العالم إلى عالمين مختلفين، ومتمازجين في نفس الوقت، عالم الواقع، وعالم الخيال، العالم الدنيوي الذي يغرق الكاتب في تفاصيله، خارج الكتابة، والعالم الآخر الذي يدخله المبدع& أثناء الكتابة، ويدُخلنا إليه كقرَّاء لاحقا. وقد كانت العلاقة بين المقدس والدنيوي، هي المدخل الذي دخل منه الكثير من الباحثين لمحاولة استيعاب فكرة المقدس، وقد ذهب البعض إلى أن المقدس هو نقيض الدنيوي، وهذا القول كان زائفا، كما يذهب فتحي عبد السميغ؛ فكلا العالمين ـ المقدس والدنيوي ـ& يتحدد بالآخر.
&في المقدمة يسجل الكاتب أن "الكاتب الحقيقي يعتبر الكتابة مغامرة غير مضمونة العواقب، وأنه يضرب في المجهول، وهو يتمتع أثناء الكتابة بحرية لا يتمتع بها في وجوده الواقعي خارج لحظة الكتابة، وهو في مغامرته لا ينفصل عن الواقع الذي يعيشه، لكنا أيضا وفي نفس الوقت يتحرر منه، ويتواصل مع أعماقه الدفينة، ويبني واقعا جديا مختلفا من مشاعره قبل أفكاره، ومن خياله قبل تفاصيل واقعه المعتادة والمألوفة، والكاتب في لحظة الكتابة لا يعرف النتيجة، فقد تنتهي المغامرة بحالة إحباط، وعدم قناعة بما يكتب، تجعله يدمر ما كتبه، أو يعكف على تدميره جزئيا من خلال عملية المحو والإضافة، وقد تنتهي الكتابة بهدية حين تسفر عن نص مدهش".
يرى المؤلف أن "ارتباطَ الكتابةِ بالمقدس ارتباطُ& فرعٍ بالأصل، فكل الفنون الجميلة نبتت من رحِم العلاقة بين الإنسان والمقدس، بدليل وجود الآثار القائمة.. عمارةٍ ونقوش ومنحوتات ما زالت تُدهِشنا بجمالها وروعتها، وكل تلك الآثار لم يتم إبداعُها لغايةٍ جمالية، بل لعلاقة معينة مع المقدس هي التي أسفرت عن كل ذلك الجمال، ومن العجيب أن تذهب تلك العلاقة بانهيار المعتقدات القديمة، بينما تَبقى الآثار، وهذا في حد ذاته يشهد على قوة الجمال التي تفوق قوةَ المعتقد، فبينما تتأثر المعتقدات بتقلبات الزمن، يبقى الجمال متعاليا على تلك التقلبات، وهذا في حد ذاته يربط الجمالَ بالمقدس، وإنْ لم يكن بالصورة الشائعة عن المقدس".
&ومن الأعمال التي يطبق المؤلف/ الشاعر عليها فكرته ديوان "كتاب المحو" لأحمد فؤاد جويلي، وديوان (واحد يمشي بلا أسطورة" لأشرف البولاقي، وديوان "قبّلت وردتها" لمحمود الأزهري، وديوان "موسيقى البراح" لبهاء الدين رمضان، ورواية "رقص إفريقي" لعصام راسم فهمي، ورواية "بغل المجلي" لعبد الجواد خفاجي، والمجموعة القصصية "العودة إلى جوبال" لسعيد رفيع، وقصة "يوميات في حياة شخص عابر" لأحمد حسين الدقر.
&& ميزة الكتاب أنه يمد اليد للقارئ ليعيد اكتشاف الجمال، فالطابع الجمالي، طبقا للمؤلف "هو الذي يرفع شأن الكتابة، والكاتب ينظر للعالم نظرة جمالية بالأساس، فهو يعيش أثناء الكتابة حالة جمالية، ولا ينظر للعالم نظرة نفعية، أو من خلال نشاطه العقلاني فقط".
&يقول الكاتب "الحالة الجمالية ترتبط بالغبطة والرضى والانفعال والمتعة والسعادة،& ولا يُقصد بالجمالية هنا السمات المتصلة بالأعمال الفنية فحسب، بل "علينا أن نتبينها إنطلاقا من المعنى الأصلي للمصطلح، ألا وهو "الإحساس" إنه انفعال وإحساس بالجمال والإعجاب والحقيقة، وحين يصل إلى الذروة يصبح إحساسا بالسمو، وتولد الجمالية عن العروض أو الفنون، وعن الروائح والعطور، وتذوق الأطعمة أو المشروبات، ومن مشاهد الطبيعة، ويمكن أن تولد حتى من نتاجات لم تكن في الأصل ذات مقصد جمالي، مثل الطواحين الهوائية القديمة، أو قاطرات الفحم القديمة، ويمكن أن تصبح الأشياء الأكثر تقنية كالسيارة والطائرة زاخرة بالجمالية".
&

&