الشعب السوري يكسّر الآن صورة الاستسلام السلبية التي أشاعها عنه هذا النظام. إنه يقدم صورة حيّة للتحدي الشجاع والمسؤول. فالنظام السوري ليس كالنظام التونسي او المصري. إنه نظام شمولي بكل معنى الكلمة: بنية عسكرية فاشية، جهاز أمن مدرب على كل أشكال القمع، باختصار: كل عنصر بشري في بنيته يعمل كأي برغي في جهاز.

كذبة النظام السوري تجسدت اليوم: قرار من وزارة الداخلية بمنع التظاهر.... وبعد ساعتين قرار آخر برفع حالة الطوارئ... وربما غدا بتعميم قانون ضد الإرهاب... الكذبطبيعة هذاالنظام!

ومن هنا يجب الانحناء أمام هذا الشعب والوقوف إلى جانبه. وعلى كل مثقف يمتلك ذرة ضمير أن يقف علنا مع هذا الشعب لتحقيق مطالبه الشرعية. أقول كل مثقف، لأن المأساة العربية كان دائما للمثقف دور فيها: التبعية لهذا النظام ضد نظام آخر، التمترس وراء حجج واهية كـ: إذا سقط نظام الأسد، مثلا، سيبدأ الصراع الطائفي، أو بحجة ان النظام السوري هو العدو الوحيد لإسرائيل، بينما هو صمام أمان إسرائيل، الى حد أن إسرائيل نفسها تخشى من سقوط نظام الأسد أكثر منه.

اليوم: انتهى هذا المثقف الامعة المأجور الذي دوّحنا بشعاراته البالية: quot;مؤامرة أمريكية، إسرائيليةquot; الخ. اليوم: بتنا نرى مثقفين ديناميكيين، أحرارا في اتخاذ رأي يتقاطب وحركة مجتمعهم التاريخية.

لكن، لا يزال هناك عدد كبير من المثقفين لم نعرف للآن ما رأيهم في هذه الانتفاضة السورية، بل ما رأيهم الحقيقي في نظام دكتاتوري تاريخه مشيّد بدم السوريين والعرب، مثقفين لعلعوا كثيرا إزاء الحدث المصري، التونسي أو الليبي... لكنهم صمٌّ بكم إزاء الحدث السوري. وواحد منهم هو: ادونيس. أليس غريبا أننا لم نسمع منه كلمة صغيرة حول ما يجري، في بلده، من أحدث وصدامات دموية بين الجماهير ورجال آمن النظام؟

بالنسبة إلي، ليس غريبا على الاطلاق. فادونيس مسكون بوسواس طائفي النزعة ولا تكفي الادعاءات الشعرية، أي الانشائية، بالكونية الى آخر الكلمات المعلوكة الف مرة في الصحافة الفرنسية، التي يتبجح بها هنا وهناك،لتغيير هذه الحقيقة. فهو يفكر بما يتماشى ومصالحه تفكيرا لا يختلف أبدا عما تفكر به أبوقة نظام بشار داخلا: الاحتجاج هذا سيقضي على الطائفة العلوية... وعلناً بفزاعة أخرى: quot;احذروا، وإلا سيحصل في سورية كما حصل في العراقquot;، ومن يا ترى دمّر العراق إن لم يكن النظام السوري بارساله فرق ارهابية.

يخشى ادونيس من أن انتصار الشعب السوري على النظام، قد يهدم المتحف الذي يعمل على بنائه منذ سنوات ليضمكتبه وصوره. فادونيس، كما قال عنه مستشرق ياباني، quot;ربما هو شاعر كبير، لكنه، بكل تأكيد،إنسان صغيرquot;! والصغار دائما يرتعون في الجانب المظلم من التاريخ، لايفكرون إلا بتقوقعهم المتناسل. وكانتهازي عريق، سيبقى ساكتا إلى أن لايعود هناك شك بأن النظام السوري قد سقط... وعندها سيصرح ليس انه كان مع انتفاضة الشعب السوري فحسب، بل، وبكل صلافة، كان من أول المنادين باسقاط نظام بشار! تاريخه مليء بالبراهين. ألم يقف مع الغوغاء ضد سلمان رشدي، قائلا لايحق لرشدي الاعتداء على القرآن، وبعد سنوات عندما أصبح الجميع، حتى المثقف الإسلامي، متعاطفا مع رشدي، صرح، في لقاءاجرته معه اذاعة فرانس انتير،بأنه كان ضد رشدي لأنه لم يكن ملحدا بما في الكفاية!!

في العمق، يأمل ادونيس بمعجزة توقف الاحتجاجات، أو تلبي مطاليب الشعب السوري، لكن شرط أنتبقي على نظام quot;طائفتهquot;، وهذا مستحيل تأريخي أكدته آلاف القصائد التي كتبها شعراء بكل ذاتية، لكنهملم يتوانوا لحظة عن تلبية نداءات شعوبهم. فإما التغيير لصالح كل الطوائفأو الموت الأسود للجميع!لم يعرفالشعر، ولا الانتفاضات،نصف الطريق.

على الشاعر الحقيقي أن يكون صاحي العين، وأن يدفع بالإرادة التاريخية إلى أقصى مداها، حتى لو هُددت بانحراف. فهو ليس المسؤول عن انحراف الحركة التاريخية، التي ستشهد كتاباته على انه وقف ضد هذا الانحراف...، لكنه مطالب، قبل كل شيء، بمسؤولية أخلاقية تنبع من صلب الشعر، أن تكون كلمته في حدث تاريخي كهذا علامة على الصراحة ونظافة الضمير.
الشعب السوري واضح في كل مطالبه، وإنه موحّد في احتجاجاته ضد كل طائفية، له نخبة ثقافية نزيهة تعرف أن الطريق المدني والدستور الديمقراطي كلاهما كفيل بمجتمع حر ومتكافئ الفرص. وعلى كل مثقف سوري يعتبرنفسه كائنا إنسانيا أن يبصق على كل الهُوّيات الطائفية، وأن يعمل من أجل سورية مشجرة بأعلام الجميع.

إذن السكوت بحجة خوف من صراع طائفي ليس من شيمة الشعراء (ناهيكعن أنكلمة سكوت لا توجد فيقاموس الشعراء)،وإنما من صفات الذين ليست لهم قدرة على لعب الدور التاريخي والانغمار في التحول ضد الثابت انغمارا لا رجوع عنه، مهما كان المصير. فالشاعر الحقيقي يعرف أن ربّة الشعر ستهمس في أذنه: قم بهذا أو مت...

كما يعكس هذا السكوت حول النظام السوري تشكيكا بمصداقية ما صرّح ويصرّح به ادونيس حول انظمة عربية أخرى وقادة عرب آخرين.

إذن، لم يعدهناك وقت للركض وراء تاجر اقمشة خليجي لاصدار مجلة للثقافة المستهلكة...

انتهز الفرصة التي قد تحصل بسببها على جائزة نوبل التي تطارد وراءها عبثا منذ عشرين سنة: قل كلمتك، وإلا.....

لأن quot;القصيدة تبقى جيدة إلى أن نعرف من كتبهاquot;، كما قال كارل كراوس.