لم استغرب من بيان السيد نوري المالكي رئيس حكومة تصريف الاعمال عندما اكد اصراره على الترشح لولاية ثالثة، ويبدو انه القى باخر ورقة له وهو الاصرار على تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة بحجة الاستحقاق الانتخابي، والمشهد السائر للواقع العراقي المتأزم منذ السنة الاولى لتسلمه كرسي الحكم لثمان سنوات متلاحقة لم يشهد تقدما ولا سلاما، وهو الذي لم يتمكن من تحقيق شيء يذكر للعراق ولا لشعبه بل زاده تراجعا في اغلب مفاصل الحياة الاقتصادية والخدمية والحياتية والمعيشية، والحق به فشلا ذريعا في جميع جوانب الملفات الأمنية وفي جميع المجالات العسكرية، وتسبب بسقوط العملية السياسية برمتها لادارة دفة دولة العراق المشلولة.
وانهيار الجيش العراقي في الموصل وصلاح الدين وبعض المناطق القريبة من بغداد، وسقوط ربع مساحة العراق بيد ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية والمجموعات المسلحة للقوى السنية المعارضة، نتيجة متوقعة لانهيارات متلاحقة لفشل سياسة المالكي التي اتبعها بانفرادية ومكابرة عنيدة وطائفية مقيتة من خلال محاربة الاطراف الممثلة للعرب السنة بكل قوة ومجابهة الطرف الكردستاني الممثل للكرد بالتعنت والتزمت بعيدا عن العقلانية والاحساس الوطني لقيادة وادارة الدولة العراقية، وبعيدا عن الحضور الوطني الكبير لحكمة والرؤية السياسية للرئيس جلال طالباني الذي كان قادرا على لم شمل العراقيين بكل قومياتهم ومذاهبهم وطوائفهم واديانهم.
ولو تمعنا في موقف السيد المالكي واصراره العنيد، نجده اليوم يرتكب اكبر ثاني خطأ استراتيجي في التاريخ الحديث للعراق، بعد الخطأ الاستراتيجي الأول الكبير الذي ارتكبه الرئيس المعدوم صدام حسين عند غزوه للكويت الجارة وتعنته غير العقلاني بعدم الانسحاب منها قبل بدء هجوم التحالف الدولي، والمالكي بموقفه الجديد المتسم بالعناد غير المبرر وغير العقلاني يوقع نفسه بنفس الثقب الاسود الذي وقع فيه صدام، والثقب تكمن فيه ارادة شيطانية رهيبة لالحاق اكبر ضرر بالعراقيين وتدمير البنية التحتية الشاملة لبنيان الدولة العراقية كما حصل في سنة 1991 بسبب الغزو العراقي للكويت واندلاع الانتفاضة الوطنية الشعبية، ولكن صدام تمكن من اعادة بناء الدولة المنهارة في وقتها، ولكن في هذه المرة هيهات هيهات ان يقدر المالكي على اعادة بناء الدولة مرة اخرى كما فعل صدام لانه لم يبرهن حتى الان انه رجل دولة.
وبعيدا عن اتهام المالكي بانه السبب الاول والمباشر للمسار العراقي السائر نحو الانهيار والدمار والحرب الطائفية المقيتة المباشرة بين العراقيين من الشيعة والسنة، ودخول الدولة المائلة للانهيار في ازمات خطيرة وانتكاسات سياسية وامنية وعسكرية واقتصادية، فان الضرورة الوطنية والمصلحة العراقية تقضي بالتفكير الجدي من قبل كل انسان تربى وشرب من ماء دجلة وفرات ان يتعهد على نفسه القيام بخطوات جدية لانقاذ البلاد من تهلكة مميتة قادمة لتدمير الدولة بكل مفاصلها وهياكلها والقضاء عليها لالحاق كارثة انسانية كبيرة بالعراقيين بحجم مأساة الحروب العالمية.
وبحكم قرائتنا للواقع العراقي بجميع جوانبها السياسية والامنية والعسكرية والمتسمة بحالة شبيهة للانهيار الكامل، فاننا ومن باب المواطنة العراقية والانتماء الكردستاني، ومن باب الحرص والحضور الانساني والوطني لقلمنا وطروحاتنا الفكرية والسياسية، نطرح خارطة طريق لانقاذ العراق محتوية على النقاط التالية:

أولا\: اطلاق مبادرة عراقية لوقف اطلاق النار في جميع المحاور والمناطق التي تشهد مجابهات عسكرية وامنية، وتشكيل لجنة محايدة مستقلة من كبار السياسيين والضباط المستقلين من الشيعة والسنة والكرد وبالتساوي للاشراف على العملية وتنفيذها بجميع جوانبها الميدانية والعسكرية.
ثانيا\: تشكيل قيادة موحدة للاطراف والجهات السياسية والمسلحة (عدى الارهابية) الممثلة للعرب السنة وتحت زعامة واحدة ان تهيأت النيات الصادقة، للتباحث والتفاوض مع الحكومة الاتحادية في بغداد، وعلى مستوى المحافظات او على مستوى كل عرب السنة، ولتلبية وتنفيذ المطالب المطروحة للمواطنين والمجموعات السياسية على طاولة المفاوضات.
ثالثا\: ازالة كل أسباب التحشيد الطائفي وخاصة من قبل السيد نوري المالكي وبعض الاطراف الدينية المحسوبة على العراقيين الشيعة، والعمل على تخفيف بؤر التوتر في المناطق التي لها تماس بين الطائفتين السنة والشيعة، واطلاق فرص عمل كبيرة بعقود لا تقل عن خمس سنوات لامتصاص البطالة توفير العمل للشباب في المحافظات السنية.
رابعا\: التزام الحكومة الاتحادية ومجلس النواب الجديد باطلاق مبادرة اقامة الأقاليم العراقية حسب رغبة مواطني وأهالي المحافظات في الجنوب والمناطق الغربية والوسطى والشمالية من البلاد، وتبني فكرة اقامة اقليم موحد للعرب السنة او اقامة عدة اقاليم حسب المحافظات تلبية للحاجات والضرورات الوطنية، والاعتراف بقيام كيان كونفيدرالي لاقليم كردستان، لتثبيت واقرار وجود متسم بسلام شامل في عراق مستقر وآمن& ومزدهر.
خامسا\: اعادة تأسيس الجيش العراقي وفق الضوابط والاليات الدستورية، والتزام الحكومة بالعمل الدستوري والقانوني لادخال قوات الدفاع البيشمركة لاقليم كردستان ضمن المنظومة الدفاعية العراقية بكل جوانبها العسكرية والفنية والتسليحية والمخابراتية والاستخباراتية والتنظيمية.

هذا باختصار محتوى خارطة الطريق التي نرتسمها لانقاذ العراق، وما يميز هذه الخارطة هي الدعوة الجادة لوقف اطلاق النار في جميع مناطق المجابهة، وذلك لمعالجة الوضع الانساني المتدهور والذي تسبب بنزوح اكثر من مليون مواطن عراقي، ووقف العمليات العسكرية التي يتعرض لها المواطنون في المناطق الساخنة والتي تستخدم فيها الاسلحة الثقيلة بكافة انواعها من دروع ودبابات ومدافع وطائرات سمتية وحربية، وفي حالة استمرار تلك العمليات فان العراق مقبل على كارثة انسانية كبيرة لا يحمد عقباها.
وهنا لابد من التنويه ان الكتل البرلمانية والقوى السياسية العراقية وخاصة الممثلة للمكونين الشيعي والسني تقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة لتبني موقف سياسي باتجاه السلام، والبادرة الوطنية هذه لوقف اطلاق النار خطوةجريئة لاتخاذ خطوات عملية ميدانية وسياسية مناسبة لتلبية الحاجات الانسانية للعراقيين الذين يعانون من مأساة كبيرة في عموم البلاد وخاصة في الرمادي والموصل وصلاح الدين وديالى وفلوجة والمناطق الساخنة عسكريا، وكذلك لمنع وقوع كارثة انسانية قد تلتهم الابرياء العراقيين بعشرات الملايين.
ولغرض اتخاذ خطوات عملية باتجاه تبني الخارطة لابد من دفع القيادات العراقية الى تبنيها، ولهذا الغرض نتوجه بالدعوة الى سماحة السيدين عمار الحكيم ومقتدى الصدر لتبني هذه الخارطة والاستزادة عليها لغرض اطلاق بادرة عراقية وطنية لوقف اطلاق النار لدوافع وضرورات انسانية عراقية بحتة، وهذه البادرة في حالة تبنيها قد تمهد الطريق الى ايجاد حل شامل لجميع الازمات والمشاكل العراقية العالقة.
وفي الختام وما دعوانا من رب العالمين الا السلامة والامان ويا نار كوني بردا وسلاما على العراق.

كاتب صحفي من اقليم كردستان
[email protected]
&