تكمن سرعة سمكة الباراكودا في فقاعة هوائية تحيط بجسدها كي تقلل الاحتكاك بالماء، وهو ما يحاكيه العلماء الألمان في مسعاهم إلى إنتاج طوربيدات فائقة السرعة، وما تحاكيه الصين اليوم لبناء غواصة أسرع من الصوت.


ماجد الخطيب: فيما ينهمك العالم في محاولة ابتكار طائرات فائقة السرعة، تختصر المسافة بين شانغهاي ولوس أنجلوس في أربع ساعات، يعمل علماء صينيون على تطوير تقنية تتيح للغواصات السفر بسرعة 1480 مترًا في الثانية، وتقطع المسافة المذكورة تحت الماء بساعتين فقط. وهذا لا يعني مجرد ثورة جديدة في عالم الحروب والتجسس، وإنما فتح جديد في عالم النقل عبر المحيطات.

تقلل الاحتكاك بالماء
ذكر الباحث لي فينغشن، من معهد هاربين التقني في الصين، أن فريق عمله يعمل على تطوير مثل هذه التقنية. ويمكن للغواصة العاملة بهذه التقنية أن تقطع 5300 كم في الساعة، وأن تحول العالم فعلًا إلى قرية صغيرة. والمعروف عن معهد هاربين أنه يتخصص في تطوير تقنيات جديدة لصناعة الأقمار الصناعية والصواريخ والأسلحة عمومًا.

يمكن لهذه التقنية أن تجعل الغواصة تسير أسرع من الصوت في الماء، ويؤهلها للتغلب على الضجيج الصادر منها تحت الماء. والمعروف أن سرعة الصوت في الهواء، في درجات الحرارة القياسية، تبلغ 340 مترًا في الثانية. أما سرعته في الماء فترتفع إلى 1482 مترًا في الثانية.

ويبدو أن الخرق العلمي، الذي مكن العلماء الصينيين من الوصول إلى هذه التقنية، يكمن في نجاحهم في اختراع فقاعة هوائية، تحيط بجسم الغواصة، وتقلل احتكاكها بضغط الماء، بحسب لي فينغشن، مضيفًا أن هذه الفقاعة فتحت آفاقًا إنتاجية أخرى، في مجالات أخرى.

وليس من عادة الصينيين أن يتحدثوا عن تقنياتهم الجديدة، لكن لي فينغشن قال إنهم زوّدوا الغواصة برأس كروي شبه مدبب، يطلق فقاعة غازية، تشكل حاجزًا بين جسد الغواصة والماء. وهذا يعني أن الفقاعة عوّضت الصينيين عن المحركات القوية والسطوح الملساء التي تستخدم عادة لتقليل مقاومة الماء لحركة الغواصة إلى الأمام.

باراكودا وشكافال
لا تنفرد الصين في البحث في هذا المجال، لأن الألمان والروس اختبروا أيضًا بنجاح تحريك أجسام غير مأهولة داخل فقاعة هوائية تحت الماء، إلا أنهم لم يتحدثوا عن اختراق حاجز الصوت. وسبق للروس أن جربوا طوربيدًا يسير داخل فقاعة هوائية بسرعة 370 كم في الساعة. وهذه سرعة لا ترتقي إلى سرعة الصوت، لكنها حركت طوربيد "شكافال" (الريح العاصفة) تحت الماء للمرة الأولى بسرعة تتفوق أربع مرات على سرعة أفضل طوربيد في سوق السلاح العالمية.

وتبلغ سرعة الطوربيدات التقليدية نحو 130 كم في الساعة فقط، إلا أن القوة البحرية الألمانية تتحدث عن طوربيد جديد تبلغ سرعته 800 كم في الساعة، فيطير تحت الماء كما يطير الصاروخ في الجو. وهذا يعني أن الطوربيد الألماني الخارق، واسمه "باراكودا"، لا يرحم، ليس بسبب سرعته الكبيرة فحسب، وإنما بسبب قدرته على المناورة وقدرته التفجيرية.

تحدثت شركة "ديل" على صفحتها الإلكترونية عن "صاروخ مائي" يجيد المناورة، قليل الضوضاء، وبالتالي صعب الكشف عنه بأجهزة تقصي الضجيج. واستلهمت شركة "ديل" تصميم الصاروخ المائي وتقنيته من سمكة باراكودا العدوانية.

وزوّد علماء شركة ديل طوربيد "باراكودا" بتقنية جديدة تستخدم الماء نفسه في صناعة فقاعة من بخار الماء تحيط بالطوربيد وتقلل احتكاكه بالماء. كما زوّدوه برأس مدبب متحرك يحتوي على مجسات لاكتشاف الأجسام التي قد تعترضه، فيناور ليحرك معه كامل الطوربيد، مع فقاعته، بعيدًا عن الحاجز ووصولًا إلى الهدف.

غشاء سائل
يستخدم لي فينغشن غشاءً سائلًا، بدلًا من فقاعة بخار الماء الغازات في تحريك غواصاته الخارقة إلى الأمام، بحسب تصريحه لصحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست". يقوم جسد الغواصة نفسه بإنتاج الغشاء الرقيق، الذي يغلفها بطبقة سائلة. هذا يقلل الاحتكاك بالماء منذ البداية، ويزيد سرعة الغواصة، لكن الغشاء يتحول إلى دفة يحركها ويعجّل سرعتها حينما تدخل مرحلة "الفعل الخارق".

والمعروف أن الغواصات والبواخر تستخدم مختلف التقنيات لمنع الطوربيد من الوصول إليها، ومنها شباك من الحديد تصطاد بها الطوربيد، والجدران الطيارة المصنوعة من مادة تتجمد خلال ثوانٍ أمام الطوربيد، والتي تطلق من فوهات المدافع. ويفترض أن تكون الغواصة الصينية الفائقة السرعة هي الأولى من نوعها التي تستطيع تجنب الحواجز الطبيعية، ومزودة بتقنيات جديدة لتجنب إصابتها بالطوربيدات.

تساؤلات
أثار الخبير هايو ليبكة، من الكلية العسكرية البحرية في ميونخ، العديد من الأسئلة التي تركها لي فينغشن من دون توضيح، ومنها المسافة التي يمكن أن تستمر بها الغواصة، وهي تنطلق بهذه السرعة، وكمية الوقود التي تستهلكها.

فسرعة صاروخ شكافال الروسي 370 كم في الساعة، لكنه لا يحتفظ بهذه السرعة لأكثر من 15 كم، ويستهلك 100 كغم من الكيروسين في ذلك. فضلًا عن ذلك، يرى ليبكة أن السرعات العالية تترافق دائمًا مع ضجيج أكبر، وهذا يجعل الغواصة مكشوفة للأعداء، لأن لي فينغشن لم يتحدث عن قدرات الغواصة على التخفي وتجنب الرادارات وأجهزة كشف الضوضاء تحت الماء.

&

&

&