التقى الرئيس أوباما مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في رانشو ميراج، كاليفورنيا منتصف شهر فبراير الجاري، وقبل عام من قمتهما السابقة، لقي عشرات الآلاف من السوريين مصرعهم وتشرد مئات الآلاف وتم تسجيل ما يربو عن 400,000 لاجئ مسجل في الأردن ليصل بذلك إجمالي عدد النازحين عبر الحدود الشمالية إلى ما يقرب من مليون شخص.
رغم الزيادة السكانية في المملكة الأردنية التي بلغت 16 في المئة، إلا أنه من المفارقة أن الأردن هو الآن أكثر استقراراً من الفترة التي تقابلا فيها الزعيمان في آذار/مارس 2013. قبل عام، بدا الوضع قاتماً في الأردن. فقد عانت المملكة عجزاً في الميزانية قدره 30 في المئة فضلاً عن تخفيضها الدعم للمواد الغذائية والطاقة لتلبية متطلبات قرض quot;صندوق النقد الدوليquot;، وتقييدها الحريات على الإنترنت، وشهدت الأردن مظاهرات حاشدة تحت ضغط مطالب شعبية واقتصادية.
وفي الوقت الذي أصاب الضمور المعارضة السياسية، تحسن الاقتصاد بشكل طفيف، على الأقل على مستوى الاقتصاد الكلي. فقد ساعد قرض quot;صندوق النقد الدوليquot; بمبلغ 2 مليار دولار وضمان قرض أمريكي بمبلغ 1,25 مليار دولار على هذا التحسن. وفي حين لا يزال الأردن يواجه مشاكل خطيرة من التضخم وخفض الدعم والبطالة والفساد، أشار بيان لـ quot;صندوق النقد الدوليquot; إلى أن quot;التعافي الاقتصادي في الأردن يكتسب زخماً يوماً بعد يوم.quot; كما اتخذت الحكومة أيضاً خطوات لإعطاء انطباع على الأقل بأنها تحارب الفساد. ففي حزيران/يونيو الماضي أعلن رئيس الوزراء عبد الله النسور عن استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفساد. وهذه التطورات - بالإضافة إلى المخاوف المنتشرة على نطاق واسع بين السكان من حالة عدم الاستقرار في سوريا ومصر - أقنعت الشارع الأردني بالرضوخ والانصياع في الوقت الحاضر، الأمر الذي مكّن عمَّان من النجاة من ثورات quot;الربيع العربيquot;، على الأقل، حتى الآن.
لا تزال تعاني المملكة من بعض الصعوبات، فالأردنيون يواصلون شكاواهم بمرارة من الفساد المستشري الذي من الممكن أن يمثل مرة أخرى سبباً مركزياً للاحتجاجات. ففي الشهر الماضي، طالب خمسة عشر عضواً من البرلمان بانعقاد المجلس التشريعي لمناقشة السبب وراء تخفيض quot;منظمة الشفافية الدوليةquot; لمركز الأردن في quot;مؤشر مدركات الفسادquot; لعام 2013 من الثامن والخمسين إلى السادس والستين من أصل 177 دولة شملتها قائمة quot;المؤشرquot;
تحدي الوطن البديل الذي يتم الترويج له إسرائيلياً ويثير مخاوف القوميين الأردنيين من زيادة نسبة الفلسطينيين في الأردن، فضلاً عن نسبة السوريين المرتفعة في البلاد، يجعل من الأردن مهجوساً بالخوف من أي تسوية للقضية الفلسطينية على حساب جغرافيته وهويته الوطنية، وعلى الرغم من تأكيدات القيادات الفلسطينية والحكومات الأردنية المتتالية أن أي اتفاق يتعلق بالسلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لن يكون على حساب الأردن، إلا أن حساسية الموضوع يجعل من أي إشارة للوطن البديل في أدبيات الاحتلال الإسرائيلي مثيراً للمخاوف.
الجانب المالي قد يثير مخاوف الأردن من تدفق المال على الأردن مقابل قبوله بأي تسويات فلسطينية- إسرائيلية، ففي أعقاب اجتماع القمة أعلن الرئيس أوباما أنه سيسعى إلى الحصول على مليار دولار إضافية في شكل ضمانات قروض لمساعدة المملكة على الصمود. كما ذكر أنه سيبذل جهوداً لتجديد التعهد الأمريكي بتقديم ما يزيد عن 600 مليون دولار سنوياً كمساعدات اقتصادية وعسكرية. وعند جمع هذا المبلغ المخصص والتمويل التكميلي السنوي التقليدي وتكلفة ضمانات القروض، سيصل التمويل الأمريكي الإجمالي للمملكة في 2013 - 2014 ما يقرب من 2 مليار دولار أو نحو 300 دولار لكل أردني - أي زيادة قدرها 3 في المئة في نصيب الفرد من quot;إجمالي الناتج المحليquot; سنوياً. بمعنى آخر، يمثل المليار دولار المقدم سنوياً من واشنطن ما يزيد عن 10 في المئة من ميزانية المملكة لعام 2013.
قد يكون لدى الأردن مخاوف حقيقية من التسويات الجارية في المنطقة وانعكاسها عليه، لكن القبول الرسمي لأي هبات مالية للميزانية الحكومية تجعل من استسهال هذا القبول الهاجس الحقيقي أمام تمرير أي اتفاق يتعلق بديمغرافية البلاد التي يشكل الفلسطينيون أكثر من 60 بالمئة من سكانه، فضلاً عن نسبة متزايدة من السوريين الذين لجؤوا الى المملكة، فالحل إذن في مقاومة سيلان اللعاب لقبول الهبات والعطايا السخية قبل مهاجمة الآخرين بحجة محاولة فرض الوطن البديل على أجندة الأردن.

هشام منوّر.. كاتب وباحث