في أرجاء أبجديّة مترامية الأبعاد والمعاني، ومسكونة بدفء عاطفيّ يتّسم بطهر العفّة ونقاء الزنبق، بنى الإعلامي والشاعر اللبناني جمال دملج فوق مرابع عشقه معابد تصوّف للقوافي، وراح يترهبن فيها، مصلّياً بالشِعر لـ "ربّة عُمْر" تكاد تقوى التضرّع إليها أن لا تفارق محتوى ديوانه الشِعريّ الأول، بدءاً من الإهداء العابق بالوفاء لأصالة ما ورثه معها عن والدها الطيّب من جماليّة لغته وروحه، مروراً بإثنتين وستّين قصيدة تمجّد الخالق في أنثى "رسمت له أقداره" على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن، ووصولاً إلى القصيدة الثالثة والستين المنظومة تحت عنوان "مسك الختام"، والواعدة بالمزيد من العطاءات في دواوين قادمة لا محالة، حيث "لفضاء الذاكرة سحر نجوم ونيازك وكواكب تتألّق بنورها سماوات الأيّام وما تحت أفلاكها، فيصبح وحْي ما يمكن أن يُستحضر من عبق الماضي سِفر تكوين الحاضر والمستقبل، ولغة تَخاطب بين ذهول المحتمل الصعب وبهجة الممكن المتوهّج، يتحرّر فيها ظرف الزمان من قيود الأزمنة القاسية، ويُسقِط فيها ظرف المكان عن وجهه كلّ أقنعة الأماكن المستحيلة، لتبقى في نهاية المطاف صفحات دفتر العمر مشرّعة أمام أحلى الإحتمالات".
"مرابع عشق" الصادر في طبعته الأولى عن دار سائر المشرق في بيروت بالتزامن مع يوم القديس فالانتاين (عيد العشاق)، يأتي في إطار رسالة أراد الشاعر التأكيد من خلالها على إيمانه العميق بأنّ إنتصار قوة الحب على حب القوة هو السبيل الوحيد أمام العالم لكي ينعم بالسلام، سيّما وأنّه كان قد توصّل خلال سنوات ترحاله الطويلة وتغطياته الميدانية للعديد من الصراعات والحروب في العالم إلى قناعة مفادها "أنّ المرء كلّما يقترب أكثر فأكثر من دوائر الخطر كلّما يدرك أكثر فأكثر أهميّة السلام".
والمعروف أنّ لجمال دملج تاريخ مهني في ميدان الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة يعود إلى أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً من الزمن، وكانت له تغطيات جريئة في كلّ من يوغسلافيا (بما فيها أزمة كوسوفو) وروسيا (بما فيها الحرب الشيشانية) وأفغانستان والصومال والعراق، علاوة على العديد من القمم والفعاليات الدولية، قبل أن يقرّر إعتزال العمل التلفزيوني في بداية عام 2011 إحتجاجاً على ما يصفه بـ "عدم نزاهة الفضائيات العربية في التعاطي مع تداعيات ربيع العرب".
وكان الإعلامي والشاعر قد أطلق ديوانه الجديد "مرابع عشق" من خلال أمسيتين أقامهما خلال الأسبوع الجاري في كلّ من الرابطة الثقافية في طرابلس (مسقط رأسه) والمركز الثقافي الروسي في بيروت (مسقط روحه) بالرغم من الوضع الأمني المتوتر في عاصمة الشمال والعواصف الشديدة والأمطار الغزيرة التي شهدها لبنان، وذلك في إطار تحرّك إستهدف من خلاله التأكيد على أهميّة الحب في بناء الشخصيّة الإنسانية. فطاب له أن يبدأ الأمسيتين بقراءة قصيدته "سَفَرُ الملائكة" التي تقول:
"مرّي قليلاً،
كي يغار الورد من عطر،
يسافر مع أريجكِ في فضاء الذاكرة..
مرّي قليلاً،
كي يفوح البوح في عمر،
يعاكس كل أهوال الرياح الثائرة..
مرّي قليلاً وإضحكي،
حتى يصير النور ظلاً للقمر..
مرّي قليلاً وافرحي،
من قال إنّ العشق تقلعه عواصف،
من قال إنّ الشِعر يمحيه مطر".
&&&
&