لم يعد خافيا ان رياح التغيير التي بدأت بما تعارف على تسميته بالربيع العربي المزعوم اصبحت عواصف عاتية تقتلع البقية الباقية من الخارطة التي رسمتها معاهدة سايكس – بيكو المعروفة قبل قرابة قرن من الزمان والتي وصفها الحاكم الامريكي السابق للعراق السيد بول بريمر بأنها لم تعد مجدية وانه لابد من رسم خارطة جديدة للمائة عام المقبلة دون ان يذكر فيما اذا كانت الحدود الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار إرادة شعوب المنطقة ومصالحها الحيوية التي تجاهلتها سايكس – بيكو كليا او سيقوم رسامو الخرائط في مراكز القرار العالمية بتطوير بنود هذه المعاهدة من حيث تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ اكثر فأكثر لتبقى الكيانات الهشة الضعيفة الجديدة بحاجة دائمة ماسة لحماية وخدمات الاخ الاكبر!

كل المعطيات على الارض تشير الى ان المنطقة مقبلة على التغيير وهذا التغيير لن يتوقف في الحدود و الاطر الحالية له و انما سيطال الجميع بما فيها القوى الاقليمية النافذة التي تعتقد انها محصنة بما فيه الكفاية لمواجهة رياح التغيير والنائمة حاليا على زبد الوعود التي يداف لها في عسل كلام الاخ الاكبر وهذا يعني ان العاصفة ستجتاح عاجلا ام اجلا كل من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وربما زجها مجتمعة في حرب مذهبية طائفية طاحنة تبدو ملامحها من الصراع القائم حاليا في سوريا والعراق واليمن والذي تسبب في كل المعاناة والماسي التي تعيشها شعوب البلدان الثلاثة اذ كيف يعقل ان تعجز هذه القوى الاقليمية من انهاء مجموعة من العصابات الارهابية التي تعيث فسادا و ارهابا في الارض وتضطر الى استدعاء تحالف دولي ضخم للتصدي لهذه الشرذمة التي تحولت بقدرة قادر الى جيش لجب مدجج بالأسلحة الفتاكة والمتطورة سواء من مخازن الرقة السورية او مما تركه لها الجيش العراقي في مدينة الموصل!

التغيير قادم لا محالة خاصة مع كل المآسي والمعاناة والضحايا والأزمات الاقليمية التي خلفتها سايكس- بيكو والفشل اخيرا في ضمان مصالح المتعاقدين والسؤال هو: هل ستقف شعوب المنطقة مكتوفة الايدي متفرجة على الاخراج الجديد، مستسلمة لمصيرها الذي يحدده رسام الاخ الاكبر للقرن المقبل؟ أم انها ستختار الطريق الصعب وهو طريق المشاركة والمساهمة في رسم الخارطة القادمة بما يتفق ومصالحها القومية وحقوقها المشروعة في الحرية والعيش بكرامة وبما يضمن السلام والأمن الاقليميين وعلاقات متوازنة مع بعضها البعض ومع العالم الخارجي وإنهاء عقلية وفكر ومرحلة فرض الوحدة الوطنية القسرية حسب خارطة سايكس-بيكو بالنار والحديد والقمع الذي وصل مرارا الى مرتبة جرائم الحرب ضد الانسانية سواء تجاه القوميات و الاقليات العرقية او الطوائف الدينية والمذهبية هذه الوحدة المزعومة التي نشاهد انهيارها المدوي في خضم الاحداث التي تعيشها المنطقة والتي لم تكن في يوم من الايام وحدة&اختيارية قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات واحترام خصوصية المكونات ولذا كانت من الهشاشة بحيث انها سقطت في اول تجربة لها.

امام شعوب المنطقة تغيرات جذرية شاملة فإما ان تدافع عن حقوقها ومصالحها ومستقبل اجيالها القادمة وتساهم في رسم الخارطة المقبلة للمنطقة بروح التسامح والتعاون وتجاوز الخلافات و اما عليها ان تقبل بالخارطة الجديدة للمائة عام المقبلة كما يقول السيد بول بريمر ولا عزاء للخاسرين!

[email protected]