قالت: من أنت؟
قال: أنا هذا الكون المنكسر
يعلو السحاب في عقلي و ينخفض
ويتمدد الفضاء في أعماقي و ينحسر
وكلما طافت في مداراتي الكواكب والأنجم.. أضيق بها حتى أجثو على مجرة.
قالت: ياله من وصف فلسفي.. ألهذا الحد بلغ بك الجنون؟
قال: الجنون..؟
وماهو الجنون.. اذا لم يكن القفز على صهوة& الخيال بعد أن وصل الخيال& الى مداه اللامنتهي.
قالت: وكيف يمكن الوصول الى المدى في اللامنتهي؟
قال: لكل مدى نهاية في حدود اللامنتهي .. والوصول الى نهايات المدى: جنون.. لكنه ليس حد اللامنتهي !
قالت: ومارأيك في الواقع الأمريكي.. أليس هذا الإتقان في إنشاء الطرق السريعة والحفاظ على غابات الطبيعة والحرص على نظافة المدن والشوارع والانجاز غير المعقد في العمل، إضافة الى الصناعات الثقيلة والخفيفة المتعددة، وكذلك هذا التقيد المنضبط بالأنظمة والقوانين& ناهيك عن عدالة القضاء والتطور الصحي المذهل الذي يجعلك وأنت تدخل المستشفى تعتقد أنك داخل فندق من عشرة نجوم.. أليس ذلك دليل على أنهم وصلوا إلى حد الجنون& المؤدي الى حد المدى وسط اللامنتهي الأوسع؟!
قال: عندما تكون المدرسة بهذا الشكل من البناء المعماري الجميل.. محاطة بهذه الحدائق والملاعب الخضراء.. وبداخلها يتعلم الطلاب فنون المعرفة والموسيقى& والعلوم.. ثم ينتقل الطلاب بعدها الى مدن جامعية شاسعة من الطبيعة الخلابة المنظمة والمنسقة والنظيفة وبها كليات يمارس الطلاب فيها كل القدرات التي وهبهم اياها الله.. فإنه من الطبيعي أن يصل الانسان بواقعه الى ذروة الجنون الإبداعي& كي ينتهي إلى المدى البعيد حتى يطل على شرفات اللامنتهي.. ويبقى دائما محلقا في أفق التفوق.
قالت: أنت تتحدث عن الجنون الإبداعي.. أهذا ماتقصده عندما تتحدث عن الجنون؟!
قال: الجنون.. بشكل عام قفز على ظهر الخيال المتوثب& لإقتحام المجهول& والصعب& بعد أن يصل الخيال الى منتهاه بإتجاه& الهدف الأبعد.. لكن الجنون الإبداعي يكون جنونا صحيا، لأنه يمارس فعله وسط أجواء لا تضيق الخناق عليه، عكس الجنون المرضي الذي يأخذ الإنسان المكبوت والممنوع عن ممارسة جنونه الإبداعي، ليتحول إلى فعل أدوات خارجه عن إرادته كي ترميه في الخطر بعيدا عن عقله المستودع في جمجمته ليقوده.
قالت: هل من توضيح للجنون الإبداعي الصحي .. والجنون المرضي.
قال: الجنون الإبداعي.. هو أن يظل العقل في المجنون& القائد الفعلي& دون قيود عليه تكبل تفكيره، مما يجعله يبدع كهذا الذي نراه في الواقع الامريكي والغربي من تطور حضاري كبير بفعل الجنون الصحي& للعقل المبدع .
أما الجنون المرضي: فهو.. أن يعيش الانسان بدون عقل.. فيكون كالإنسان العربي.. مما يجعل هذا العربي كعادته منذ قرون: مفعولا به لأداة فاعلة خارجة عن إرادته.. وليس فاعلا... أو يكون ردة فعل& سلبية& لكل فعل .
&المجنون المبدع:& يكون مؤثرا.. وصانعا للأفعال الإيجابية& والحضارية..
بينما يظل المجنون المرضي: ردة فعل سلبية.. أو فعلا همجيا تحركه أداة تتحكم في عقله الساكن خارج جمجمته& المفعمة بالفراغ.&
قالت: ماكنت أعرف أن للجنون وجهين.. وجها إيجابيا إبداعيا صحيا... ووجها سلبيا مرضيا.. إلا منك.
&بهذا التحليل والتشخيص، يخلو عالمنا العربي من جنون الإبداع.. ومن مجانين مبدعين.. أليس كذلك؟!
قال: بكل تأكيد.. الإبداع.. شجرة لا تنمو في بيئة قامعة، والخائف.. المرتجف.. الذي يقضي يومه بتفكير مشتت.. لايستطيع أن يبدع... والعصفور في القفص لا يغرد بقدر ما يزقزق، وهنك فرق بين التغريد والزقزقة!
قالت: ومتى يستطيع العرب أن يمارسوا جنونهم الإبداعي؟!
قالت: عندما لا تكون المدرسة والجامعة.. سجونا، يتعلم فيها الطلاب الكراهية لكل شيء جميل.
فعندما تصبح المدرسة والجامعة منابر.. للعلم الحقيقي& والفكر الحقيقي.. والمعرفة الحقيقية، هناك سيتغير فكر الإنسان العربي، ليصبح& إنسانا يمارس آدميته بكل حرية.
لأن المدرسة والجامعة في الواقع العربي: تمارس أفعالا تجهيلية أكثر مما هي تمارس أفعالا معرفية.. بل أن المعلمين في المدارس، والدكاترة في الجامعات يمارسون أدوارا دكتاتورية& تتعارض مع المهمة الأسمى للمعلم ودكتور الجامعة. ألا تلاحظين كيف ينتشر في كل أنحاء العالم شباب& عرب في عمر الزهور يما رسون الإرهاب وفي مخيلتهم التي لا تتعلم التخيل أنهم يذهبون الى الجنة؟!
ألم يكن أولئك الشباب تلاميذ عند معلمين ودكاترة في المدارس والجامعات.. وينهلون فكرهم من مناهج تعلمهم أن الكراهية والقتل: أفعال مقدسة؟!
وأن الإختلاف .. عداء.. والحرية كفر؟!
قالت: وما العمل.. إذن؟!
قال: نغير الفكر السائد.. وشكل المدرسة والجامعة.. وعمق المنهج.. ونعلم مدرسين ودكاترة غير هؤلاء الذين تحولوا الى معلمين ودكاترة طغاة، ليكونوا جاهزين لتعليم الأجيال بطريقة ليس فيها مكان للقمع والقسر... بعد ذلك نستطيع أن نضع أقدامنا على بداية طريق طويل بإتجاه الأشعة المخبوءة خلف العقول المعيقة لرؤية الشمس!
قالت: ولماذا لا نقتبس تجارب الشعوب والدول المتحضرة التي سبقتنا في الحضارة والتطور؟
لماذا نرفض أن نتعلم من تجارب جاهزة للتطبيق بعد أن اثبتت نجاحها؟!
قال: لأن فينا من لايزال يعتقد أنه بفكر داحس والغبراء يستطيع أن يحلق بنا في الفضاء برغم أنه يقود أجيالنا بفكره المظلم الى مهلكة التاريخ.
قالت: وماهي مهلكة التاريخ؟!
قال: ذلك الليل الذي ينتظرنا كي يغرقنا في ظلمته.. لأننا نرفض أن نتعلم من تجارب أمريكا وأوروبا وإليابان.. ونصر أن ينهل أبناؤنا& تعليمهم& من كتب تعلمهم أكل لحوم البشر نيا دون شواء، و من تجربة الملا عمر.. ومدرسة أبو بكر البغدادي!&&&&
&&&&&&&&&& [email protected]
&