لا خلاف حتي علي مستوي التحليلات الأوربية والأمريكية أن زعيم حزب الليكود الإسرائيلي إستغل أقبال الكتلة العربية من مواطنيه لتعزيز قائمتهم الإنتخابية من ناحية وتزكية الأحزاب اليسارية والوسطية المناوئة لسياساته العنصرية الإحتلالية من ناحية أخري، لإسقاط حزبه في الإنتخابات التشريعية، وعمد إلي استثارة العمي السياسي بين المستوطنين وأنصار الاحزاب الدينية وزعماء اليمين المتطرف لكي يدفعوا بانصارهم للتوجه إلي صناديق الإقتراع تحت شعار " الخطر الذي تمثله الاقلية العربية داخل الخط الاخضر، وتنامي الخطر النووي الإيراني " الأمر الذي مهد له طريق الفوز مرة أخري !!..&

ولا خلاف أيضاً بين العديد من مراكز صنع القرار في أوربا تحديداً ان نتنياهو دأب منذ سنوات عدة علي إستخدام " القنبلة النووية الإيرانية " كفزاعة لتحقيق هدفين سياسيين.. أولها إبقاء مجتمعة طوال الوقت تحت ضغط الحاجة والتأهب المستمر للدفاع عن نفسه ضد هذا الخطر المحدق الذي ينذر " بإجتثاث إسرائيل من جذورها سواء علي يد الأقلية العربية او يد السلاح النووي الإيراني، وثانيها صرف النظار عن وعود السلام والتسوية التي جرت علي لسانة علي إمتداد السنوات الفاصلة بيننا وبين عام 2009..&

عندما أعلن نتنياهو في أوائل ديسمبر الماضي انه سيدعو لحل البرلمان لكي " يحصل علي تفويض واضح من الناخبين بقيادة إسرائيل نحو المستقبل " سخر منه بعض السياسيون المتحالفون معه واتهمه معارضوه بـ " الجبن السياسي والفشل في إدارة البلاد والسعي لإجراء انتخابات لتحقيق مصالح شخصية " خاصة بعد أن أكد عشية أقالته لوزيري المالية يائير لابيد والعدل تسيبي ليفني – لمعارضتهما العديد من مواقفه الإجرائية التي إتخذها حيال الملف الفلسطيني - أنه لن يسمح بنشوء اي معارضة لسياساته داخل حكومته " مشددا أنه لن يقبل بعد الآن وجود وزراء يهاجمون توجهاته أو ينتقدونه هو بشكل شخصي "..&

لم يكن الملف الفلسطيني هو الوحيد محل الخلاف بين نتنياهو وبعض وزرائه.. فميزانية الدولة للعام 2015 كانت محل خلاف شديد وعميق علي مستوي الحكومة والأحزاب المتآلفة معها خاصة ما يتعلق ببنود تسليح القوات المسلحة وبالذات الجزء المخصص لتأمين وحماية المستوطنات.. وكذا مشروع قانون توصيف إسرائيل كدولة قومية يهودية، والذي وصفه بعض المحللين اليهود في أوربا وأمريكا بأنه عنصري ويهدف إلي التخلص من عرب الدولة الذين يمثلون اليوم اكثر من 20 % من سكانها..&

اتسمت المعركة الانتخابية التى شهدتها إسرائيل منتصف شهر مارس الماضي بأمرين علي جانب كبير من الأهمية..&

الأول داخلي.. دفع زعيم الليكود إلي المزايدة علي الأحزاب اليمينية والدينية في كل ما يتعلق بملف المفاوضات الفلسطينية، وذلك بعدما أجمعت نتائج إستطلاع الرأي التي تواصلت لثلاثة أسابيع، علي أن حزب الليكود سيأتي تالياُ – في ترتيب المقاعد - لتحالف حزب العمل والمعسكر الصهيوني وحزب الحركة – ترأسه تسيبي ليفيني –التى سيفوز بها في الكنيست.. فما كان منه إلا أن قام برفع شعار " لا، لدولة فلسطينية " وبرر ذلك بالقول أنها ستقع في يد منظمة حماس التي تسعي لزعزعة أمن دولة أسرائيل..&

الثاني خارجي.. دفعه لإستغلال جلسات المفاوضات شبه الإيجابية بين إيران ومجموعة 5+1 لكي يبث الرعب في نفوس شعب إسرائيل، أن الإتفاق الذي ستباركه واشنطن سيمنح طهران الفرصة المواتية لإمتلاك السلاح النووي " الذي سيؤرخ يوم الإنتهاء منه لبدء العد التنازلي لإبادته ".. ولم يكتف بتوجيه رسالة تحذيرية شبه يوميه إلي فئاته المختلفة بهذا الخصوص، بل تعمد أن يلقي خطاب أمام الكونجرس يحذر فيه – ممثلي ونواب الشعب الأمريكي – من الموافقة علي مثل هذا اتفاق " لأنه يحمل في طياته عوامل إفناء الشعب اليهودي "..&

الجديد بالملاحظة هنا أن هذه المزايدات الداخلية والخارجية لم تتنبأ بتقدم حزب الليكود علي خصومه بشكل مؤكد، وأقصي ما حصل عليه نيتنياهو كـ " توقغات محتمله " ان يتعادل هو وخصمه العنيد هرتزوج زعيم حزب العمل.. لذلك لجأ في أيام الحملة الإنتخابية الأخيرة إلي التصريح عبر أكثر من وسيلة إعلامية أنه إذا كُلف بتشكيل الوزارة القادمة " فلن يسمح أبداً بإقامة دولة فلسطينية " وعمد إلي تحذير تيارات الشعب بكافة ألوانها أن تمنح أصواتها إلي تحالف خصومه " حتى لا يتركوا مصير دولتهم التى تحاصرها الخطط المعادية من الداخل والخارج، في ايدي من لا يعرفون قدرهم "..&

بلغ نتنياهو قمة عنصريته ونظريته الاحتلالية بعد ظهر يوم الانتخابات – 17 مارس 2015 - حين توجه بنداء " حار " إلي العائلات اليهودية " الحريصة علي دولة إسرائيل " أن تسارع بالتوجه بكامل هيئتها إلي صناديق الإقتراع لإنقاذ البلاد " من مؤامرة عرب إسرائيل الذين يكثفون جهودهم ويجمعون أشتاتهم بترتيب من هرتزج اليساري لكي يقضوا علي حلم أبنائهم وأحفادهم في بناء مستقبل أفضل وحياة اكثر أمناً وإستقراراً "..&

كانت دعوة عنصرية صريحة رسمت غد أسود أمام أنصار أحزاب يمينية أخري مثل البيت اليهودي و وإسرائيل بيتنا، ودفعتهم إلي المسارعة بمنح أصواتهم لمرشحي الليكود بدلاً من مرشحي الأحزاب التى يفضلونها! وهكذا خسر الأول 8 مقاعد وخسر الثاني 6 مقاعد مما كان لكل منهما في الكنيست المنحل، وكلها ذهبت لحزب الليكود، بذلك فاز بـ 30 مقعدا بعد ان كان له 21 مقعدا فقط في المجلس السابق..&

بحسبة بسيطة نقول.. الأحزاب اليمينية وفي مقدمتها الليكود حصلت علي 44 مقعدا، الأحزاب اليسارية وعلي رأسها العمل واللائحة العربية حصلت علي 42 مقعدا، أما الأحزاب الدينية ففازت بـ 13 مقعدا، وأحزاب الوسط حظيت بـ 21 مقعدا.

وبحسبة أخري بسطية نقول، ان فرصة نتنياهو في تشكيل وزارة إئتلافية يمنية متشددة في ضوء تكليف رئيس الجمهورية ريؤوفين ريفلين له مساء 25 من الشهر الماضي، تُعد في نظر غالبية المحللين أكثر من مواتية، إذ أن مساعيه لضم بعض تيارات الوسط وغالبية الأحزاب الدينية إلي إئتلافه تُعد إيجابية حيث من الممكن ان يضمن حوالي 65 صوت برلماني لتأييد حكومته وكذا رؤيته في إدارة شئون البلاد والتى أكد أنها تواجه بتحديين كبيرين..&

الأول.. تعزير الأمن الإسرائيلي..&

والثاني.. رفع مستوي معيشة الشعب الإسرائيلي..&

ملاحظة واجبة، كلا الأمرين كانا سبباً مباشراً في نشوب الخلافات الحادة التى عِصفت بحكومته السابقة، وكلاهما ربما يقود إلي إندلاع تداعيات متتالية ستواجه حكومته الجديدة..&

من ناحية أخري تعمد نتنياهو وهو يغادر مقر رئيس الجمهورية ان يبعث برسائل محددة عبر وسائل الإعلام التى كانت في انتظاره.. قال إن إسرائيل تمد يدها بالسلام للفلسطينيين، وهي كما تابعنا وخبرنا منذ عام 2009 وحتي اليوم، يد مشلولة عاجزة ليس لها كف ولا أصابع.. وقال انه حريص علي حماية تحالفه مع الولايات المتحدة، وهو أمر مفروغ منه.. وسيواصل السعي الدؤوب لوقف إبرام أي اتفاق مع طهران حول ملفها النووي، حتى لو إضطره الأمر إلي ألقاء خطاب ثاني وثالث أمام الكونجرس الأمريكي..&

رسائل نتنياهو ليست جديدة لا علي ساحة إسرائيل الداخلية ولا علي مستوي عواصم صنع القرار العالمية والإقليمية.. ويهمنا في هذا السياق أن نؤكد أن يده الممدوه بالسلام للفلسطينيين كانت ميته طوال الست سنوات الأخيرة، وليس من المتوقع أن تدب فيها الحياة لا في المدي القريب ولا المدي البعيد.. بل من المنتظر أن يُحتفظ بها في مكان سحيق إذا فاز المرشح الجمهوري بمنصب رئيس الجمهورية الأمريكي في الإنتخابات الرئاسية القادمة.
&

* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا

[email protected]