&

&
تتنازعُ على اصطيادي شِباكٌ كثيرة
وسهامٌ تترصدُ ظهوري
هذا يريدُ قنْصي
وذاك ينشبُ مخالبَه أمامي
وآخرُ يضيّعني في متاهاتٍ حالكة
أهدرُ وقتي في الخلاص
مُلْتَفِتاً هنا وهناك
مرّةً انزوي في ربْعٍ آمِنٍ
أتلمسُ دربي ، لاأبصرُ سوى خناجرَ وهراوات
الشرودُ يصرخُ بوجهي غاضبا
أرتجفُ هلعاً
السماءُ تمطرُني بالتراتيل والأذكار
تارةً تهددُني بالويل والثبور
وترهبُني بالغلّ والقيود
ووعيدِ العذابِ والحميم
لكنها قلّما ترغّبني بما أشتهي
من خمورٍ ونساءٍ ومَرَحٍ جامح
المقابرُ تتنازعُ على جسدي
تبغي ردمي في بقاعِها
الشيطانُ يظللُني بالشهوات
يُظهر لي جسَداً شهيّا
امرأةً سهلةَ القياد
إزرائيل& يلاحقُني أينما ارتحلت
يسترقُ النظرَ من نافذتي
كلما أراه يتلصصُ حولي
أشهرُ إصراري بوجهِه المقيت
فيفرُّ هاربا
يخافُ هيبتي
لكنه يترقبُ ضَعفي
يريدُ اختطافَ روحي ، يرَقتي الناعمة الجِلْد
وهي ما تبقّى لي من ركام الحياة
الكلُّ ينهشُني ؛ يريدُ الإطاحةَ بي
لاأريدُ أن أكونَ ضحيةً مقطعة مدماة
مثل ثورٍ هائجٍ تغرزُ فيه السهام
وسط حلبةِ الماتادور
يصفّق المعتوهون والساديون لهزيمتي
تزبدُ أفواههم لُعابَ التشفِّي
بين لصوص النهار
ومُدبّري الوقيعة
هناك ضيوفٌ ثقالٌ يزورونني
بين حينٍ وحين
فذاك& يزاحمُني مهجعي
&يفترشُ غرفتي
يقاسمُني زادي
ينغّصُ عليّ عيشي
أرضي أضحتْ خرِبةً تساقطَ سورُها
كلٌ يرمي نفاياتِه ودَرَنَه في أديمِها
&حدودُ بلادي قربوها ، لوّثوا طهْرَها
زاحفين كالجرادِ النهم
لعقوا بألسنتِهم نقاءَ عذوبتي
لهاثُهم أصابني بالقيء
توسّلتُ بسرْبِ النوارس
أنْ : خذوني معكم طائرا شريدا ، جريحا
لم ألقَ آذاناً صاغية
سألمُّ متاعي وأعبرُ مدنَ الخطايا
أعفّرُ وجهي برمادِها
أتسكعُ في " بومبي " الغارقةِ بالإثم (1)
لاأحد يشاطرُني في خطواتي
سوى الكلابِ الضالّة
والسحالي الزاحفةِ من البحر
تبحثُ عن رممٍ صدئة
من ركامِ الضحايا
من الغرقى الآثمين
ضحايا " فيزوف " الأحمق (2)
هو الآن نائمٌ
يغطّ في سباتٍ عميق
أتوسّلُ إليه أن : انهضْ
ارمِ حممَك في أجسادنا الغارقةِ بالدنَس
لفّنا بترابِك الناريّ كفَناً مشدودا فينا
أمطرْنا بسجّيلِك المجمر
افتحْ لنا بابَ سعيرِك على مصراعيها
فقد بلغت قلوبُنا الأفواه
تخطّتْ الحناجرَ منذ أمَدٍ بعيد
وطفحَ الرّجسُ حتى علا هاماتِنا
علِّقْ عوراتنا ومخاصينا على ناصيةِ المواخير
نزايدُ عليها بصفقاتٍ مريبة
نسْلُنا عتمتْ نطفتهُ
تمزقتْ أصلابُنا في ظهورِنا اليابسة
تمرُّ العواهرُ ؛ تتطلعُ إليها
تتحسسُ ضروعَها اليابسة
وتنتقي أيهما الأشرسُ والأكثرُ فسادا وعقْما
أنتِ يا مدينة البغاء
التمسي دعاءً مُبْكياً
لعلّ الرؤوفَ الرحيمَ الحاني
يصغي إليك بكلّ جوارحِه
ويفتحُ صدرَه رحبا
هاهي " سادوم " عادتْ إلى رشْدِها (3)
وديعةً ، هانئة تغطّ في أحلامِها الوردية
غفرَ السميعُ المجيبُ لها
وعدلتْ عن غيّها
" روما " نزعتْ دخانَها الأسودَ الكالح
بصقتْ في وجهِ " نيرون "
واكتستْ حُلَّتَها الحمراء
" مِسِّين " لملمتْ جراحَها (4)
وعادتْ بهيّةً ناضرةَ الخدّين
لكنّ مدينتي ما زالت تكتسي السواد
تخاف البهاء والاخضرار
لم تزلْ تقاويمُ الحزنِ تعرّش على رأسها
فهذا تاسوعاءُ رابض بقلبها
وعاشوراءُ يؤرجحُها يمينا وشمالا
والأربعون يجرجرُها مسافاتٍ طوال
شُلَّتْ قدماها
تقطّعتْ بها السبل
أنهكَها التعبُ ، أغرقتْها الدماء
حزّتْ السكاكينُ ظهرَها الحاني
صدرُها احْمرَّ من اللطم
وجنتاها يبستْ من حرقةِ الدمع
عافها محبوها وحيدةً تتلقى النبال
مَن منكم يسرعُ لنجْدتِها ؟؟
أما من مُنجِدٍ يلاذُ به
أما من حَمِيٍّ تغلي دماؤهُ نبلاُ ؟!!
ذبلتْ أعوادُكم كخريفٍ هامد
واصْفرّتْ نخوتُكم من الهزالِ والسقام
أكادُ أنعيها في صفحاتِ الوفيات
معلقاً الشريطَ الأسودَ المائلَ على يسارها
لعلّ أحداً يزيلهُ ويعيدهُ أخضرَ يانعاً
سأنتظر، واضعاً يدي على يأسي


[email protected]

1) ، 2) بومباي: مدينة رومانية دُمرت بكاملها ؛ عمرانها وسكانها إثر انفجارات بركان " فيزوف " في العصر الروماني
3) سادوم : مدينة قوم لوط التي فُنيَت بعد شيوع الفواحش والنزوع المثْلي بين الناس
4) مسِّين : من أبهى المدن الإيطالية جمالا وثراءً وكانت تحفةً فنية لما تتمتع بهِ من الفن الروماني وكثرة التماثيل
وهيبة التراث وقد دُمّرت بفعل زلزال هائل في ثلاثينيات القرن العشرين تدميرا كاملا.
&