فقدت كلمات كثيرة معانيها بسبب كثرة استخدامها في مناسبات تستدعيها وفي غيرها. ومن هذه صفة laquo;عبقريraquo; التي تنطبق حقا على قلة قليلة من الناس.. ومن هؤلاء ستيف جوبز الذي يستحقها بجدارة لا جدال حولها.

.. يميط اللثام عن laquo;أبل إيرraquo; في 2008

لندن: بسبب الثورة التكنولوجية التي أحدثها، قورن ستيف جوبز بعظام من أمثال توماس اديسون وألبرت آينشتاين وولت ديزني، وقطعت محطات العالم الإذاعية والتلفزيونية برامجها العادية لبث نبأ وفاته عن 56 عاما حافلة بالإبداع والمجد.

لم يكتف جوبز (1955 ndash; 2011) بالهيمنة أزمانا طويلة ومختلفة على صناعة التكنولوجيا عبر شركته التي جعل منها لوقت وجيز الأكبر من نوعها في العالم، وإنما فعل هذا من دون حاجة الى laquo;القيادة من الخلفraquo; كما هو الحال مع البقية.

ووفقا للعديد من التحليلات التي خرجت بها وسائل الإعلام الدولية بعيد إعلان وفاته فثمة أمران تميز بهما هذا الرجل: الأول سعيه الى laquo;الجمال في التكنولوجياraquo;، والثاني إصراره الجبّار على الاعتماد فقط على غريزته. وكان بكل هذا يسعى إلى الانعتاق مما تريده الجماهير بناء على ما سبق أن تداولته، وصولا بها الى ما تريده حقا من دون أن تعلم أنه ممكن.

وهكذا أتيح للعالم أن يشهد ثورة تكنولوجية وراء الأخرى من اختراعاته وتصاميمه: من الـlaquo;آي بودraquo; مرورا بالـlaquo;آي فونraquo; ووصولا الى الـlaquo;آي بادraquo;. وربما كانت الفكرة الضمنية التي يمكن وضعها في عبارة laquo;أنا أعلم منكم بما تحتاجونraquo; مرفوضة في حال أتت من أي شخص آخر كونها تنطوي على درجة عالية من الاستعلاء. لكنها كانت مقبولة من ستيف جوبز لأن ما أتى به الينا كان هو ما نبحث عنه بالضبط ولكن من دون أن نعلم.

ولا شك في أن نفوذ جوبز كفرد يعتبر أكبر أثرا من ذلك الذي أحدثه عبر شركة laquo;أبلraquo;. فقبل بروز نجمه، كانت ساحة الأجهزة التكنولوجية تعرّف نفسها بالحاجة العملية فقط ومن دون ما يدعو الى اللمسة الفنية والجمال. وبالطبع فقد غيّر جوبز هذا المفهوم فصارت التكنولوجيا laquo;جميلة أيضاraquo;، وفتح هذا الباب أمام مدّ من المواهب في الخلق الفني والتصميم الغرافيكي والتسويق ما كانت ليأتي اليه من أي سبيل آخر.

وهو يطلق laquo;آي بادraquo; في مطالع العام الماضي

مكانة بارزة في التاريخ

ستيف جوبز هو المؤسس المشارك وكبير المديرين التنفيذيين لشركة laquo;أبل كومبيوترraquo;، وكان كبير المديرين التنفيذيين في شركة laquo;بيكسارraquo; لإنتاج أفلام رسوم الكومبيوتر المتحركة حتى اشترتها شركة laquo;ديزنيraquo; عام 2005. وتاريخه في عالم الأعمال ثري ومتفرد وبالتالي مثير للجدل. ويعتبر أكبر إنجازاته في عالم الكومبيوتر خلطه الموفق بين الاتجاه العملي والمظهر.

وقد أحدث جوبز، مع شريكه المؤسس ستيف ووزنياك، ثورة في عالم الكومبيوتر الشخصي في أواخر السبعينات. وفي مطالع الثمانينات كان بين الأوائل الذين اكتشفوا القيمة التجارية لأنظمة تشغيل الكومبيوتر بالرسومات والتصاميم والفأرة بدلا من طباعة الأوامر أو إصدارها باستخدام لوحة المفاتيح.

على أن laquo;أبل كومبيوترraquo; أطاحته عام 1985 بسبب تعدد الشكاوى من مزاجه الحاد المتقلب وأسلوب إدارته الشرس. فأسّس شركته laquo;نيكست كومبيوترraquo; واشترى شركة laquo;بيكسارraquo; من المخرج السينمائي جورج لوكاس بخمسة ملايين دولار (باعها في ما بعد لديزني بمبلغ 7.4 مليارات دولار، أي أنه حقق ربحا بنسبة 1479 في المائة) ثم عاد إلى laquo;ابل كومبيوترraquo;.

وكانت هذه العودة أحد أنجح القرارات في تاريخ العالم التجاري. فبنهاية التسعينات صارت منتجات الشركة البيضاء اللون الجميلة التصميم موضة في حد ذاتها يحرص على اقتنائها أصحاب الذوق الرفيع الذين لا يضعون الشكل في مستوى أدنى من المضمون (مثلما هو الحال مع الكومبيوتر الشخصي laquo;بي سيraquo; الذي يعمل بنظام laquo;ويندوزraquo;). وفي السنوات التي تلت، استطاع هذا العبقري ذو اللمسة الذهبية أن يبيع للعالم 60 مليون جهاز laquo;آي بودraquo; ومليار أغنية عبر التنزيل الإلكتروني و45 مليون برنامج تلفزيوني أيضا عبر التنزيل الإلكتروني وأكثر من 10 ملايين جهاز laquo;آي ماكraquo;. وهكذا ارتفعت قيمة السهم في laquo;أبل كومبيوترraquo; في الفترة بين 1997 و2006 خمسة أضعاف من 16 دولارا إلى 90 دولارا.

بطاقة شخصية

ولد ستيفن بول جوبز في 24 فبراير (شباط) 1955 في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، ابنا غير شرعي لأم أميركية، جوان كارول شيبله، وأب سوري من حمص، هو عبد الفتاح جون جندلي، الذي كان في دراساته العليا وصار في ما بعد بروفيسورا في العلوم السياسية. وبعد أسبوع من ولادته، قررت والدته التي كانت طالبة جامعية التخلي عنه فتبناه بول جوبز وزوجته كلارا، من ماونتين فيو، كاليفورنيا، وسمّياه ستيفن بول جوبز.

تلقى جوبز تعليمه الابتدائي والثانوي في laquo;كويرتينو ميديل سكولraquo; وlaquo;هومستيد هاي سكولraquo; على التوالي، إضافة الى تلقيه محاضرات مسائية في شركة laquo;هيوليت باكاردraquo; في باول آلتو، كاليفورنيا. وسرعان ما منحته الشركة وظيفة في العطلة الصيفية فعمل الى جانب ستيف ووزنياك.

عام 1972 تخرج جوبز في المدرسة الثانوية والتحق بكلية laquo;ريدraquo; في بورتلاند، اوريغون، لكنه هجر الدراسة بعد موسم واحد. ومع ذلك لم يقطع علاقته بالكلية إذ تلقى فيها عددا من الدورات التعليمية منها دراسة الخط. وعام 2005 خاطب خريجي الكلية مشيرا الى تلك الأيام قائلا ان الفضل في تعدد خطوط نظام laquo;ماكraquo; والمسافات المتناسبة لحروفه يعود بشكل تام لدراسته الخط في الكلية في ذلك الزمن.

في بداية عشريناتهما، حصل كل من جوبز و ووزنياك على وظيفة في شركة laquo;أتاريraquo; لألعاب الفيديو. ولاحقا استفادا من خبرتيهما فيها فطوّرا laquo;الصندوق الأزرقraquo; الذي يسمح لمستخدمه بإجراء مكالمات هاتفية طويلة المسافة. وفي ما بعد استطاع ووزنياك بناء كومبيوتر شخصي لاستخدامه الخاص، فأقنعه جوبز بضرورة تأسيس شركة بينهما لتسويقه. وهكذا ولدت laquo;أبل كومبيوترraquo; في الأول من أبريل (نيسان) 1976.

من أقواله

- في خطاب أمام الطلاب الجدد في جامعة ستانفورد (2005): laquo;حقيقة أن الموت آت هي الأداة الأكبر والأهم لتحقيق خياراتنا الأكبر والأهم في الحياةraquo;.

- في حوار مع مجلة laquo;بلاي بويraquo; (1985): laquo;لا تهمنا اتجاهات السوق ولذا فلا نجري دراسات جدوى وما الى ذلك مما يسمى لوازم التسويق. كل الذي نريده هو إنتاج الأفضل الممكن للإنسانraquo;.

- في حوار مع مجلة laquo;فورتشيونraquo; (2000): laquo;كان إحساسي وأنا أعود الى laquo;أبلraquo; هو أن صناعتنا تدخل في حالة غيبوبة عميقة، ذكّرتني بديترويت في السبعينات عندما صارت السيارات الأميركية عبارة عن قوارب على عجلاتraquo;،

- في حوار مع مجلة laquo;واياردraquo; (1994): laquo;التصميمraquo; كلمة فكاهية على نحو ما، لأن العديد من الناس يعتقدون انها تعني laquo;المظهرraquo;. هذا خطأ لأن التصميم يعني الكيفية التي يعمل بها الشيءraquo;.

- في حوار مع laquo;وول ستريت جورنالraquo;، 1993: laquo;لا يهم أن أكون الأكثر ثراء وصاحب القبر الأفخم في المدفن. ما يهمني حقا هو أن أذهب الى فراش النوم وفي دواخلي إحساس بأنني أنجزت شيئا بديعا ينفع الناسraquo;.