&


كنت وما زلت وسأظلّ ضد كل أنواع الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء في أي مكان من أماكن وجودهم وفي أية دولة، أيا كانت قومية أو جنسية أو ديانة مرتكب هذه الأعمال الإرهابية ، وكانت آخر إدانة مني للإرهاب قبل أيام قليلة في هذا الموقع عندما أدنت بوضوح الإرهاب الإجرامي الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس وأوقع 129 قتيلا وما يزيد عن 325 مصابا وجريحا، وفنّدت رأي القلة الذين حاولوا تبرير هذا الإرهاب بشكل غير مباشر من خلال ربطه بجرائم الإستعمار الفرنسي للجمهورية الجزائرية الذي استمر أكثر من 130 سنة وأوقع ما يزيد عن مليون قتيل جزائري.

و أيضا لا.. لإزدواجية إرهاب عن إرهاب بيفرق
من المؤكد أنّ الجميع يلاحظون أنّ ردود غالبية دول العالم تختلف إزاءالأعمال الإرهابية رغم أنّ نتيجتها واحدة حيث قتل وجرج وإصابة أبرياءلا علاقة لهم بسياسة بلدانهم فهم مواطنون عاديون تمّ قتلهم في أماكن عملهم أو تجولهم أو اثناء مشاهدتهم عملا فنيا وغيرها من أماكن تواجدهم. وكي ندرك نوع وحجم هذه الإزدواجية علينا التذكير بردود فعل دول العالم إزاء عملين إرهابيين شهدتهما فرنسا وكيف انتفض العالم كله شعوبا ورؤساء ووزراءا، وبالطبع يستحق ذلك العملين الإرهابيين هذا الاستنفار وهما:

الهجوم على صحيفة شارلي إبدو،
الذي وقع في باريس بتاريخ السابع من يناير 2015 وتبناه تنظيم القاعدة معلّلا ذلك العمل الإرهابي بنشر الصحيفة رسوما مسيئة للرسول "ص "، وأوقع الهجوم وما تلاه من مواجهات 20 قتيلا من بينهم منفذو الهجوم الثلاثة وإصابة 11 آخرين. كانت ردود الفعل مذهلة بكل المقاييس فقد شهدت العديد من عواصم العالم مظاهرات صاخبة تندّد بذلك العمل الإرهابي ، كان أكبرها تحشيدا مظاهرات فرنسا خاصة التي جرت تحت اسم " مسيرات الجمهورية " حيث شارك فيها قرابة أربعة ملايين مواطن، منهم حوالي مليونين في مسيرة العاصمة باريس ، وقد كانت المفاجأة مشاركة قرابة خمسين من رؤساء وقادة العالم في هذه المسيرة، وهو تجمع رؤساء وقادة لا أتذكر أنّه حصل قبل ذلك.

وهجوم باريس الأخير،
حيث انتشرت مظاهرات احتجاج عارمة في غالبية دول العالم، وتمّ رفع العلم الفرنسي في هذه التحشدات وعلى شرفات المنازل، وأضيئت أبراج عالية في اكثر من عاصمة بألوان العلم الفرنسي، ولا يمكن احصاء عدد المقالات والبيانات المندّدة بذلك الإرهاب بغالبية لغات العالم، وأكرّر للمرة المليون بأنّ ذلك الإرهاب وغيره يستحق كل هذا الاستنفار الرافض المندّد لأنّه انتهك حياة أبرياء. و في كتاب المسلمين ، كتاب الله تعالى القرآن ، يقول: " مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ".

وهل شهدت عمليات إرهابية اخرى نسبة من هذا الشجب والإدانة؟
هذا ما قصدته من ازدواجية المواقف المرفوضة في عنوان المقالة،& فالإرهاب ضد المدنيين الأبرياء ينبغي أن يواجه بنفس المستوى من الشجب والإدانة أيا كانت جنسية وقومية وديانة ضحايا هذا الإرهاب، وهذا القياس الواحد تفرضه القيم الأخلاقية وأهداف التعايش السلمي بين كل البشر. فهل شهدت كافة العمليات الإرهابية في كافة دول العالم نفس المستوى من الشجب والإستنكار والإدانة؟. الجواب: لا..لا...لا..فبعض هذه الجرائم يتم السكوت عليها وأحيانا رفض علني لإدانتها.و يكفي مثالين من هذا السلوك الدولي المزدوج . الأول الموقف من وإزاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني وهي جرائم يحتاج احصاؤها إلى مجلد من الحقائق والوثائق، لذلك يكفي ذكر جرائم قريب تاريخها يعرفها العالم أجمع. جرائم ومجزرة "قانا" اللبنانية الأولى في الثامن عشر من أبريل 1996 حيث قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي مركز قيادة "فيجي" التابع لقوات اليونيفيل الدولية بعد لجوء مدنيين لبنانيين إليها هربا من القصف والصواريخ الإسرائيلية في العملية التي أطلق عليها الإحتلال " عناقيد الغضب "، وكانت نتيجة قصف مركز قوات الطوارىء الدولية& قتل 106 من المدنيين اللبنانيين وجرح مئات آخرين. وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار يدين العملية الإرهابية هذه، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أجهضت القرار باستخدام حق الفيتو. فلماذا دماء 106 لبناني لا تستحق الإدانة مثل ما جرى لضحايا باريس؟. ومثال ثان ما تعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اثناء الإجتياح الإسرائيلي الإرهابي طوال 51 يوما من الثامن من يوليو إلى السادس والعشرين من أغسطس 2014 ، حيث قتل القصف والصواريخ والطائرات الإسرائيلية 2147 فلسطينيا كلهم من المدنيين غير المسلحين بينهم 35 طفلا و 302 سيدة، وتدمير شبه كامل للبنية التحية للقطاع، إذ دمّر 52 مسجدا بالكامل وتدمير 17500 منزل تدميرا كاملا وتهجير قرابة 100 ألف فلسطيني ما زالت غالبيتهم لليوم في المساجد والكنائس والمدارس. من يتخيل هذا العدد من القتلى والتدمير ومواقف كافة دول العالم بما فيها فرنسا مجرد بيانات تطالب بوقف القتال؟.

وهل إستنكرت أية دولة اوربية أو أمريكية الإبادة الجماعية لمسلمي بورما؟
تعداد سكان بورما سابقا "ميانمار"حاليا قرابة 60 مليون نسمة، المسلمون منهم لا يقلّون عن عشرة ملايين نسمة بينما غالبية الشهب البورمي يدين بالديانة البوذية. منذ عشرات السنين يتعرض المسلمون لإضطهاد وعنف نتج عنه قتل وتشريد، وقد تضاعف هذا القتل منذ عام 2012 ليرقى إلى حد الإبادة الجماعية حيث قتل حتى الآن عشرات ألالاف من المسلمين خاصة في إقليم " أركان " ، وقد اثبت تحقيق ميداني لكلية الحقوق بجامعة " بيل " الأمريكية أنه توجد أدلة قوية على أن ما يتعرض له مسلمو بورما يرقى لحد الإبادة الجماعية. فهل سمع أحد ولو ببيان من دولة اوربية أو أمريكية يدين هذه الإبادة أو يطالب بتقديم القائمين عليها للمحكمة الدولية، كما حدث مع جرائم طاغية السودان عمر حسن البشير في إقليم دارفور؟

هذه نماذج فقط على ازدواجية المعايير الخاصة بالإرهاب لدى العديد من دول العالم، رغم أنّ الإرهاب واحد لا يوجد إرهاب يستحق الإدانة والإستنكار وملاحقة القائمين به، وإرهاب يستحق السكوت والنسيان. الإرهاب واحد والضحايا الأبرياء ضحايا لا بدّ من ملاحقة قتلتهم. لذلك أكرّر بالصوت العالي الواضح: لا..للإرهاب ضد أي مدني أيا كانت جنسيته وقوميته وديانته، و لا بد من إدانة واستنكار أي إرهاب وتقديم مجرميه للعدالة الدولية.
www.drabumatar.com
&