quot;أقسم بالله غير حانث إن ما فعله السيسي يفوق جرماً ما لو كان قد حمل معولاً وهدم الكعبة المشرَّفة حجراً حجراًquot; (محمد بديع)
كنت دائما أشك في مدى إخلاص قادة الإخوان المسلمين في إيمانهم، ومازلت في شكّي حتى سمعت بما قاله مرشدهم في مصر، حينها تيقنت بأن هناك كعبة ثانية يتوجهون إليها في صلاتهم، ألا وهي السلطة، فهم يسعون إليها بكل السبل إلى أن تسقط بين أيديهم، وعندها يتحللون من كل التزاماتهم، ويطوون صفحة اشتراكم بما يعتبرونه في الأصل إثماً، أو ضرورة تبيح المحظور، وأقصد اللعبة الديمقراطية. وكان دعاة من الإخوان وسلفيون من حلفائهم قد قالوا للناس بأن الدكتور محمد مرسي مُختار من الله، ولذلك فإن المرشد يشحن الناس باسم شرعية الرئيس، التي انجرحت بقرار الأغلبية من شعب مصر، الذين نزلوا إلى الشارع لنقض هذه الشرعية المزعومة، واستجابوا لطلب قائد الجيش، وهاهم قد منحوه التفويض الذي طلبه منهم، كي يضرب بقوة على من يعبثون بالأمن، ويشجّعون على قتل الجنود في سيناء. موقف الشعب في مواجهة الإخوان في جمعة السادس والعشرين من تموز، كان استفتاءً مبهراً، وترجمة لهزيمة حلّت بأكبر جماعة إسلامية، ومنبع التيارات المتطرفة التي ضربت استقرار البلدان العربية، في الجزائر وتونس وغزّة، وغيرها، فكل ما ابتلينا به من تشكيلات إرهابية، كانت حاضنتها جماعة الإخوان المسلمين.
حديث المرشد ومبالغته المؤسفة، جعلتني أتفق تماماً مع رأي الدكتور فتحي عبد الحميد مقلدي، عميد كلية الطب في جامعة قناة السويس، فهو يؤكد على إن فترة حكم الإخوان شهدت إخفاقاً في معظم المناحي الأساسية من حياة المصريين، وأولها الأمن والإقتصاد والسياسة الخارجية، وغيرها، لكنها أثبتت نجاحهم في أمرين، هما تقسيم البلاد إلى فسطاطين متقاتلين، وإلغاء فريضة التفكير والتعقل، التي نص عليها القرآن وأرشدت إليها السنّة النبوية quot; أفلا يعقلون، أفلا يتفكرون quot;، ويضيف بأن قيادة الإخوان نجحت في تنحية عقول أتباعها، وإلا فكيف لمهندس أن يلغي عقله وإحساسه ويلقي بطفل من فوق أحد المنازل بالإسكندرية، وكيف لكيميائي أن يخطط ويدبر لاختطاف إعلامية؟ (المصري اليوم 29-07-13). ولجرائم الإخوان قائمة طويلة فقد عذبوا ضابط شرطة متقاعد حتى الموت، ومازات تنتشل جثث من منطقتي رابعة العدوية والنهضة، عليها آثار تعذيب. إلغاء العقل لم يقتصر على الأتباع، المرشد نفسه فقد ميزان عقله، حين هانت عليه كعبة المسلمين، معتبراً إن هدمها حجراً حجراً ليس بأهمية بقاء مرسي في الحكم، ولعله يسير على خطى متطرفين سابقين كانوا قد دعوا لهدم الكعبة، لأن عقولهم الصدئة كانت قد الهمتهم بأن الطواف حولها والتبرك بلمس حجرها الأسود، بدعة تستجلب الكفر، وربما كان يعتبر السفّاح الحجاج بن يوسف الثقفي، مسلماً صالحاً لأنه قذف الكعبة بالمنجنيق، وقتل الثائر عبد الله بن الزبير، ومثّل بجثته، داخل الكعبة، لينتصر لسيده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. وفي هذا السياق أطلّ علينا الشيخ القرضاوي، وحرّم الخروج على السلطان، سلطان الإخوان المسلمين، حرّم على الناس أن يستجيبوا لدعوة قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح السيسي، وان يتمسكوا ب quot; شرعية quot; مرسي. وكان شيخ الأزهر قد عضّد دعوة الفريق واعتبرها وسيلة للتكاتف والوحدة بين المواطنين، لنبذ العنف والكراهية، ودعاهم إلى إنقاذ بلادهم مما يتربص بها من أخطار. إن من يستهين بأرضه وشعبه، طبيعي أن يتصاغر عنده شأن المقدسات، فقبل محمد بديع كان مرشد الجماعة السابق، محمد مهدي عاكف قد ضاق بحب الناس لوطنهم، وفقد حاسة الأدب، وقالها صراحةً: طز بمصر، وأبو مصر، واللي بمصر، وذلك في معرض إشادته بهويتة quot; الإسلاميةquot;، فهل الإسلام يتعارض مع الوطنية؟ أعتقد ذلك، ولكن فقط عند الإخوان ، والحركات التي توالدت من ماكنتهم.
اليوم تواجه مصر ظروفاً لم تعهدها من قبل، صحيح إن الإخوان عبر تاريخهم لم ينقطعوا عن التخطيط للإستيلاء على السلطة، وشكلوا خطراً متواصلاً على وعي الناس، والطابع المدني النسبي للدولة، لكنهم اليوم أكثر خطراً بعد أن ذاقوا طعم الحكم، وسالت أموال قطر في أيديهم، وتضخمت رؤوس أموالهم في الخارج، لن يستسلموا بسهولة، وهاهي الأخبار تقول إن المرشد يدعو لتشكيل جيش مصر الحر، ربما على غرار التجربة السورية، وفي المقابل هناك توقعات بأن مجلس الدفاع الوطني يدرس احتمالات فضّ اعتصامات الإخوان في رابعة العدوية والنهضة. الضحايا إلى مزيد ونذر الإحتراب الداخلي ماثلة، فما العمل؟
لا أظن إن الإحتكام إلى قوة الشارع سيبقى حاسماً على الدوام، لقد كان صائباً، في حينه، ومر استفتاء الجمعة بخسائر محدودة، ولم يتحقق ما رشح من توقعات بأن يهاجم الإخوان مؤسسات حيوية في البلاد، كانت يقظة الجيش والشرطة على أشدّها، وتمت حماية المواطنين المرابطين في ميدان التحرير بنجاح، ولكن هذا لا يمكن أن يستمر طويلاً، لابد من الإستناد إلى قوة الحكومة، وانصراف الناس إلى أعمالهم، فاستمرار المظاهرات بجانبيها المؤيد للجيش والمعارض له، من شأنه تعطيل مصالح المواطنين، وتراجع الإقتصاد وحركة السياحة. وإذا ما توجهت النيّة فعلاً إلى فضّ اعتصامات الإخوان، وبطريقة لا يتدخل فيها الجيش، وإنما باستخدام قوات خاصة، واستناداً إلى أوامر قضائية، تستند لشكاوى المواطنين في المناطق المعنية، فإنه من الحكمة أن يعود الناس إلى بيوتهم، وتنفضّ حشود ميدان التحرير، وميادين أخرى، كي لا يكون المواطنون أهدافاً سهلة لقناصّة الإخوان، ولكي ينصرف الجيش والشرطة لحماية مؤسسات الدولة، ومرافقها الأساسية، وحدود الوطن. بعض الأحاديث والمقالات أشارت إلى أن ما تتعرض له مصر من تطاول خارجي، يشبه ما حصل في العام 1956 أثناء العدوان الثلاثي، ففي اسطنبول تنادت قيادات التنظيم العالمي للإخوان وتدارست سبل إعادة الدكتور مرسي إلى الحكم، الولايات المتحدة وبريطانيا تعيدان النظر في اتفاقات على بيع أسلحة لمصر، فضلاً عما يخططه الشيخ القرضاوي في قطر. إن التحدي الذي يواجه قيادة الجيش، ومعظم المواطنين الرافضين لعقلية الإخوان وأسلوب حكمهم، لا يستهان به، وقد يكون من المفيد معنوياً إيقاظ الروح من جديد في معاني ثورة الثالث والعشرين من يوليو- تموز في العام 1952، كما أوحت بذلك برامج القناة الفضائية الرسمية، فالفائدة تكمن في رمزية الحدث، ما تعنيه ذكرى الرئيس الراحل عبد الناصر بالنسبة للإخوان، فهو الذي قطع دابرهم، بعد أن لم ينجح في جهوده لاستيعابهم في كل ما عرض عليهم من مناصب. قيادة الجيش بعد تنحي مبارك، حاولت معهم أيضاً ولم تفلح، فلا يمكن أن يتعايش الإخوان مع جيش قوي، وهو ما يفسر تدهور الأوضاع في سيناء بعد توليهم الحكم. وفي اعتقادي إن استعادة أجواء ثورة يوليو، ينبغي ان تكون من خلال المكاسب الإجتماعية التي تحققت لطبقات الشعب الفقيرة، التي أجهز عليها نظام الرئيس الراحل السادات، وهو من فتح الباب لأنتشار الإسلام السياسي، كوسيلة لتخدير الناس وهضم فقرهم وتعاستهم. الشعب المصري لا يعنيه من ثورة يوليو ما أفضت إليه بعد سنوات، من ديكتاتورية ناصر، و تضخم أجهزة الأمن وتحولها إلى وسيلة ظغط على الحريات، ولا تعنيه قرارات حلّ الأحزاب، وتبني فكرة الحزب الواحد. الفريق عبد الفتاح السيسي، لا يبدو قريباً من شخصية ناصر، فزمانه غير زمن الشعارات والإنبهار بالزعامة وحدها، هو بحق يحسن الخطاب، فعندما طلب من المواطنين أن ينزلوا للشارع، قال لهم، أريد أن تظهروا للعالم أنكم أصحاب فكر وإرادة، ناشدهم بمنحه تفويضاً لمواجهة إرهاب الإخوان، ولم يملِ عليهم قرارات، كما لا تبدو عليه علامات الزهو الشخصي التي رافقت خطابات عبد الناصر.
أخيراً أختم هذا المقال بخبر طريف وواقعي، نشرته جريد الأهرام في 29-07-13، ومفاده التالي: لوحظت حالة هياج لدى الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوانات، فقد سلّط معتصموا النهضة في منطقة الجيزة، كشّافات شديدة الإضاءة على طول سور الحديقة، ما سبب الذعر لدى الأسود، وعدم الراحة لدى اللبوات الحوامل والمرضعات، سبحان الله، حتى هذه المخلوقات الحبيسة في الأقفاص لم تسلم من أذى الإخوان!!!