مستشار الأمن القومي العراقي في حديث مع إيلاف 3-3
الربيعي: قريب صدام دل عليه وهذه تفاصيل اعتقاله وإعدامه

موفق الربيعي: علاقتنا مع إيران علاقة مصالح وصداقة

موفق الربيعي: نجحنا مع السعودية في تجفيف منابع الإرهاب

حاوره عبد الرحمن الماجدي:
يواصل مستشار الأمن القومي العراقي الدكتور موفق الربيعي حديثه لإيلاف الذي نخصص الجزء الأخير منه لقصة اعتقال وإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وما تخلله من لقاءات للربيعي مع صدام حسين. بدءًا من تفاصيل اللقاء الذي جمعه وأحمد الجلبي وعدنان الباجه جي وعادل عبد المهدي قبل الاعلان عن اعتقاله رسميًا. كاشفًا عن كيفية إلقاء القبض عليه والطريقة التي سهلت وصول الأميركيين إليه. وما دار بينه وبين صدام لحظة إعدامه ومن سرب الفيلم لوسائل الإعلام، مؤكدًاأنّ الرئيس العراقي السابق لم يندم أو يغير مواقفه أو يبدي أي أسف على أي عمل قام به في حياته حتى إعدامه. ولم توجه له أي إهانة قبل إعدامه.
تردد إسم الدكتور موفق الربيعي في يوم اعدام الرئيس السابق صدام حسين هل بالفعل كنت حاضرا ساعة الاعدام؟ وكيف كان وضعه؟ ممكن الحديث أيضاًً عن لقاءات سابقة معه أثناء اعتقاله أو قبيل إعدامه؟
علاقتي بصدام حسين بدأت بعد يوم إلقاء القبض عليه في ديسمبر 2003 وأريد أن أوضح ما إلتبس حول بقاء صدام من 9 ابريل إلى منتصف ديسمبر يعني تقريبًا 8 أشهر... وهي فترة كانت متواصلة من العمل الشاق لرسم خط تحرك صدام حسين كهارب. وأكشف هنا سرًا حول إلقاء القبض عليه أخص به إيلاف. حيث قال الخبراء الأميركيون إن صدام حسين لن يستخدم طرقًا تقليدية بالاختفاء. ولن يثق بأحد غير أقرب أقربائه. وبالنسبة إلى أقاربه المعروفين فإنه لن يذهب إليهم لأنهو يعلم بأنهم سيتم تقصيهم ومراقبتهم أو اعتقالهم.

فجرى البحث وفق نظرية أن صدام حسين سيذهب لأقاربه غير المكشوفين. أي من غير المعروفين لا إعلاميًا ولا سياسيًا ولا تجاريًا. ورسموا بوساطة جهاز الكمبيوتر شجرة عائلته كاملة. وتم تكبيرها ورسمها على الجدار أيضاً، وقد شهادتها بنفسي من خلال عملي كمستشار للامن القومي. وبدأوا يسقطون أوراق الشجرة وروقة ورقة وشخصاً شخصاً؛ مثلاً هذا فلان هارب، وهذا مقتول، وهكذا. ويتم شطب هؤلاء من الكمبيوتر من قائمة البحث. فتم شطب ثلاثة أرباع القائمة، وأسقاط ثلاثة أرباع أوراق الشجرة. فبقي ربع كله متكتل ومنعزل غير مشترك في سياسة أو أجهزة أمنية أو نشاط اقتصادي بعهد النظام السابق. وهو ما يمكن تسميته بالفرع الميت. وقالوا لهؤلاء سيلجأ صدام حسين.

وصادف أنهم كانوا يبحثون عن أحد المطلوبين في قضايا إرهاب وتم اعتقاله ولم يعلموا أنه من أقارب صدام ومن هذا الفرع المطلوب من شجرة العائلة، لأنه كان يستخدم اسمًا ولقبًا مزوّرين. لكنه أثناء التحقيق قال سادلكم على شخص يوصلكم لصدام.. على أن تؤمنوا سفري لأميركا وتؤمنون حمايتي. فاوصلهم للشخص المطلوب وتم اعتقاله والتحقيق معه.

وهل اوصلهم لمكانه اختباء صدام؟
نعم، قال أنا أوصلكم.
وماحصل بعد ذلك حدثني به الجنرال الذي اعتقل صدام حسين. حيث ذهبوا لقرية قرب الدور في الساعة الثامنة مساء. وكان هناك بيتان متلاصقان، أحدهما مهجور والآخر مسكون لا أحد فيه. لكن توجد فيه آثار طبخ وأكل. ويوحي بأن شخصًا أو اثنين يعيشان فيه. فبحثوا في الحديقة وحول المنزل ولم يجدوا شيئًا.

وكان خلف الحديقة بستان وثمة بقعة مهملة. فعبر أحد الجنود غليها وتعثر بسلك طوله نحو عشرين متراً. وكانت المنطقة كلها مغطاة بحشيش، وكان هناك غطاء تحت الحشيش. وحين رفع الغطاء، ونزلوا عبر درج عمودي جداً وجدوا صدام حسين بلحية وشعر كث. ويرتدي دشداشة وقمصلة زرقاء. وكان بقربه بندقية كلاشنكوف ومسدس وذخيرة كثيرة.
فكانت أول عبارة نطقها حين شاهد أحذية الجنود تنزل من على الدرج نحو حفرته هي: أنا صدام حسين رئيس العراق وأريد أن أتفاوض حول صفقة. قالها رافعاً يديه للأعلى. ويبدو أنه قد تدرب عليها تجنباً لقتله.
فبطحوه على الأرض. وتم اعتقاله.

وكيف تأكدوا ان هو صدام حسين في ذلك الوقت؟
لم يتم الانتظار لحين ظهور الفحص. فجلبوا أشخاصاً من أقربائه ومن مقربيه. فجلبوا طارق عزيز من السجن وقد تعرف عليه واخبرهم أنه هو صدام حسين. بعد ذلك ذهبنا أنا والدكتور عادل عبد الهدي والدكتور عدنان الباجه جي والدكتور أحمد الجلبي حيث تمت دعوتنا من قبل الحاكم المدني وقتئذ بريمر. زلم نكن نعلم لماذا دعونا. فركبنا الطائرة للمطار ثم أخذنا سيارة خاصة لمنزل كان فيه بريمر فوجدنا الجنرال سانتشيس الذي كان مع بريمر. وسألني هل تريدون مشاهدة صدام من خلف زجاج وتتأكدون أنه هو؟ وكانوا يريدوننا أن نخرج ونعلن نحن وليس هم أن صدام حسين هو نفسه تم اعتقاله. لانهم لن يعلنوا الخبر حتى يتم التأكد من الفحص الطبي.

فقلت: بل نريد محادثته فدخلنا الغرفة. فوجدناه جالساً على حافة سرير حديدي من أسرة الجيش التي تطوى. وكان واضعاً رجلاً على رجل، ويدرتدي دشداشة بيضاء وقمصلة زرقاء هي نفسها الملابس التي تم اعتقاله بها. فقال الدكتور أحمد الجلبي ساقدم لك الاخوان؛ هذا الدكتور الباجه جي. فقال صدام: الاستاذ الباجه جي؟ شجابك ويه ذول العملاء؟ ثم قال الجلبي: وهذا دكتور عادل عبد المهدي. ولم يعلق لاننا سمعنا بتلك اللحطة ضوضواء قريبة لم يسمع اسم عبد المهدي. قم قال الدكتور الجلبي: وهذا دكتور موفق الربيعي فرفع رأسه ونزله. فقلت وهذا دكتور أحمد الجلبي. و قلت له: صدام حسين، فرفع رأسه نحوي. فقلت له: لعنة الله عليك.. شسويت بينا.. أكو واحد يسوي هكذا بشعبه؟ فقال: لعنة الله عليك وعلى والديك. فقلت له: ليش عدمت الصدر؟ هذا العالم الكبير. فسألني يا صدر؟ قلت محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر.. ليش قتلتوهم؟ فقال وهو يهز يده سخرية: صدر رجل..

ثم قلت له: أكو رئيس بالدينا يستخدم الكيماوي ضد شعبة؟ ويقتل 5000 واحد؟ فقال ذول الايرانيين ضربوهم كييماي. فقلت له نصف الشعب العراقي بالمقابر الجماعية.. هل سألت ذوي الشهداء؟ قال هؤلاء خانوا خدمة العلم.. وقلت لماذا ورطتنا بحرب ثمان سنوات مع إيران؟ وراح منا نصف مليون قتيل ومعوق..؟ ورحت أسرد مافعله. الى أن قلت: أكو واحد يغتصب بلد مثل الكويت ويبتلعه..؟

وقال له الدكتور عدنان الباجه جي: كان ممكن تنسحب من الكويت، وتنقذ بلدك. فقال له صدام: أنت تعرف وأنا أعرف أن الكويت حق تاريخي لنا، لايمكن أن نتنازل عنه. وشرح كيف أن الكويت تآمرت على العراق. وأنه أراد بناء عراق متقدم، وبلد عصري بمساعدة فرنسا، لكنها، تحت الضغوط الاسرائيلية، تراجعت. ودار نقاش ليقنع نفسه ويقنعنا أن غزو الكويت كان لصالح العراق والامة العربية وانها تامرت ضد العراق.

ثم سأله الدكتور عادل عبد المهدي ساله عن إعدامه لعبد الخالق السامرائي ومحمد عايش وعدنان الحمداني، وبقية رفاق صدام في حزب البعث. فانتفض بشكل غريب، وقال وانت شعليك بيهم؟ هؤلاء بعثية. ثم قال الجلبي لنغادر. وكان سانشيس وبريمر يستمعان للحوار من خلال مترجم. فقال بريمر: أوكي. فقال صدام، متعجباً: هذا هو؟ خلصت؟!

كانه كان يتوقع مثل مافعلوا مع عبد الكريم قاسم (الزعيم العراقي السابق) حيث حوكم بخمس دقائق وأعدم.. وكان يظن بأننا سنفعل به مثل ذلك. فخرجنا وكنت الأخير، ففكرت أن أنقض عليه. فقلت ماهو الفرق بيني وبينه لو فعلت ذلك؟

وهل التقيته بعد ذلك؟
حصلت لقاءات أثناء المحاكمة وبعدها. وخلال جميع لقاءاتي معه الى الإعدام، لم أشعر من قبله بأي ندم، أو تغيير أو مراجعة لمواقفه. وبقى على نفس الصلافة والقناعة وعدم الاعتذار أو الاسف.

وكيف كانت معاملته داخل السجن؟ وماقصة الشيكولاته التي كان يفضل اكلها داخل السجن؟
كانت معامله جيدة ولم تتم اهانته أبداً. أما الشيكولاته فهو كان يطلبها ويجلبها الأميركان له، ربما محاولة منهم كي يتعاون معهم. وكانت شهيتة مفتوحة للشيكولاته وبماركات معينة يطلبها وتجلب له بالإسم من الخارج.

وماذا حصل أثناء الإعدام؟ وكيف تسرب فيلم الإعدام الذي تحول لفضيحة؟
الحقيقة لما غادرنا مكتب دولة رئيس الوزراء نوري المالكي، تم تفتيشنا بمطار المنطقة الخضراء بعدم اصطحاب أي سلاح أو هاتف. فغادرنا بدون لاسلاح ولا هواتف. لكن وجدنا هناك موظفي الاصلاح المشرفين على الإعدامات في سجن الكاظمية الذي يسمى اليوم سجن النساء وكان في زمن صدام دائرة للاستخبارات.. وكان مع هؤلاء الموظفين هوتف نقاله.

لكن الهتاف الذي سمع خلال الفيلم الذي تسرب هو هتاف يردده أتباع تيار معين؟
أود ان أقول شيئاً هنا: أول دخول لصدام حسين لمكان الإعدام استلمته أنا كمستشار أمن قومي وكطبيب. لانه حين يعدم سيحتاج لشهادة وفاة وللتوقيع على سبب الوفاة.

وكيف كان حين استلمته؟
كان يرتدي معطفا أزرق، ويداها مقيدتان للامام ومعه قرآن. فأخذناه لغرفة. وطلبوا أن يستمع للائحة الاتهام وقرار الإعدام من قبل القاضي بحضور المدعي العام. وهو كان يردد مع صوت القاضي: عاشت فلسطين.. والموت لأميركا.. عاشت المقاومة.. عاش العراق.. ثم أخذناه لغرفة الإعدام. فتم قص طوق اليد وكان طوقا من البلاستيك. فقلت للحارس الذي يقص القيد: دير بالك. لأني سمعته يقولك آخ. فأعطاني القرآن. وقلت له: ماهذا؟ قال هذه أمانة اعطيها لأهلي. فقلت له اعطيه للمدعي العام. فأعطاه له وساله: لمن أعطيه فقال أما لأهلي أو للمحامي خليل الدليمي. ثم أخذ ينظر لي نظره حادة. فبادلته بمثلها. ثم قال دكتور لاتخاف. فقلت: أنا لست محكوما بالإعدام، لماذا أخاف؟ فقال هذه للرجال. يقصد المشنقة. فشدوا يديه للخلف وشدوا قدميه وصعدوا به الدرج. والقصة معروفة من خلال الفيلم الذي تسرب.

ومن الذي سربه برأيك؟
أظن أن أحد الحراس في السجن هو من سربه. لكن الشي المهم الذي أود قوله، وإقسم عليه أن صدام حسن لم يهان أبدا في حياته قبل الإعدام.

وبعد الإعدام؟
بعد الإعدام لم يعد صدام حسين. وبقي جثة ويجب أن تكون للجثة كرامة وقد أهينت الجثة.

من قبل مَن؟
لا أريد قول ذلك. لانه أمر معيب، ولا يشرف الإنسان ذكره. وذكر تفاصيله ومن قام به.

ومن نقله من مكان الإعدام؟
كنت في الأسفل حين نزلت جثته من المشنقة. وكنا نخشى أن تنقطع رقبته؛ لأن عظم الرقبة كسر وشق الجانب الأيمن من الرقبة. فوضعناه في كيس أبيض وجلبناه معنا للمنطقة الخضراء بالطائرة. وتم تسليمه لمحافظ صلاح الدين بعد ذلك.