من مفكرة سفير عربي في اليابان

عرض في مهرجان طوكيو السينمائي، في شهر أكتوبر الماضي، فيلم حسن ومرقص، للفنان المبدع عادل إمام مع زميله الفنان العالمي القدير عمر الشريف. ويعالج الفيلم، وبصورة فنية رائعة، ظاهرة التمزق الطائفي الذي بدأت تعاني منها مجتمعات الشرق ألأوسط، بعد أن أستغل الدين في اللعبة السياسية لنشر التطرف الفكري بين الشباب، واستخدم العنف لفرض بعض الأجندات الخاصة.
فصور الفيلم، وبشكل فني رائع، نشؤ علاقة صداقة حميمة بين رجل دين مسيحي وآخر مسلم، وهم يحاولون مقاومة التطرف الديني في مجتمعاتهم، كما عالج الصراع النفسي الذي عاشته عائلتيهما بين تقاربهم الروحي واختلافاتهم الطائفية. فقد نجح الفيلم في مناقشة خطورة التمزق الديني الطائفي الذي تعيشه المنطقة، والذي تجلى بأبشع صوره في العراق. والسؤال لعزيزي القارئ: ما الذي شعل المنطقة فجأة بصراعات دموية طائفية؟ وهل تنحصر الأسباب في عوامل ذاتية داخلية أم ترافقها عوامل خارجية معقدة؟ وهل حان الوقت للتالف بين الثقافة الإسلامية والمسيحية واليهودية بعد قرون من الصراعات المدمرة؟
لقد شغل هذين السؤالين مفكرو الشرق منذ زمن بعيد، فكتبوا عنه الكثير، واختلفوا حوله. ولنحاول، عزيزي القارئ، لإثراء النقاش، مراجعة حوارات مفكري الغرب، من خلال كتابين صدرا مؤخرا في طوكيو، الكتاب الأول لجورج فريدمان، وبعنوان، المائة سنة القادمة وتوقعات القرن الواحد والعشرين، والكتاب الثاني لجوناثون كوك، وبعنوان، إسرائيل وصراع الحضارات العراق وإيران والخطة لتغير الشرق الأوسط.
يناقش الكاتب الأمريكي جورج فريدمان الصدمة الهائلة التي تعرضت لها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بقوله: quot;بدأ القرن الواحد والعشرين، فجر العصر الأمريكي، بمحاولة مجموعة من المسلمين لإرجاع الخلافة، التي كانت يوما إمبراطورية إسلامية عظيمة، امتدت من المحيط الأطلسي وحتى المحيط الأطلنطي. فقاموا بضرب البرجين، لجر أمريكا لحرب، لإظهار ضعفها، لكي يصعدوا من انتفاضتهم. وقد ردت الإدارة الأمريكية بغزو العالم الإسلامي، ولم يكن هدفها النصر، بل كانت تصبو لزعزعته بصراعاته القبلية والعرقية والطائفية، للوقاية من خطر تحقيق أهدافهم المتطرفة ضدها. ولم تعد الولايات المتحدة في الحاجة للفوز في الحروب، بل تحتاج، وببساطة، زعزعة استقرار العدو، لمنعه من بناء قوة كافية تهدد مصالحها.quot;
ويبين الصحفي البريطاني، جوناثون كوك، كيف استغل المتطرفون في الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الصدمة، لتعميق التمزق العرقي والطائفي في المنطقة، بسبب قلقهم على مصالح دولهم وشعوبهم. ويرجع الكاتب هذه الخطة لأيام حكم بن جوريون، والتي شرحها الكاتب الإسرائيلي أوديد ينون، في مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية لعام 1982 بقوله: quot;علينا تحويل العالم العربي لموزيك مفكك من مجموعات عرقية وطائفية ضعيفة، يمكن أن تستغلها إسرائيل كما تشاء... كما علينا تحويل مصر لنمر من ورق، والعمل على تحطيمها اقتصاديا، وتفكيكها بصراع بين الأقباط والمسلمين. وبإضعاف مصر، الموحدة للعرب، ستستطيع إسرائيل تفتيت باقي دول المنطقة، والسيطرة عليها، لحماية وجودها.quot; وقد شرح أريل شارون خطة إسرائيل قبل غزو لبنان لقلقه الأمني والإستراتيجي عليها بقوله: quot;يجب أن تمتد إسرائيل خارج حدود الدول العربية والشرق الأوسط ونحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. بل عليها بسبب القلق الأمني والإستراتيجي في الثمانيات، أن تمتد سلطتها على دول كتركيا وإيران وباكستان ودول الخليج وأفريقيا، وبالأخص دول الشمال والوسط الأفريقي. ويعتمد نجاح إسرائيل على تفوقها التكنولوجي بأسلحتها العسكرية، وبالأخص على قرارها بمنع حصول دول المنطقة على السلاح النووي.quot;
وفعلا قام شارون بغزو لبنان بعد شهر من انتهاء مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية لعام 1982، وشرح أهداف الغزو بقوله: quot;فالتفكك الكلي للبنان، لخمسة حكومات محلية، هي سابقة يمكن تطبيقها على العالم العربي بأكمله، ليشمل مصر وسوريا والعراق والخليج. فبنفس الطريقة، تتفكك مصر، وبعدها العراق، إلى مناطق صغيرة من الأقليات العرقية والطائفية المتحاربة، تبعا للمثل اللبناني، وهو الهدف البعيد المدى لإسرائيل في الجبهة الشرقية. كما ستتفكك سوريا لدويلات صغيرة، وبتقسيمات عرقية كما في لبنان، ليكون هناك دويلة الشيعة العلويين، ومحافظة حلب كدويلة سنية، ومحافظة دمشق دويلة أخرى، إضافة للدويلات الشمالية. وتقسيم العراق أهم من تقسيم سوريا، فقوتها أكثر خطرا على إسرائيل، ويمكن تقسيم العراق إلى أقاليم ضمن التوزيع الطائفي، كما في سوريا في عصر العثمانيين. فسيكون هناك ثلاث دويلات حول المدن الكبيرة، البصرة وبغداد وموصل، وستفصل بينها المناطق الشيعية في الجنوب عن الشمال، الذي يسكنه السنة.quot;
وأكد جوناثان كوك بأن غزو العراق هو جزء من هذه الخطة لتمزيق المنطقة وإضعافها لحماية إسرائيل ودول الغرب من خطر ما يسمى بالإرهاب، ولضمان استمرار النفط للسوق الحرة، فعلق يقول: quot;في كتابي هذا، أدحض وجهة النظر التي تدعي بأن الحرب الأهلية الطائفية في العراق هي نتيجة قرارات خاطئة غير مقصودة، بل هو تقسيم مقصود ومخطط له قبل الغزو من فئة تريد تحقيق أهدافها الخفية.quot; ويعتقد الكاتب بأن هذه الإستراتيجية تم التخطيط لها خارج البيت الأبيض، وعارضتها إدارة الجيش الأمريكي، وكولن باول. ويؤكد ذلك أفرايم ألفي، رئيس المخابرات الإسرائيلية، بقوله: quot;هجمة الحادي عشر من سبتمبر، معجزة هانوكا اليهودية، التي ستعطي الفرصة لإسرائيل لكي تعاقب أعدائها. لقد خلق هذا الهجوم حتمية الحرب العالمية الثالثة، بتجمع عوامل الإرهاب الإسلامي في شكل واضح ومتميز، وأدى لحيرة كل حاكم، وكل دولة في منطقتنا. ويجب على كل واحد منهم أن يكون صادقا مع نفسه، لكي يقرر كيف يحدد وضعه في الحملة الجديدة على الإرهاب. وبعد غزو أفغانستان هناك مثلث إيران والعراق وسوريا، فكلهم داعمين للإرهاب، ويطورون أسلحة الدمار الشامل.quot;
وقد نجح متطرفو الغرب وإسرائيل في تحقيق أهدافهم بكل جدارة بعد غزو العراق، كما لعبوا دورا هاما في تمزيق الجسد الفلسطيني. وقد علق الأكاديمي الفلسطيني كرما نابلسي على هذه الخطط بقوله: quot;يعيش الشعبين، الفلسطيني والعراقي، بالمنظور الإسرائيلي لما يسمى بمجتمع الفوضى المتعمدة، الذي تصبو إليه في المنطقة، وهو المجتمع المتقطع والعنيف والمحطم، والذي لا حول له ولا قوة، ويحكم من قبل ميليشيات متحاربة وعصابات ومتزمتين دينيين، والمتطرفين والمنشقين في قبائل مذهبية، وبعض العصابات المتعاونة مع العدو.quot; ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان