لا أحد يُقر ما تعرض له بعض ابناء الشعب التركي الشقيق صباح السبت 10 اكتوبر الحالي من قتل وترويع للآمنين وسفك للدماء وإزهاق لأرواح الأبرياء، ولا يمكن لمنصف إلا أن يعلن رفضه وإدانته لمثل هذه الممارسات الإرهابية الدموية بلا تحفظ وبكل السبل.. لأن الإرهاب يحمل نفس الملامح في كل مكان والوقوف ضده صفاً واحداً لابد أن يتحقق بغض النظر عن الإختلاف في الرأي، لذلك بادرت كثير من الدول إلي إعلان تضامنها وإدانتها للحادث حتي تلك التى هي علي خلاف سياسي مع أنقرة بشكل أو بآخر.

هذا الحادث الذي وصف بانه الأبشع في تاريخ تركيا الحديث،، يدفعنا للسؤال:&هل ادخلت لعبة السير علي أكثر من حبل في الهواء، تركيا في متاهه أصبح صعباص عليها الخروج منها؟؟.. أم أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا زال قادراً علي القيام بالفعل الإيجابي الذي من شأنه أن ينقذ بلاده من مأساة السقوط في بئر الإرهاب الذي يضرب جارتيها سوريا والعراق؟

علي مستوي الداخل التركي&الدولة التركية تعاني في اللحظة الراهنة من إنكسار في جبهتها الداخلية بسبب نتائج الإنتخابات التشريعية التى حرمت حزب التنمية والعدالة من الأغلبية المطلقة التى كان يسعي لها، وأدت سياساته الداخلية المفرطة في الإقصاء والتهميش إلي عزوف حتى الأحزاب الصغيرة عن المشاركة معه لتشكيل حكومة وحدة وطنية لأنها لم تقبل بشروطه المجحفة ولم تتوافق مع سياساته حيال حزب العمال الكردستاني..&

المعاناة الداخلية هذه عبر عنها خروج مئات المحتجين الأتراك في مظاهرات في الداخل وفي بعض الدول الأوربية منددين بما وقع، متهمين سياسات حكومتهم وتوجهات حزب العدالة والتنمية بأنها السبب المباشر وراء وقوع هذه الجريمة.. وأطلق المشيعون لجثامين الشهداء الشعارات الغاضبة التى عكست مواقف كثيرة معادية لرجب طيب أردوغان ربما لأول مرة منذ نحو اثني عشر عاماً.

داخلياً أيضاً ليس هناك من المؤشرات الإيجابية ما يجعل المحللون مطمئنون أن تأتي نتائج جولة إعادة الإنتخابات التشريعية لصالح أهداف حزب رئيس الجمهورية، بل هناك من يتوقع له الحصول علي نسبة اقل من 45 % خاصة بعد أن وجه بيان رسمي أصدرته مصادر أمنية تركية لتنظيم داعش تهمة تدبير الإنفجارين وفي نفس الوقت شنت القوات المسلحة هجوم جوي عنيف ضد مواقع للمتمردين الأكراد!

أما علي مستوي علاقات تركيا الخارجية، فالحديث يطول ويتشعب:

يمكن القول أن مشاكل حكومتها مع الناخب الداخلي وقدرته علي الإختيار، إنعكست علي علاقتها بدول وسط وغرب أوربا التي إرتفع مؤشر حنق رأيها العام عليها بعد إنفجار أزمة الفارين من جحيم الحرب السورية الأهلية إلي عرض البحر عن طريق السواحل التركية القريبة من اليونان والجنوب الايطالي.

كما فاقم من إحتقان الشارع السياسي الأوربي حيال الرئيس التركي، فبعد أن كان يُنظر إليه كرئيس " سلطوي ومعزول علي أكثر من مستوي " كما قال تحليل نشرته صحيفة الجارديان أوائل الشهر الحالي، أشاعت بعض التقارير أنه أستغل حالة الفزع التي ألمت بالكثير من المجتمعات الأوربية علي أثر إجبارها علي قبول عشرات الألآف من المهاحرين السوريين لكي يحصل علي الجزء الأكبر من مليارات الدولارات التى قرر اإتحاد أن يساهم بها كدعم لتخفيف المعاناة عن اللآجئين السورين في كل من تركيا والأردن ولبنان.

الأكثر من ذلك&هناك جفاء ملحوظ بينها وبين واشنطن بعد أن كشفت التقارير أن قواتها الجوية إستغلت سماح الإدارة الأمريكية لها بإستخدام القدرات المتوافرة لواحدة من قواعدها الجوية في أراضيها لقصف مواقع تنظيم داعش، بأن كثفت من ضرباتها لتحصينات حزب العمال الكردستاني.. وزاد من مسافة التباعد بينهما ما تصفه تصريحات حكومتها بأنه " تنازل من جانب واشنطن " لموسكو أن تكون سيدة الموقف فوق الاراضي السورية، وما رأته من تراخي أمريكي علي مستوي التنديد بحادث إختراق طائرات روسيا الحربية للمجال الجوي التركي.

روسيا التي اصبحت لها اليد العليا في سوريا.. تقف منها انقرة موقف مشاكس ومناوئ جر عليها في اللحظة الراهنة مجموعة السلبيات العديدة.

- لم تعد تتمتع بأفضلية المعاملة التى كانت توليها لها موسكو لأسباب مختلفة..&

- فقدت الكثير من مقومات تواجدها المؤثر علي مستوي الملف السوري..&

- تعاني من احتمال ان تتكرر عمليات إختراق الطائرات الحربية الروسية لأجوائها مرات قادمة برغم ما اطلقته من تحذيرات عقب استدعائها للسفير الروسي في انقرة وتقديمها احتجاج رسمي شديد اللهجة لوزارة الخارجية في موسكو&

حتى مواقف حلف الناتو الرافضه للتبريرات الروسية فيما يتعلق بإختراق طائرته للمجال الجوي التركي، لم تجدها أنقرة في مستوي الشدة التى كانت تتوقعها بصفتها عضو في هذا الحلف..

إلي جانب ذلك&تعاني تركيا من رفض قاطع من جانب ألمانيا لمطلب إقامة منطقة آمنة للاجئيين في شمال سوريه، وهي التى كانت تعول كثيرا علي تنفيذ هذه الخطوة التي كانت تمثل في مرحلة سابقة من مراحل التعامل مع الملف السوري نقطة تلاقي بينها وبين واشنطن، خاصة وأن هناك مؤشرات تدل علي أن هذا الرفض ستدعمه دول أوربية أخرى.&

وفوق ذلك تعاني من جفاء بينها وبين ظهيرها العربي، لم يكن يخطر علي بال رئيس جمهوريتها منذ بضع سنوات!! جفاء سببه سوء تقدير من جانب انقرة لإمكانات كافة القوي القادرة علي الفعل في الشرق الاوسط وفي مقدمتها السعودية ومصر.. وتعاني من تضارب في وجهات النظر بينها وبين قطر من ناحية وايران من ناحية ثانية.

إلي اين تسير قافلة الحكومة التركية؟

لا احد يستطيع التنبؤ،&فالحالة الداخلية التى إنعسكت وبالاً علي رئيس الجمهورية ورئيس وزراءه خلال مراسم تشييع جثامين الشهداء الذين زاد عددهم عن مائة وعشرين وكشفت عن إنفصال واضح المعالم بينهما وحزبهما وبين الجماهير، تشير إلي غليان شديد قابل للتصاعد علي مستوي الرأي العام التركي لن تنفع معه ممارسات العنف ضد المعارضون لتوجهات قيادة البلاد السياسية والحزبية!! ولن تشفي غليله الوعود الانتخابية التي تحمل أكثر من معني.. ولن يرضيه مواصلة ترويع المواطنون الأكراد من ابناء البلاد.

سيغير من توجهاته ان تتعامل معه حكومة بلاده بالقدر المطلوب من الشفافية والمصداقية التى يراها مُفتقدة بينهما حتى يومنا هذا!! خاصة بعد أن صدمته حملات طيرانه الحربي ضد تجماعات بعض مواطنيه، في نفس الوقت الذي لم تتحرك فيه بجدية ناحية مواقع تجمع التنظيم الإرهابي داعش الذي اتهمته بارتكاب الحادث البشع صباح السبت الماضي.

سيغير من توجهاته حيالها أن تنتهج سياسات فيها قدر أكبر من الشفافية حيال الأحزاب السياسية المشاركة معها في الإنتخابات التشريعية بأن تمنحها مساحة أكبر للتعبير عن الرأي وأن توفر لمرشيحها قدر أكبر من التواصل مع الناخبين دون ملاحقات أمنية او مصادرات لوسائل الدعاية وتمزيق للبرامج.

وأخيراً نقول:

سيغير من توجهاته أن تسعي انقرة إلي إحياء وتنشيط فلسفة " تصفير " سياساتها الخارجية مع دول الجوار علي وجه التحديد و التى أعلت من اسم رئيس وزرائها الحالي أيام كان وزيراً للخارجية، لأنها بعد أن سارت في هذا المسار خطوات معدودة دفعتها شهوة التسلط وغطرسة العودة إلي الماضي العثماني التليد إلي معاداة ليس الشعب السوري فقط ولكن الكثير من الشعوب العربية الأخري التي بادرت بالوقوف مع شعبها في محنته الأخيرة دون تحفظ.

أتمني أن يتحقق ذلك في فرصة مواتية، لأنني أتخوف من بوادر تحوم في الفضاء تنذر بعودة تركيا إلي سرير رجل أوربا المريض بعد مائة عام من الشفاء والبراء.

[email protected]&