تهاوت اسعار النفط مؤخرا بنسبة 40% منذ حزيران المنصرم وسّبب هذا الانهيار صدمة كبيرة في الاسواق العالمية. ولكنها ليست المرة الأولى تشهد الأسواق انخفاضات كبيرة ومؤلمة حيث في عام 2008 ونتيجة لتراجع الطلب العالمي للنفط انخفضت الأسعار من 133 دولار الى 40 دولار وأقل. ولم نسمع في ذلك الوقت عن مؤامرات سياسية ضد هذه الدولة او تلك.
الفرق في هذه المرحلة أن ايران تضع اللوم على الغرب ودول اوبك المجاورة. فعندما هبطت الأسعار الى أقل من 82 دولارا لكل برميل في شهر اكتوبر قال محمد باقر نوبخت، المتحدث باسم حكومة حسن روحاني، «يحاولون ان يضغطوا علينا، وللأسف بعض دول المنطقة التي تعتبر نفسها إسلامية تتعاون مع الأعداء لتخفيض سعر النفط. وسببت الديكتاتورية العالمية بانخفاض إنتاج إيران من النفط من 4 ملايين برميل إلى مليون برميل يومياً فقط».

الموقف الايراني:
ايران تعتقد انها حرب نفطية تهدف لضرب اقتصاد روسيا وايران ولكنها لم تقدم اي ادلة قاطعة تؤكد ذلك.
مشكلة ايران الأساسية انها تخضع لعقوبات اقتصادية قاسية فرضتها الدول الغربية وليس العربية وهذه العقوبات عرقلت برامج تطوير البنية التحتية لمنشآت إنتاج النفط الهادفة لزيادة إنتاج وتصدير النفط، ونظراً للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران وعدم قدرتها على تصدير كميات اضافية من النفط سيزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية وستضطر الحكومة الإيرانية على اتخاذ خطوات غير عادية مثل رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية والتي ستضر الفقراء وقد تخلق حالة من الاستياء الشعبي والاحتجاجات.
ويعتقد المراقبون ان استمرار هبوط أسعار النفط قد يجبر ايران على قبول شروط رفضتها سابقا بما يتعلق بملفها النووي.
وبينما تتهاوى أسعار النفط إلى أدنى المستويات منذ عام 2008 الى ما يقارب 60 دولارا للبرميل، بعدما أكدت منظمة «أوبك» تصميمها على عدم خفض الإنتاج رغم تخمة المعروض في العالم هناك اعتقاد انها حرب اقتصادية ضد المحور الايراني الروسي. ولكن الضرر سيعصف بميزانيات معظم الدول المنتجة أيضا. وحسب تقارير نشرها دويتش بانك وادارة معلومات الطاقة الأميركية فان أدنى سعر تحتاجه روسيا لميزانيتها لا يقل عن 100 دولار للبرميل وتنتج حاليا 10.4 مليون برميل يوميا، اما العراق تحتاج الى 101 دولار وتنتج 3 ملايين برميل يوميا. ولكن فنزويلا تحتاج الى سعر لا يقل عن 118 دولار وانتاج يومي بحدود 2.5 مليون برميل يوميا. وأدنى سعر تحتاجه ايران 100 دولار للبرميل وتنتج 3.5 مليون برميل يوميا.
وفي الحالة الايرانية من الواضح عن هناك عجز يبلغ 30 دولار للبرميل اي 100 مليون دولار يوميا.

الأسباب الحقيقية لهبوط الأسعار:
أي مراقب للأسعار يندهش من هذا الانخفاض علما ان الأسعار ترتفع اثناء تواجد الأزمات وانقطاع الانتاج. العراق وليبيا لا تنتجا الكميات المطلوبة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
ورغم ذلك تواصل الأسعار هبوطها دون هوادة وحتى هذه اللحظة يبدو أن اكبر المتضررين هما ايران وروسيا والولايات المتحدة ذاتها ولاسباب مختلفة.
والاسباب الحقيقية لهبوط اسعار النفط ليس مؤامرة ضد ايران بل هي عناصر اساسية ثلاثة:
الطلب العالمي ضعيف ويتقلص كنتيجة لتراجع وانكماش في الاقتصادات القوية في آسيا لا سيما الصين وفي اوروبا لا سيما ألمانيا.
تواجد كميات كبيرة في السوق مع زيادة المخزون الاستراتيجي . أضف الى ذلك الكميات الاضافية التي تدخل السوق من مصادر خارج نطاق اوبك مثل كندا والولايات المتحدة التي تنتج النفط من الصخور والرمال الزيتية. هذه العناصر أدّت الى تراجع في الأسعار بالرغم من العوامل الجيوسياسية التي تعصف بالشرق الأوسط.

التأثير على الاقتصاد الايراني:
ما يهمني هنا هو وقع انهيار الأسعار على الاقتصاد الايراني والتوابع السياسية لهذا الانهيار.
الاقتصاد الايراني ليس بأحسن احواله بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
معدل التضخم المالي (نسبة ارتفاع الأسعار) يزيد عن 40% ناهيك عن انهيار قيمة العملة الايرانية.
ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 30% في بداية هذا الشهر.
الايرانيون يلومون دول اوبك المجاورة لرفضها تخفيض الانتاج النفطي وتتهم هذه الدول بمحاولة اغراق السوق بالنفط لتحقيق اهداف سياسية وكذلك يلومون الغرب البلطجي المعادي لايران. الموقف الايراني بشكل عام حسب تقرير في صحيفة الصندي تايمز مؤخرا ان هناك خطة مقصودة لاضعاف ايران يحبكها الغرب مع اطراف اقليمية.
من الصعب الفصل بين المشهد السياسي الاقليمي والاقتصادي النفطي. التجاذبات والنزاعات والمنافسات تنعكس سلبا على المنطقة والاستقرار ومن ثم على التنسيق بين دول اوبك لايجاد حل للأزمة.

التأثير على االمنتجين بشكل عام:
مما لاشك فيه ان انهيار الاسعار هو سلاح ذو حدين وسوف لا يفيد الغرب على المدى الطويل حيث ستعاني الشركات المنتجة خسائر كبيرة لاسيما تلك الشركات ذات التكلفة الانتاجية الباهظة في مناطق صعبة جغرافيا مثل الاسكا وبحر الشمال وبعض المناطق الروسية حيث تكلفة الانتاج تزيد عن 40 – 50 دولار للبرميل لذا أي هبوط في الأسعار الى ما دون 50 دولار للبرميل سيؤدي الى افلاس هذه الشركات. وكذلك شركات انتاج النفط من الصخور الزيتية ستعاني خسائر فادحة نظر للتكلفة الباهظة لانتاج النفط والغاز بهذه الوسائل الغير تقليدية.


هل ستضطر ايران لتعديل مواقفها؟
كما ذكرت اعلاه ايران ستعاني بشك حاد نظرا لخضوعها لعقوبات اقتصادية صارمة متعلقة ببرنامجها النووي ومما زاد مشاكل ايران الاقتصادية استفحالا وتفاقما هو التزامها في الدفاع عن النظام السوري حيث تشير مصادر ايرانية ان ايران انفقت 7 مليارات دولار لدعم نظام بشار الأسد واضافة لذلك هناك التزامات أخرى كدعم ميليشيات حزب الله التي تقاتل في سوريا ايضا لحماية نظام الاسد اضافة للانفاق الكبير في الساحة العراقية وفي اليمن. وحسب ارقام ايرانية رسمية قدمت ايران تسهيلات مالية للنظام السوري بقيمة 2.25 مليار دولار.
الانفاق العسكري في ايراني ازداد بنسبة 50% على الحرس الثوري الايراني وخصصت الحكومة مبلغ 4 مليار دولار للانفاق خلال عام 2015.
الميزانية الايرانية لعامي 2014 – 2015 تستند على سعر نفطي بحدود 100 دولار للبرميل. وهبطت الاسعار الآن الى 60 دولار واقل سيؤدي ذلك الى الى تدمير كل حسابات الدولة حسب غلامرضا تاجكردون رئيس الهيئة البرلمانية لشؤون الميزانية.
اذا تم اخذ كل هذه المعطيات في الحسبان ستبقى هناك عدة اسئلة متعلقة بحاجة الى جواب ولا تزال موضع تكهنات:
هل ستساوم ايران في ملفها النووي وتقدم تنازلات كافية لكي تتخلص من كابوس العقوبات الاقتصادية التي ادت الى زيادة نسب الفقر والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة في ايران؟
هل ستتخلى ايران عن بشار الأسد وتتوقف عن ضخ مئات الملايين من الدولارات شهريا لكي يبقى بشار الأسد في السلطة؟
هل ستكبح ايران جماح طموحاتها الاقليمية؟
اسئلة تنتظر اجابات في الاسابيع والشهور المقبلة. ولكن هناك اجماع من قبل الخبراء ان العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران وانهيار أسعار النفط ستؤدي الى تآكل مقدرة ايران على تمويل مشاريعها الايديولوجية والسياسية.


&
&