واشنطن: يشهد لبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني quot;رفيق الحريريquot; في عام 2005 العديد من الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية، ابتداءاً بأزمة الحكومة اللبنانية عام 2006، واختلال موازين القوي بين القوي اللبنانية، مروراً بالفراغ الرئاسي واختلاف الفرقاء اللبنانيين حول الرئيس، والذي حُل بانتخاب العماد ميشيل سليمان من قبل مجلس النواب يوم 25 مايو الماضي، وصولاً للنزول العسكري لحزب الله إلى الشارع اللبناني واتفاق الدوحة الذي قرب من وجهات نظر الفرقاء، والعقبات التي واجهت تشكيل الحكومية اللبنانية، والتي خرجت للنور مؤخراً، وكل هذا يُثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الحكومة اللبنانية؟، وهل ستكون قادرة على التعامل مع الانقسامات الطائفية والمذهبية؟، وهل الديمقراطية ممكنة في مجتمع يتسم بالانقسامات الطائفية والمذهبية؟ ومستقبل الديمقراطية اللبنانية، وكانت تلك التساؤلات محور حلقة نقاشية عقدها معهد الشرق الأوسط بواشنطن مؤخرا حملت عنوان quot;مستقبل الديمقراطية في لبنانquot;.

أعضاء الحلقة النقاشية

ضمت الحلقة العديد من الشخصيات المشهورة والمعروفة منها رياض الخوري وquot;جرايم بانرمان، اللذين كانا المتحدثين الرئيسيين في الحلقة. فالخوري باحث اقتصادي متميز تُركز أبحاثه على القضايا الاقتصادية لاسيما بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقضايا الاقتصاد السياسي والتجارة الإقليمية، وله دراسات عديدة تتمحور حول التنمية. وتجدر الإشارة إلى أنه درّس الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وفي كلية بيروت الجامعية (الجامعة اللبنانية الأميركية حالياً)، وكان مستشار للمفوضية الأوروبية والاسكوا ومؤسسة التنمية الألمانية GTZ ومنظمة العمل الدولية ILO ومنظمة الهجرة الدولية IOM وصندوق أوبك وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ومؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID والبنك الدولي، فضلاً عن مؤسسات أخرى في القطاعين الخاص والعام. وهو حالياً باحث زائر بمركز الشرق الأوسط ببيروت التابع لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

أما المتحدث الثاني quot;بانرمانquot; يُدير شركته الخاصة للاستشارات الدولية التي تُركز على منطقة الشرق الأوسط، وبالأساس المؤسسات الحكومية والصناعية الخاصة والتعليمية. وقبل تدشين شركته الخاصة عمل quot;بانرمانquot; كمحلل للشؤون الشرق أوسطية كما عمل في إدارة التخطيط بوزارة الخارجية الأميركية، وفي الفترة من 1979 إلى 1987 عمل ضمن موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي.

لبنان بلد الأزمات

عاصر الخوري الهجمات الأخيرة لحزب الله اللبناني بلبنان، فهو يعيش حالياً في لبنان رغم أنه غير لبناني، ويقول أن خبرته بلبنان تكونت من خلال الممارسة وإقامته هناك. فعلي سبيل المثال يقول عن حزب الله أنه ليس ميليشيا عسكرية، وقد توصل إلى تلك القناعة من خلال تواجده بلبنان ومعاصرته لبعض هجمات حزب الله. ولكنه حسب الخوري جيش مدرب جيداً ومن أفضل الجيوش - غير النظامية - تدريباً في العالم. ويري أن الهجمات الأخيرة التي قام بها الحزب في المطار تُعد خطوة مؤثرة وذكية للحصول على أكبر قدر من القوة. ويقول أنه في بلد صغير مثل لبنان التي يتعمد دخلها بصورة أسياسية على السياحة، أرغمت سيطرة حزب الله على المطار الوحيد الحكومة اللبنانية على التفاوض معه والذي عزز من قوي الحزب داخلياً.

ويضيف لم يمر على لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990 فترة رئاسية (كل ست سنوات) خالية من الأزمات. فالسياسة اللبنانية الداخلية يتداخل فيها العنف والحرب. ويري فيها الخوري أنها لا تُحقق عملية سياسية مستقرة، وتحقيق السلام وعملية سياسية مستقرة وصلبة مشروط باختفاء القوة والعنف لاسيما في لبنان الدولة الطائفية (متعددة الطوائف والمذاهب).

الدور السوري في لبنان

كما ركز الخوري في مناقشته على الدور السوري في لبنان. ومن المعروف أن سوريا تلعب دوراً مؤثراً في الحياة والسياسة اللبنانية منذ فترة طويلة إلى يومنا هذا، وهو ما يُثير تساؤل مفاده هل من ضرر لهذا الدور السوري المتزايد بلبنان؟، وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يقول الخوري أن سوريا تتحرك في الاتجاه الصحيح ببطء، و تحتاج لبنان لحاضرها العمل على إيجاد مساحة تفصلها عن سوريا لتطور من نفسها. فالتطور في لبنان لابد أن يكون في أسرع وقت وإلا أصبحت الدولة في ظل المخاطر التي تواجهها ذات نزعة ديكتاتورية عسكرية. ويري الخوري أن التحالف السوري ndash; اللبناني ربما يكون مثمر في المستقبل. ومن الممكن أن تكون العلاقات السورية ndash; اللبنانية قوية مع وجود حالة من الفصل في العمليات السياسية بكل من الدولتين، بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية في مجالات التجارة والكثير من المجالات الأخرى.

وفي النهاية يُشير الخوري إلى أنه ليس هناك داعي للوجود الأميركي بالمنطقة كقوة عسكرية. فقد ميز بين مفهومي القوة الصلدة (Hard Power) والقوة الناعمة (Soft Power)، ويري أن مهمة الولايات المتحدة تتلخص في تعليم لبنان كيفية التعافي من أزماتها بسرعة، وإتاحة بيئة سياسية للعمل السلمي، هذا بجانب تركيز الخوري على الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة.

مستقبل الديمقراطية في لبنان

وعلى الجانب الأخر أثار الضيف الثاني quot;بانرمانquot; سؤالين محوريين يتمحوران حول لبنان والديمقراطية. فيقول قبل فهم الديمقراطية في لبنان لابد من تعريف المفهومين quot;لبنانquot; وquot;الديمقراطيةquot; في سياقهما. وناقش استطلاع حديث توصل إلى أنه عن سؤال اللبنانيين عن تعريف أنفسهم كانت الأغلبية تُعرف نفسها كاللبنانيين في المرتبة الأولي ثم على الأساس المذهبي (سني، شيعي ومسيحي)، وهذا الانقسام في زوال. فمن المهم أن يُعرف اللبنانيون أنفسهم كوحدة واحدة. ولكي تُؤتي الديمقراطية ثمارها يجب على اللبنانيين الاتفاق على الأهداف المشتركة للديمقراطية في لبنان، فبدون هذا الاتفاق سيلجأ الفرقاء اللبنانيون إلى الاستمرار في استخدام القوة من أجل ضمان قوتها وحقوقها. وقد ناي بانرمان بحكومة مستقرة تعمل على تحقيق أهداف كل الفرقاء، فقال بدون حكومة تعمل على حماية كل المواطنين ستستمر كل القوي اللبنانية في الصراع من أجل حقوقها، وسوف تستمر العملية السياسية هناك في حالتها غير المستقرة.

ويقول عند سؤال أي أميركي ما هو مصدر الديمقراطية، الإجابة ببساطة، مصدرها الفرد. فالحكومة الأميركية يُكونها المواطنون من أجل المواطنين.

وهذا متعمق ومتأصل في المواطنين الأميركيين، والذي يمكنهم من تكوين واستمرار السيطرة على العملية السياسية الأميركية. ويؤكد quot;بانرمانquot; على أنه في لبنان والعديد من الدول العربية يطلب المواطنون من حكوماتهم تحقيق الديمقراطية، وحتى يحدث هذا التغيير لا تكون هناك ديمقراطية في لبنان. ويؤكد أيضاً على أن هذا يقع على عاتق المواطن اللبناني لانتخاب مسؤولين قادرين على حماية حقوق كل المواطنين، وليس الاستمرار في انتخاب نفس القيادات التي تُركز على حقوقها وقوتها.

العلاقة بين حزب الله وإيران

وقد انتهت الحلقة النقاشية بدون الإشارة إلى إيران، وهو الشيء المذهل رغم اهتمام الإعلام والداخل الأميركي بالعلاقات القوية بين حزب الله اللبناني وإيران. فعندما سأل أحد الحضور عن أهمية العلاقات بين إيران وحزب الله ، أكد الضيفان الرئيسيان (الخوري وبانرمان) أن الإعلام والحكومة الأميركية تصوران أن هناك علاقة قوية بين إيران وحزب الله أكثر مما هو حقيقي، فكلاهما قال أن الحزب ليس مفوض ووكيل إيراني، بعبارة أخري ليس تابع تبعية كاملة لإيران. فيستخدم كل من حزب الله وإيران الأخر لتحقيق مصالحه وأهدافه، فكل منهما يسعي إلا الاستفادة من علاقاتهما بدلاً من عدم وجودها.

وسأل أخر عن مدي جدية السعي الأميركي لتحقيق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل قال بانرمان أن الولايات المتحدة راغبة في تحقيق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط لاسيما في لبنان، ويري أن ما تطمح إليه واشنطن من تطبيق الديمقراطية في المنطقة لم ينعكس في إجراءات وسياسات على أرض الواقع، وقد أكد على حاجة السياسة الأميركية للتركيز على تعزيز دور الأحزاب السياسية والمؤسسات التي تتوافق مع أهداف الديمقراطية والحرية أكثر من تدعيم القوي التي تُؤمن بالقيم والمبادئ الأميركية، ويري أنه من المهم العمل على تحقيق الاستقرار والديمقراطية بدلاً من تكوين حكومات مختلة وظيفياً خادمة للسياسة الأميركية.

ويخلص المتحدثان إلى أن طريق الديمقراطية شاق ورحلتها صعبة، ولكن يقولان أنها ليس مستحلة (never say never). وتُواجه لبنان، حالياً، العديد من العقبات منها حزب الله، العلاقات مع سوريا، والطائفية والمذهبية. وعندما تكون لبنان قادرة على التعامل مع تلك التحديات والعقبات ستكون هناك إمكانية وفرصة لتحقيق الديمقراطية في لبنان.