العراق والكويت... أزمة بدأت في مجلس الأمن وبه قد تنتهي
احتلال ولد احتلالاً... ومشاكل ديون ومفقودين عالقة

ملف إيلاف في ذكرى غزو الكويت
أسامة مهدي من لندن : بعد 18 عامًا من احتلال الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت، فإن احتلالاً آخر تولد عنه أطاح به وما زالت مشاكل الديون والمفقودين تعكر صفو العلاقات بين البلدين التي حاول مجلس الأمن حلها عام 1990 لكنه لم يفلح على الرغم من ادخاله العراق في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مكبلاً قدراته السياسية والمالية والعسكرية بإعتباره بلدًا يشكل خطرًا، وحيث يدرس العراق هذه المرة باللجوء الى المجلس لإلغاء ديون الكويت عليه ولتعود القضية إليه من جديد.

ففي ربيع عام 1990 بدأ النظام العراقي السابق وكان قد خرج من حرب الثماني سنوات مع ايران بتركات مالية وسياسية واجتماعية ثقيلة قد بدأ يلقي اللوم على حكومة الكويت بالعمل على تخفيض اسعار النفط وامتصاصه من اباره الامر الذي خفض من اسعاره وسبب للعراق الذي يعتمد اقتصاده على النفط المصدر خسارة مليارات الدولارات سنويًا . وبهدف تخويف الكويت ومعها دول خليجية اخرى لها ديون ثقيلة على العراق انفقها على تسليحه ضد ايران فقد احيا النظام مطالب قديمة بالكويت كان قد بدأها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم بداية ستينات القرن الماضي .

ويبدو ان صدام حسين رئس النظام السابق الذي خرج من حرب ايران بجيش يصل تعداده الى المليون نسمة اخذ يفكر بإشغال هذه الشريحة من العراقيين التي بدات تعاني بطالة ومشاكل اقتصادية كبيرة في حرب اخرى قد تلبي طموحات انتصاره على ايران بفرض سيطرة على منطقة الخليج وارضها التي تختزن احتياطات العالم من الثروة السوداء مبتدئًا بواحدة من دولها الأقرب إليه جغرافيًا والأصغر من بلده سكانًا وامكانيات، وحيث الحجج جاهزة لاحتلالها على انها جزء لا يتجزأ من العراق . ومن هنا يمكن فهم اسباب رفض صدام حسين لجميع المشاريع العربية التي قدمت له من اجل حل الازمة مع الكويت وتعويضه ماليًا وإلغاء جزء كبير من ديونها عليها وفي مقدمتها السعودية التي عرض عاهلها الراحل الملك فهد عشرة مليارات دولار لتعويض العراق عن قسم كبير من ديونه وخسائر موارده النفطية .

18 عامًا مرت على الغزو العراقي للكويت
وفي صباح يوم قائض هو الثاني من اب (اغسطس) عام 1990 كانت اصوات جنازير دبابات الجيش العراقي وازيز طائراته تخترق صمت الصحراء الكويتية العراقية لترسم تاريخًا جديدًا للمنطقة برمتها بكل تداعياتها السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية .

وبالترافق مع الجهود العربية لاقناع صدام حسين بالخروج من الكويت والسعي لحل مشاكله معها انتقلت القضية بسرعة فائقة الى مجلس الامن الدولي الذي بدأت قراراته تتوالى ضد العراق التي ادخلها المجلس جميعها بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة باستثناء قرار وحيد هو المرقم 688 الصادر في الخامس من نيسان (ابريل) 1991 وهو الذي تضمن تأمين كفالة احترام حقوق الانسان والحقوق السياسية لجميع المواطنين ووقف القمع الذي يتعرض له المواطنون العراقيون، في حين أن القرارات الدولية الاخرى كانت أقرب الى تشريع الحرب ضد العراق وخاصة في القرار 678 المعروف بأبي القرارات، والذي اعتبر على الصعيد القانوني والسياسي أخطر وأطول قرار في تاريخ الأمم المتحدة بحق عضو من أعضائها، حيث احتوى على 34 مادة وتضمن 3900 كلمة.
وبموجب الفصل السابع الذي تسعى الحكومة العراقية حاليا لاخراج بلادها منه فأن مجلس الأمن الدولي هو الذي يقرر فيما إذا وقع تهديد أو خرق للسلم والأمن الدوليين أو ارتكاب لعمل عدواني ويحق له وفقاً للصلاحيات المنصوص عليها في الميثاق إتخاذ جميع التدابير اللازمة سواء ما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية أو وقف الاتصالات أو قطع العلاقات الدبلوماسية أو اتخاذ تدابير عسكرية مباشرة وبهذا المعنى فإن الفصل السابع يختلف عن الفصل السادس الذي يعطي الحق لمجلس الأمن النظر في النزاعات واتخاذ الاجراءات المناسبة بتوصيات خاصة وبالتعاون مع quot; الفرقاء المتنازعينquot; في حين أن الفصل السابع يعطيه الحق باتخاذ جميع الاجراءات بما فيها القوة المسلحة كما يشير الباحث القانوني عبد الحسين شعبان .

ومن هنا تم شن الحرب في اواخر شباط (فبراير) عام 1991 ضد القوات العراقية في الكويت والتي تضمنت تدمير اهداف استراتيجية داخل العراق واسفرت عن اخراج تلك القوات من الجار الجنوبي للعراق . ومنذ ذلك الوقت وتطبيق قرارات الامم المتحدة تتواصل ضد نظام صدام حسين الذي لم يستطع التعامل معها بذكاء وفطنه للتخلص منها فظل مزايدا يردد الشعارات الوطنية التي لم يستطع تحقيقها رافق ذلك تدهور في الاوضاع السياسية والاقتصادية قاد في النهاية الى حرب ربيع عام 2003 التي اسقطته واحتلال القوات الغربية المهاجمة للعراق منذ ذلك الوقت في سلسلة احداث بدأت باحتلال الكويت عام 1990 وانتهت بأحتلال العراق عام 2003 .

وبعد 18 عاما من الاحتلال وانتهاء حربه وبعد ان رسمت الامم المتحدة حدودا دولية للكويت اعترف بها العراق رسميًا، فإن قضيتين شائكتين لا تزالان لم تنجحا حتى الآن من طوي صفحة الاحتلال وتداعياته المؤلمة على علاقات البلدين . واول هاتين القضيتين هي المتعلقة بالمفقودين من الجنود العراقيين في تلك الحرب حيث اعلنت وزيرة حقوق الانسان العراقية وداد ميخائيل في مداخلة امام مجلس النواب الاسبوع الماضي ان وزارتها تعمل حاليًا على موضوع الاسرى والمفقودين العراقيين مع الجانبين الكويتي والسعودي لغرض اعادة الاسرى ومعرفة معلومات عن المفقودين واعادة رفاتهم . واضافت quot;ان هناك 1400 مفقود في الكويت والسعودية منذ حرب الخليج الثانية عام 1991 يجري العمل لمعرفة مصيرهمquot;.

اما القضية الاكثر تعقيدًا فهي الديون الكويتية على العراق والتي ما زالت تلقي بظلال سوداء على علاقات البلدين خاصة وان الحكومة الكويتية تصرح باستمرار ان الغاءها كما يطالب العراق يجب ان يحظى بموافقة مجلس الامة (البرلمان) الكويتي لكن هناك اصواتًا في المجلس ما زالت تعارض ذلك . وقد فاتحت السلطات العراقية وعلى اعلى المستويات نظيرتها الكويتية وخاصة خلال زيارة قام بها الى الكويت الرئيس العراقي جلال طالباني في وقت سابق لكن اي حلحلة لهذه المشكلة لم تحصل من اجل حلها. وفي تصريحات له قال طالباني ان العراق غير ملزم بتسديد الديون التي كانت على العراق ابان فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

واوضح ان القانون الدولي يوضح انه ليس من حق الدول التي كانت تساعد صدام أو ترتبت لها ديون أن تطلب من دولة ديمقراطية أعقبت الدولة الديكتاتورية السابقة تسديد تلك الديون معربا عن الامل بان يبادر العرب بالغاء تلك الديون. واشارالى ان العراق يعمل على تهيئة مذكرة بهذا الموضوع موضحا ان هناك مادة صريحة في القانون الدولي تنص على ذلك quot;ولكننا لا نريد استخدام هذه المادة مع الدول ونسعى للتعاون والتجاوب الودي من خلال التشجيع على اقامة مشروعات واستثمارات في العراق مستقبلاquot;.

وحاليا تسعى الحكومة العراقية إلى الاستفادة من الاوضاع الايجابية الناتجة عن انخفاض العنف داخل البلاد وتحسن الأوضاع الأمنية والانفتاح العربي والدولي على العراق من اجل إنهاء هذه الديون وغلق ملف التعويضات الكويتية عن طريق اللجوء إلى مجلس الأمن في حال فشلت الدبلوماسية الثنائية .

وقال نائب رئيس كتلة الائتلاف الشيعي في مجلس النواب علي الأديب ان إلغاء التعويضات أو الديون المترتبة على العراق يعد من ابرز مطالب بغداد الحالية . ودعا الحكومة الكويتية الى الحذو حذو العديد من دول العالم الدائنة للعراق وتلغي ديونها التي تكبل العراق اقتصاديًا وماليًا نتيجة السياسات السابقة. ولمح إلى أن هناك خيارًا بالتحول عن الجهود الدبلوماسية الثنائية واللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار من اجل إعفاء العراق من ديونه للكويت البالغة 12.5 مليار دولار .

وسبق ان تقدم 100 نائب عراقي بطلب الى مجلس الامة الكويتي لالغاء ديون العراق لدعم الحكومة في جهودها لانعاش الاقتصاد العراقي والنهوض بالمستوى المعاشي للمواطنين. وتستقطع الامم المتحدة في الوقت الراهن (5%) من ايرادات النفط العراقي لتذهب الى صندوق التعويضات نتيجة احتلال نظام صدام حسين للكويت عام 1990. ويقول مسؤولون عراقيون ان الشعب العراقي يدفع ثمن حماقات واخطاء صدام حسين . وسبق للحاكم الأميركي للعراق بول بريمر قد دعا عام 2003 الكويت والسعودية إلى التفكير في التخلي عن مطالبتهما العراق بمليارات الدولارات كتعويضات عن الخسائر التي سببها الاحتلال .

وتضع الحكومة العراقية الان خيار اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يعفي العراق من ديونه للكويت أو التعويضات المترتبة عليه لها بقوة في حال لم يثمر تحرك الدبلوماسية الثنائية عن حل. واشار الاديب الى إن quot;إلغاء التعويضات أو الديون المترتبة على العراق يعد من ابرز مطالبنا الأساسية اذ استوفت الكويت الكثير من المبالغ الضخمة من الميزانية العراقية خلال السنوات الماضية عبر التعويض بنسبة 5 في المئة من واردات العراق وهذه التعويضات لم تكن منصفة كونها جاءت نتيجة لسياسات النظام المبادquot; . وعبر الأديب عن امله في ان quot;تحقق طبيعة العلاقات المتطورة على المستوى الثنائي نتائج تدفع باتجاه إعفاء الديون والتعويضات . وقال ان quot;الخيار الثاني ربما يتحول من الجهود الدبلوماسية العراقية إلى التحرك باتجاه مجلس الأمن لاستصدار قرار من اجل اعفاء العراق من ديونهquot;.