لطالما توجهت أنظار المنتخبات وعشاقها نحو الأوعية في قرعات كأس العالم لكرة القدم، أملاً في استهلال المونديال بطريقة تُسهل عليها تحقيق آمالها وطموحاتها، لكن مجريات القرعة في كانت صادمة للكثيرين، بعد الكشف عن مجموعات "الموت" المونديالية.

في كل مونديال تتفاوت مستويات المجموعات، ودرجات التنافس والإثارة فيها، بالرغم من محاولة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تقسيم المنتخبات المتأهلة إلى مستويات بطريقة تتحرى التوازن قدر الإمكان، لكن النتائج لم تكن دوماً على قدر الآمال والطموحات.

ففي العديد من بطولات كأس العالم، تمخضت القرعة عن مجموعات صعبة وتنافسية، ضمت فرقاً من العيار الثقيل، أدت إلى إطلاق وصف "مجموعة الموت" عليها للتعبير عن مدى صعوبتها ونديتها.

مونديال السويد 1958

يُنظر للمجموعة الرابعة في مونديال السويد 1958، على أنها أولى المجموعات القوية ذات المستوى المتقارب بين منتخباتها.

ضمت هذه المجموعة البرازيل الفريق القوي الذي أحرز لقب البطولة في نهاية المطاف، والاتحاد السوفياتي آنذاك المتوج بالذهبية الأولمبية عام 1956، والمنتخب الإنجليزي العريق الطامح لإنجاز مونديالي، وأخيراً النمسا صاحبة برونزية المونديال السابق في 1954.

أما التأهل فكان في نهاية المطاف من نصيب البرازيليين والسوفيات.

باكورة مجموعات الموت

يوضح الفرنسي بول ديتشي محرر مجلة "كرة القدم: التاريخ، الثقافة، الاقتصاد، المجتمع" والمختص في تاريخ كرة القدم عبر بي بي سي، أن استخدام عبارة "مجموعة الموت" في كؤوس العالم يعود إلى مونديال 1970 عند وصف مدى صعوبة المجموعة الثالثة.

وضمت تلك المجموعة البرازيل وإنجلترا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا.

كان المنتخب البرازيلي شاغل الناس والجمهور في تلك الحقبة بقيادة جيل تاريخي يقودهم بيليه، بعد تحقيق مونديالي 1958 و1962 قبل أن يحقق لقب مونديال المكسيك 1970.

أما المنتخب الإنجليزي فكان حاملاً للقب (مونديال 1966)، لتكون مباراتهما في هذه المجموعة بين حاملي لقب البطولة الماضية والحالية اللذين تأهلا عن المجموعة في نهاية المطاف.

أما منتخب تشيكوسلوفاكيا فكانت له صولاته وجولاته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وخسر نهائي 1962 أمام البرازيل.

المجموعة الأكثر صعوبة

يرى ديتشي أن أقوى "مجموعة موت" في التاريخ كانت في الدور الثاني من كأس العالم 1982 التي كانت تضم منتخبات الأرجنتين والبرازيل وإيطاليا.

كان المنتخب الأرجنتيني في حينه حاملاً للقب ويضم في صفوفه أحد أفضل لاعبي كرة القدم على الإطلاق دييغو مارادونا الذي كان يُشارك لأول مرة في المونديال.

أما البرازيل صاحبة ثلاثة ألقاب في ذلك الوقت، امتلكت في تلك البطولة منتخباً وصفه كثير من النقاد بـ"المنتخب الأمهر" في التاريخ مع وجود فالكاو وزيكو وسقراط.

أما إيطاليا صاحبة لقبين حينها، كانت الأقل ترشيحاً للتأهل من المجموعة بعد تقديمها أداءً متواضعاً في الدول الأول، لكنها صنعت المفاجأة.

تخطى "الأزوري" منتخب "السامبا" بنتيجة 3-2 في إحدى كلاسيكيات تاريخ المونديال بعد "هاتريك" من باولو روسي، والفوز على الأرجنتينيين 2-1، ليُكمل الطليان الطريق، ويُتوجوا باللقب العالمي في نهاية البطولة.

مجموعة التكافؤ

قائد المنتخب الإيطالي فرانكو باريزي خلال مباراة إيطاليا مع جمهورية أيرلندا في مونديال 1994.
Getty Images
قائد المنتخب الإيطالي فرانكو باريزي خلال مباراة إيطاليا مع جمهورية أيرلندا في مونديال 1994.

في مونديال الولايات المتحدة عام 1994، ضمت المجموعة الخامسة منتخبات إيطاليا التي وصلت لاحقاً نهائي هذا المونديال، وجمهورية أيرلندا والمكسيك والنرويج.

ربما لا تكون منتخبات هذه المجموعة ذات تاريخ ومستويات استثنائية، عدا "الأزوري" الإيطالي، لكن مجريات البطولة جعلت من هذه المجموعة، مضرب المثل في التكافؤ والتنافس الشديد بعد أن حققت جميع فرق المجموعة أربع نقاط، لكن فارق الأهداف كان العامل المرجح بين الفرق فتأهلت ثلاثة فرق للدور التالي، عدا المنتخب النرويجي.

مجموعة "موت" الآمال الأرجنتينية

المهاجم الأرجنتيني، غابريال باتيستوتا، متأثراً بعد الخروج من الدور الأول في مونديال 2002.
Reuters
المهاجم الأرجنتيني، غابريال باتيستوتا، متأثراً بعد الخروج من الدور الأول في مونديال 2002.

في المونديال الآسيوي في عام 2002، جذبت المجموعة السادسة الأنظار بعد أن أُطلق عليها "مجموعة الموت" في تلك النسخة.

ضمت المجموعة الأرجنتين المدججة بالنجوم مثل غابريال باتيستوتا وهيرنان كريسبو وخوان فيرون والقادمة للبطولة مدفوعة بتألق في التصفيات وترشيحات كثيرة لحجز مقعد في نهائي طوكيو.

وكذلك المنتخب الإنجليزي القوي الذي يضم نجوماً مثل ديفيد بيكهام وستيفن جيرارد ومايكل أوين، ومنتخب نيجيريا المليء بالمواهب على رأسها أوكوتشا، ومنتخب السويد الذي كان يضم في صفوفه آنذاك زلاتان إبراهيموفيتش وهو في مقتبل العمر.

في نهاية المطاف سارت الأمور في المجموعة على نحو مفاجئ، ليتأهل الإسكندينافيون و"الأسود الثلاثة"، فيما غادرت كتيبة منتخب الأرجنتين "الألبيسيليستي" في مفاجأة كبيرة.

ثلاثة أبطال للمونديال في مجموعة واحدة

تعادلت إنجلترا وكوستاريكا سلبياً في مجموعة "الموت" في مونديال 2014
Getty Images
تعادلت إنجلترا وكوستاريكا سلبياً في مجموعة "الموت" في مونديال 2014

في كأس العالم 2014 بالبرازيل، وضعت القرعة منتخبات إيطاليا وإنجلترا والأوروغواي وكوستاريكا في مجموعة واحدة ضمت ثلاثة منتخبات حاملة للقب المونديال.

كانت هذه المجموعة صعبة وتنافسية للغاية، فإيطاليا كانت قادمة للمونديال بسقف توقعات مرتفع بعد حلولها وصيفة في كأس أوروبا 2014، وإحرازها الميدالية البرونزية في كأس القارات عام 2013، بقيادة المدرب تشيزاري برانديلي الذي انتهج أسلوبا هجومياً مع الفريق والقائد جيانولويجي بوفون ومايسترو الوسط أندريا بيرلو.

أما منتخب "الأسود الثلاثة" فكان مدججاً بنجوم "البريميرليغ" بقيادة قناص الهجوم واين روني والواعد رحيم ستيرلينغ، ونجما الوسط ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد.

أما الأوروغواي، صاحبة لقبين في كأس العالم، شاركت في مونديال 2014 وهي بطلة لقارة أمريكا الجنوبية وصاحبة المركز الرابع في مونديال 2010، ويقودها نجما الهجوم إديسون كافاني ولويس سواريز.

فيما جاءت كوستاريكا من تصفيات كونكاكاف وهي صاحبة الحظوظ الأقل في المجموعة، بقيادة حارسها التاريخي كيلور نافاس.

لم تكن هذه المجموعة صعبة فقط في التنافس، بل عصية على التوقعات، بعد مفاجآت مدوية أدت في النهاية إلى تأهل كوستاريكا صاحبة الحظوظ الأقل وتصدر المجموعة، فيما حلت الأوروغواي ثانية وتأهلت أيضاً.

أما القوتان الكبيرتان إيطاليا، وإنجلترا فخيبتا آمال الجمهور المناصر لهما وخالفتا التوقعات وغادرتا البرازيل مبكراً.

وقبيل قرعة مونديال 2026، كشف تقسيم المنتخبات المتأهلة إلى أربعة مستويات عن إمكانية وجود مجموعة موت، وقد تكون إيطاليا التي ستكون في المستوى الرابع إن تأهلت من الملحق الأوروبي الذي سيُلعب في مارس/آذار المقبل كلمة السر فيها.