بوتين يواصل تهديد وحدة أوكرانيا من خلال عملائه بين الناطقين بالروسية، ومن رجال مخابرات متسللين من روسيا نفسها. أكثر من مدينة في الشرق الأوكراني يحتل إداراتها الحكومية عملاء بوتين، داعين للانفصال وإلى التدخل العسكري الروسي. يعتدون ويحرقون، ويخطفون العشرات داخل المباني. وهذا في نظر بوتين ليس إرهاب عصابات متطرفة، بل ممارسات ديمقراطية. وبوتين يعقد اتفاقية مع إيران بعشرين مليارا لتزويدها بالسلاح مقابل النفط، في انتهاك للعقوبات المفروضة على النظام الإيراني. وفي هذا الوقت نفسه، تتسارع عملية المفاوضات النووية للتوصل لاتفاق نهائي مع إيران، مع حديث أميركي عن quot; صدقية إيرانquot;، بينما ينبري كيري من جانبه، ليصرح بأن إيران [لو] استأنفت التخصيب، لاستطاعت [خلال شهرين] ان تكون لها قدرة سلاح نووي. وكيري ينسى أن الاتفاق النووي المؤقت، وعكس التصريحات الأميركية في حينه، يجيز التخصيب بنسبة 5 بالمائة لإيران. وأكثر من هذا، يجب التذكير، مرة ومرة، بتصريحات الدكتور البرادعي نفسه، قبل انتهاء مهماته في الوكالة الدولية، بأن ما لدى إيران من يورانيوم مخصب بنسبة واطئة يجعلها قادرة على صنع قنبلة من طراز قنبلة هيروشيما. كان تصريحه قبل ست أو خمس سنوات على صفحات جريدة quot; الشرق الأوسطquot;. وسبق أن أشرنا لهذه التصريحات في مقالات سابقة، وأكثر من مرة ومرة. وبعد عام من ذلك، نشرت التايمز، والمعلومات المتسربة من الاستخبارات الفرنسية أن لإيران قدرات صنع أكثر من قنبلة واحدة. ومنذ ذلك الوقت تراكمت كميات المخصب الإيراني عشرات المرات، سواء بالنسبة الواطئة او بنسبة 20 بالمائة وأعلى. وتقارير الوكالة نفسها ظلت تتحدث عن الطابع غير السلمي للمشروع الإيراني. إن هذه الكميات المتراكمة كلها لا تزال بحوزة إيران، ولم تسلم للوكالة ومجلس الأمن كما كانا يشترطان فيما مضى. وها هو خامنئي يصرح للتو بأن إيران لن تتنازل عن أي من أنشطتها النووية، أي بما في ذلك نشاط منشأة آراك العاملة بالماء الثقيل. هذا عن النووي. أما عن سحق حقوق الإنسان الإيراني وعن التدخل في الحرب السورية وكافة شؤون المنطقة، فالوقائع صارخة ولا تحتاج لتكرار سردها. وكيف يمكن لروسيا أن تقبل باتفاق نووي نهائي مع إيران لا يخدم الطرفين! ولكنها السياسة الأميركية أولا، التي تركض لاهثة لإبرام الاتفاق كيفما كان، فاصلة بين النووي وبين حقوق الإنسان وتخريب المنطقة. وقد أصاب زهير قصباني في مقاله بquot;الحياةquot;، حين كتب أنه quot;لدى [القيصر] و[المرشد]، فإن quot;القوة الأميركية [الناعمة[ نائمة.quot;
في هذا الوقت، تستمر كوريا الشمالية في استعراض عضلاتها التهديدية، بينما تتقدم الإدارة الأميركية بعرض حوار معها. والدماء السورية لا تزال تنزف بمشاركة روسية وإيرانية وعراقية وقاعدية، وملايين المهاجرين في أتعس الحالات. وطالبان تزيد من ضرباتها في باكستان وأفغانستان، فيما ستنسحب القوات الأميركية والحليفة، وعودة طالبان لأفغانستان غير مستبعدة. و ها هو العراق، بعد أحد عشر عاما من سقوط النظام البعثي، يسير نحو الهاوية بسرعة، ما بين نهب الاموال والطائفية وقمع الحريات والمجازر المتكررة والخطر القاعدي. والمالكي يستعد لولايته الثالثة بدعم إيراني ومباركة أميركية.
باختصار، إن مجمل الأوضاع والعلاقات الدولية يشير إلى تخلخل وتصدع كبيرين لإرادة الحزم الدولية لمواجهة العدوان والطغيان. مجلس الأمن مشلول بالغطرسة الروسية، والاتحاد الأوربي غائص في أزماته وخلافاته، ومواقفه مرتبطة بالسياسة الأميركية المتراجعة والاسترضائية، والتي- على حد وصف ماكين-quot; تتحدث بحزم شديد، لكنها تمسك بعصا صغيرة جدا... بل بغصن شجرة صغيرةquot;... والسؤال لو أن أوباما كان قد نفذ وعده بالضربة quot; المحدودةquot; لنظام الأسد، هل كان ذلك لن يأخذه بوتين وإيران بالحساب والجدية قبل مواصلة سياساتهما العدوانية والمغامرة؟؟ ولو دعم الثورة المصرية، بدل دعم الإخوان، هل كانت مصر، الحليفة السابقة، تتجه لروسيا العدوان والطغيان، والتي نرى دولا عربية أخرى تحج إليها بسبب قلة ثقتها بوفاء الولايات المتحدة لالتزاماتها السابقة في الدفاع عنها؟؟
إنه الوقت quot; المناسبquot; لجميع الطغاة والمعتدين، وبثمن الدماء والدموع، والدمار، وتهجير وتشريد الملايين، وتفكيك الدول، وسحق القانون الدولي واللائحة الدولية لحقوق الإنسان.