تمر علينا بعد أيام وبالتحديد في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الحسين، وتتلخص الأسباب الظاهرية لمقتل الامام الحسين في مدينة كربلاء بجملة واحدة، هي انه رفض مبايعة يزيد بن معاوية لأنه لم يكن مؤهلا لقيادة الأمة.

وقد صرح الامام عليه السلام بهذه الاسباب عندما جاءه والي المدينة المنورة الوليد بن عتبة وطلب منه مبايعة يزيد فقال: "أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله".

الانسان يميل الى الاستبداد والاستئثار والاستعلاء خاصة عندما يشعر بأنه قوي، وهذه الحقيقة يؤكدها ربنا عزوجل عندما يقول في كتابه الكريم: "ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى" فتبعات هذا الميول ستكون مدمرة على صعيده الشخصي عندما يكون انسانا عاديا، بينما ستكون مساحة الدمار أوسع عندما يكون هذا الانسان الطاغي مسؤولا.

وبما أنه يصعب ضمان بقاء العدالة في الانسان المسؤول لذلك اكتشف العقل البشري المعاصر كوابح لمثل هؤلاء الناس عندما يصلون الى سدة الحكم، من بين هذه الكوابح الدستور، وأيضا حرية الاعلام وكذلك التعددية الحزبية، وليس هذا وحسب بل دُعمت هذه الكوابح بمؤسسات رقابية وتنفيذية تتمتع بصلاحيات حقيقية.

واذا نفذت الحكومات هذه الكوابح بشكل حقيقي وليس صوري وسمحت للجان والمؤسسات الرقابية باستخدام صلاحياتها حتى لو كانت ضدها عندها ستختفي الأخطاء والثغرات والفساد في المجتمعات.

أغلب الدول الغربية تجاوزت محنة فساد المسؤولين في بلدانها عبر ادراج منظومة كاملة من القوانين والتشريعات في الدستور تؤدي احدى نتائجها الى تداول السلطة، بينما أغلب مجتمعاتنا الاسلامية لا تزال تعاني من هذه العقدة على الرغم من اننا نؤمن أكثر من غيرنا ان رب العالمين توعد الفاسدين بنار مهولة، وخسران في الدنيا والآخرة، ومع ذلك فهناك من المسؤولين في الدول الاسلامية من يوغل في الفساد وكأنه غير معني بخطاب رب العالمين.

المشكلة هي أن أغلب الحكومات الاسلامية تحيط نفسها بهالة قدسية لا يستطيع أحد الاقتراب منها،&فلا نعاني من التشريعات الجميلة ولا من دستور يصلح لبناء مجتمع يتمتع بكل ما هو فاضل ولكن كل القوانين تتجمد وتتبخر عندما تصطدم بقلعة المسؤول، وهناك حكومات تعتقد ان كل ما تقوم به صح لذلك لا حاجة لوجود صحافة حرة لأنها لن تجد أخطاء لتنتقدها وتفضحها وبالتالي تفضح المسؤولين عنها، وكذلك لا حاجة لوجود الاحزاب المعارضة لأنها تثير الفوضى والاخلال بالأمن ولا هم لها سوى الوصول للسلطة، وبالتالي لا حاجة الى تداول السلطة لأن المجتمع لن يجد أفضل منها.

الامام الحسين كسر هذه الهالة المقدسة المصطنعة عندما رفض البيعة ليزيد وبذلك رسم نهجا جديدا في العالم الاسلامي ومنح شرعية مطلقة للمعارضة التي تنتفض ضد الفساد والطغيان.

ووفقا للنظرية الشيعية للحكم التي لا تمنح الشرعية لأي حكم وحاكم مع وجود الامام المعصوم، فان التاريخ ينقل لنا ان اشخاصا اعترضوا على حكم الامام علي بل تلفظوا بألفاظ سيئة ضده ورغم ذلك فانه رفض معاقبتهم، بينما تصدى بقوة وحزم للمعارضة المسلحة، مما يؤسس لقاعدة سياسية في غاية الأهمية وهي ان المعارضة ضد الحكم مشروعة ما لم تحمل السلاح.

تتصور بعض الحكومات ان وجود المعارضة ينهي سلطتها ولذلك فانها تسعى الى القضاء على المعارضة بأي شكل من الاشكال، غير أنه ليس بالضرورة وجود المعارضة سينهي السلطة بل ربما اقتنع الشعب بعدالة ونزاهة وادارة شخص ما فينتخبه عدة مرات، كما ان الاستبداد سيؤدي يوما الى الانفجار وتنتهي حياة الحكومة بشكل مأساوي.

من هنا فان الامام الحسين وضع الأسس الأولى لمبدأ حضاري في الحكم وهو حرية الاعتراض، ومع أننا لا نريد اختصار دوره في هذا المجال بل نعتقد ان دوره أعظم بكثير من ذلك، ولكن لو أخذت البلدان الاسلامية هذا الجانب من دوره لتجاوزت الكثير من المشاكل.

هناك من يعيب على الشيعة انهم لا يجيدون سوى اللطم والبكاء والنحيب على الامام الحسين والحقيقة ان اقامة العزاء تظاهرة سلمية احتجاجا على مقتله وفي نفس الوقت دعوة الى تشريع عملية الاعتراض على الفساد والاخطاء السائدة في البلاد، مما يعني أن دعوة الامام الحسين الى عملية الاصلاح والتغيير لا تقتصر على الشيعة وحسب وانما كل البلدان والمجتمعات بحاجة ماسة اليها لكي تزول كل الأخطاء والثغرات والمشاكل عنها.

&