قال أوباما في خطاب تأبين نيلسون مانديلا، قولة حق عن: quot; كثيرين من زعماء العالم، الذين يدعون مناصرتهم لكفاح مانديلا من اجل الحرية، لكنهم لا يقبلون المعارضة من شعوبهم.quot;

قولة حق قالها بعيد مصافحته للزعيم الكوبي، الذي جاء لتمثيل نظام شمولي مغلق لا يطيق الحريات والمعارضة. والمصافحات بحد ذاتها لا غبار عليها، على أن لا تعني استثناء كوبا ممن عناهم اوباما بقولته تلك، وأن لا تعني إلقاء المسؤولية عن الجفاء الطويل مع واشنطن على عاتق من سبقوه في الرئاسة، لا مسؤولية زعماء صادروا كل حرية وتحالفوا مع أنظمة العدوان والطغيان كإيران وكوريا الشمالية وسوريا، وبالأمس نظام صدام وسواه.
وفي الملعب التأبيني يجلس موغابي، رئيس زيمبابوي، النقيض الكلي لسيرة وعقلية وممارسات مانديلا. فهذا الرجل، المطلوب للعدالة الدولية، كان يقود العصابات السوداء المسلحة للهجوم على مزارع البيض ومصادرتها والتنكيل بأصحابها وتهجيرهم. وبين زعماء أفريقيا وغير أفريقيا الحاضرين آخرون من الرؤساء الفاسدين والمستبدين، ولكنهم يشيدون يسيرة مانديلا ويتاجرون بها. أما تصريح بشار الأسد عن مانديلا، فهو أكثر الأمثلة مدعاة للاشمئزاز والسخرية. الأسد يقول إن حياة مانديلا quot;مصدر إلهام للمقاتلين من أجل الحرية ودرس للطغاة.quot; قول صحيح لو جردناه من شخص قائله. ولكن المصيبة هي أن الأسد نفسه مثال للطاغية الدموي، الذي لم يتعلم من دروس من سبقوه من الطغاة، وسار ويسير بالعكس من سيرة مانديلا. والحقيقة أن المقاتلين السوريين من أجل الحرية، والذين يستلهمون كفاح مانديلا، هم، هم، ضحايا طغيان الأسد. وليس غريبا على من قتل، ويواصل قتل وجرح مئات الآلاف من أبناء وطنه، أن يلجأ لمثل هذه المتاجرة المفضوحة بسيرة الزعيم الأفريقي الراحل. ولكن المفارقة الأخرى هي موقف أوباما نفسه، الذي اختزل القضية السورية في سلاح كيميائي لا يعرفون بعد كيف يجهزون عليه، دون اعتبار للمكافحين السوريين من أجل الحرية وللدماء الغزيرة التي أريقت من أجلها؛ بل، وبدل ذلك، يشيدون بتعاون الأسد. والأمر نفسه يصدق على موقف اوباما من إيران، حيث اختزل التحدي الإيراني في اتفاق نووي quot; غير مثاليquot;، مرحلي، ومطاط، ومتعدد التفسيرات، ووضع خلفه الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في إيران وفق التقارير الدولية، وسلسلة الإعدامات بالجملة، والتي تزايدت مع مجيء روحاني، وقمع الأقليات الدينية والعرقية، والتدخل في شؤون دول المنطقة، ورعاية الإرهاب والطائفية. فهل كان أوباما يعني زعماء إيران بقولة صدقه؟ لا أعتقد، وهو الذي سكت عام 2009 عن انتفاضة الشعب الإيراني ودماء ندا سلطان والمئات من شهداء الحرية في تلك الانتفاضة.
مانديلا كان رجل تسامح وتجميع، ولكنه لم يكن ليقبل أن يتمسح باسمه طغاة يسوسون شعوبهم بالحديد والنار، ويعتدون على الجيران، ويسعون لصنع القنابل النووية. عفا عن ظالميه في بلده بعد أن برهن غالبيتهم هم أيضا على تغيير أنفسهم وسلوكهم. ولكن أي تغيير يرجى من زعماء يواصلون قمع شعوبهم وهدر الحريات وهوس ابتلاع الآخرين؟ أي تغيير يتوقع من زعماء كوريا الشمالية حتى ولو صافحهم اوباما مرة بعد مرة؟ وأي تغيير يتوقع من خامنئي ونظامه وفيلق قدسه وهم يشاركون في حرب الإبادة السورية ويضطهدون شعبهم ويواصلون النشاط النووي العسكري؟ لكل شيء حده، ولدبلوماسية المصافحات والمكالمات الهاتفية حدودها. إنها، كما ذكرت سابقا، لا تصنع المعجزات.