يتغنى التاريخ العربي بالإبداعات الأدبية والعلمية. لا أدري متى كان آخر إختراع عربي أو إبداع علمي فأنا لا أتذكر لأنه لم يكن هناك أي إبداع يستحق الإطراء طوال حياتي حتى أني بدأت أشك بأن ذلك التاريخ الحافل المتباهي ما هو إلا من قبيل الأساطير والخرافات. في الحقيقة لا يهم إن كانت الإختراعات عربية أم لا ففي النهاية تصب جميع الاختراعات والابتكارات في المخزون الإنساني لنا جميعا ولكن عندما تكون الهوية العربية هي المستفيد الأول والأخير فيكون البخل الإبداعي خلل في العرب أنفسهم. أتدارك لأقول أن ذلك التعميم غير منصف لأن هناك بعض المبتكرين خاصة عندما يتركون العالم العربي ويعيشون في إحدى الدول المنفتحة.&

هذا ليس عتابا وإنما فقاعة حرُقة سبحت مع بقية فقاعات الحزن إلى أعلى غلايّة الألم لتصفّر بصرخات الخذلان والانكسار واليأس تحت لهيب الواقع انطلقت عندما فتحت إيمل من إحدى المنظمات الأمريكية (غير العربية الأصل) الناشطة في انتقاد الحكومة الأمريكية لمؤازرتها العمياء لإسرائيل لأقرأ التالي "وقّع على شيك ببياض يقول للإدارة الأمريكية كفى توقيع شيك ببياض للحكومة الإسرائيلية". يقول الإيميل أن المنظمة ستجمع تلك الشيكات الورقية (ليست ذوات قيمة نقدية فعلية) في أكياس كبيرة وسوف ترمي تلك الشيكات أمام المرشحين لمجلس الشيوخ ومجلس النواب في خطبهم الانتخابية؛ فكرة جميلة تحوّل السؤال والنقد الشفوي الموجه للمرشح إلى شيئ ملموس يُظهر مقدار النقد لقرارات الساسة الأمريكيين في مساندتهم لإسرائيل. نعم، نعم أدرك أنه ليست هناك فرصة مشابهة أمام الشعوب العربية لفعل شيئ مماثل - إلا لرمي الأحذية أثناء الصراخ في وجهة زعماء الدول الزائرة ربما.&

حسنٌ، ولكن ما قولكم عندما تقوم مجموعة مؤثرة من القساسوة بالصوم من أجل الفلسطينيين أو عندما يخصص طلاب الجامعات حول أمريكا ليلة محددة لإيقاد شمعة والصلاة من أجل الضحايا (هناك أكثر من ١٥٠٠ جامعة). ألا يستطيع الأئمة في العالم العربي أن يخصصوا صلاةً من أجل فلسطين أو أن يصوموا جميعا ليوم أو إثنين أو ثلاثة. أو ربما يعتكفوا لأسبوع في مساجدهم راكعين ساجدين من أجل السلام؟ هذه ليست أفكار جديدة ولكنها أفكار لم تجد من يحوّلها إلى حقيقة كغيرها من الأفكار الخلاّقة التي لم ترى النور. الإعلام آلة فاعلة ولكن التاريخ العربي الذي أذكره لم يستطع أن يستفيد من هذه الآلة النهمة التي تعمل من أجل تسليط الضوء على وضع كالوضع القائم في غزة الآن. بل أن ما أذكره هو خطف الطائرات في السبعينيات (في الحقيقة لا أذكر تلك الحوادث لأني كنت طفلا حينها ولكن ذلك لا يعني أن العالم نسيها بل أن العالم أسبغ صفة الهمجية على أصحاب قضية عادلة وكل من يؤازرهم). في ذلك الوقت كان المناصرون لإسرائيل يؤكدون على أن اليهود هم الضحية ويحولون قصص المحرقة إلى أفلام مؤثرة. أرجوا أن لا يقول أحدهم أن اليهود يسيطرون على هوليوود لأن هوليوود تستجيب للمادة ومن يريد أن يستثمر في أي فيلم كان فسيجد في هوليوود أصدقاء كثر. وبالمناسبة أعلن في الأونة الأخيرة الكثير من أهل هوليوود عن تأييدهم لفلسطيني غزة.

إذن المشكلة ليست في المادة ولكن في الشجاعة والإبداع؛ ألم يحن الأوان للعرب أن يحولوا تاريخا فاخرا من الاختراعات والابتكارات من أجل الإنسانية إلى حقيقة؟&

&

&

سعودي – أميركي

خبير تحليل الصراع وحل النزاع

&