الكوارث في العراق لا تعد ولا تحصى، كوارث الحكومة الفاشلة بكل معنى الكلمة، كوارث المفخخات التي لم تنته وربما لن تنتهي وإنْ على المدى القريب، كوارث العطل الدينية التي راحت تنهك بجسم الدولة ـ راجع مقالي عن ذلك قبل ثلاث سنوات في ايلاف ـ كوارث القراء الحسينيين من محترفي الخرافة والسرقة السريّة، كوارث المظاهرات والاعتصامات في غرب البلاد التي كما يبدو تحولت إلى شروط تعجيزية لا أكثر ولا أقل، كوارث التحالفات السريعة التشكل والسريعة التفكك في نفس الوقت، كوارث تأصيل حكومة القرية والاقربون أولى بالمعروف... انها الكوارث التي تلد مثيلاتها ولا تعقم ذلك أبدا...

وهل انتهى الامر؟
لا!
هناك كارثة اخرى، سميتها كارثة (الميت المستهلك)، انها كارثة (الفواتح) في العراق، الفاتحة أو مجلس الختم، تحول إلى مستهلك كبير في هذا البلد الكارثي بامتياز، يستهلك المال والوقت والجهد وراحة الناس وحقوق الناس، مجلس الختم ـ وما اكثر مجالس الختم لان الموت بالالاف ـ يكلف صاحبه ربما اكثر من عشرين الف دولار، بل احيانا اربعين الف دولار، وكثيرا ما يقام هذا المجلس على شكل خيمة في منتصف الطرقات، يقطع سبيل المارة، يحرج النساء والشيوخ، وتصدح المايكروفونات باعلى اصواتها، يَطربُ لها المريض العاجز اي طرب، وينصت لها طالب المدرسة اي إنصات، ويدخل الفرح والسرور على قلوب ووجدان الاطفال المحرومين من كل وسيلة فرح وسرور، وتزدحم الطرق المؤدية الى مجلس الختم الكارثي هذا ايّ ما ازدحام فيما اذا كان على روح قريب مسؤول كبير، حيث تطوق الطرق الحمايات والحراسات، ويتحول المجلس إلى حفلة تباهي وافتخار، ويتوافد المتزلفون والانتهازيون لاخذ بركة هذا المسؤول التافه، ويلزم كل من يدخل المجلس هذا ان يسلم على جميع من جاء لقراءة الفاتحة، حيث تغطي سحابات الدخان الرحيم في سماء الخيمة، لتغذي صدور المسلولين والمتعبين برحمة رب العالمين...
اربعون الف دينار تكاليف الفاتحة في العراق في بعض الاحيان، توزع تكاليفها ابناء العشيرة، وفي العشيرة مئات العاطلين، كان بالامكان ان تحول هذا الاموال الطائلة الى فرصة عمل تنقذ ربما احفاد الميت، او بنات الميت!
الامر الذي لا يعلمه الناس، ان اصل (الفاتحة) بهذه التواصيف لا اساس لها من شرع ولا دين، بل هي عرف،و حسب المنطق الديني ان قراءة الفاتحة من اجل ثواب هذا الميت ـ الذي تحول الى كارثة ـ لا تحتاج الى كل هذه الديكورات والابهة والتباهي، ويمكنك ان تقرا الفاتحة لهذا الميت الكارثي وانت في بيتك، وانت تشتغل، ولكن العرف اللعين أخرج الدين من معانيه السامية وادخله في غياهب التحريف والتخريف، كما الحال في المجلس الحسيني اليوم،حيث صار تجارة لا تبور، ومدرسة خرافية تهدد العقل بالدمار والاستقالة على يد محترفي الابتزاز الديني امثال المهاجر وعلي السماوي والفالي والطويرجاوي وغيرهم، حيث لا حرمة لمريض ولا لطالب ولا لموظف ولا مستطرق ولا استاذ ولا مال ولا وقت ولا جهد ولا امراة ولا طفل ولا امن ولا سلام ولا اقتصاد وأخيرا، لا حرمة لدين، دين شفاف عفيف، دين محمد بن عبد الله، دين علي وعمر!
الفاتحة ليست فاتحة اليوم في العراق، الفاتحة هي طامة كبرى في العراق، فاين المصلحون؟