سائد ومعهود قيام فنانين عرب بزيارة بلد آخر، ضمن مهرجانات معينة، ومشاركتهم في فعاليات ذات طابع سياسي أو انساني سياسي. ان يتخذوا مواقف معينة، سياسية او مجتمعية وربما دينية، أيضا معروف ومكرر.

وعادة لا يثير الفنانون لغطاً في أوطانهم، الا على خلفية يومياتهم المرتبطة بعلاقاتهم العاطفية أو قضايا مالية. ومواقفهم السياسية تثير السخط عندما تتعلق بشأن داخلي. ويتعرضون لانتقاد وهجوم حين يمسون بلدانا أخرى بطريقة فجة، وتكون تلك الانتقادات مقتصرة على البلد المعني. لم نسمع، في مصر مثلا، أن فناناً مصرياً تعرض للانتقادات حين كانت وفود الفنانين تتالى على صدام حسين، وهو يقمع ويقتل شعبه ويدفنهم في مقابر جماعية. بل وهو من سلب الكثير من المصريين حقوقهم وقتل العديدين على خلفية موقف النظام المصري حينها الداعم للكويت ضد الغزو العراقي.

هذا حال أي بلد عربي، العراقي نفسه، حين يزور فنانوه أو مثقفوه، بلدانا تخضع لأنظمة قمعية، ويحظون بالتكريم من قبل زعامات تلك الانظمة، وربما يتبرع الزائرون بمديح علني، ويبيضون وجه الطغاة، دون إثارة لغط. سوريا كذلك، الاردن ولبنان وتونس... كل البلدان تقريبا لا تعاني من حساسية تجاه قيام شرائحهم المنتجة للفن او الثقافة بأي تقرب لنظام قمعي ملكي أو جمهوري. والمثقف، الفنان والشاعر والكاتب... ربما يعارض نظامه الدكتاتوري لكنه يرتمي بأحضان آخر، سائد وطبيعي ومتكرر.

القضايا الخارجية التي تثير الشارع او الوسط الثقافي والديني وغيرهما، تنحصر فيما يمس جوهر قضاياه، وتحديدا القضايا ذات الصلة بالشعور القومي، الذي لم يتبق منه سوى الغضب وردود الافعال المتضخمة اعلاميا، وبضع تظاهرات. لكنها بالمحصلة تقوم بعملية استدامة هذا الشعور، المبني على قضية حصرية؛ المواجهة مع العدو "الاستعماري". فعندما يكون أحدهم، الفنان والكاتب والناشط... على صلة بهذا العدو، يواجه التهريج والتخوين. لكن حين تكون الشؤون القومية متصلة بضرورة اتخاذ موقف من أحد يتعامل مع نظام قاتل، فإن الامر يبقى ضمن المقبول والمسكوت عنه، الا إذا كان ذلك النظام يمس "الثابت العربي" متمثلا بمواجهة الاعداء.

فالانظمة المغضوب عليها، تلك المتورطة بعلاقات مع أعداء "الامة العربية"، سيحاكم كل من ارتبط بها. والان تضاف قضية جديدة لمجمل القضايا الدافعة للمواقف، هي الطائفية. حيث باتت ايضا معيارا يجذب النظر نحو الحساسيات وتفجير المواقف واثارة اللغط والسخط.

حنان شوقي زارت العراق، وقامت بزيارة سبايكر حيث قتل اكثر من ألف شاب على يد داعش، لكنها أثارت لغطاً في أوساط مصرية، وكأنها ارتكبت جريمة، ومن أجل تزيين الحقيقة انضمت جوقة رجال دين الى المعركة، ليوجهوا اليها "تهمة" التشيع، ولتوضع الحساسية الطائفية معيارا يحدد اتجاهات المثقفين والفنانين، من يخرج عنه يرجم، حتى وان كان شأنا لا يمس أمن البلاد وسلامتها والعلاقة بها.

ان هذا الصوت العالي لم يعلُ سابقا عندما زار عشرات الفنانين نظام صدام بغرض تبييض واجهته، ولن يعلوا عندما يقومون بذات الامر مع انظمة دكتاتورية عربية اخرى، ويساعدونها للترويج والتسويق، بل يتم التعامل معها بعين الرضا. ولا يُتوقع الكثير من الفنانين طبعا، لأنهم بالنهاية اصحاب حِرف، ومعنيون بأرزاقهم، وان اتخذوا المواقف فإن كثيرا منهم يقيس ذلك على مصالحه. المشكلة في كيفية التعامل مع افعالهم من قبل حشد الجماهير او النخب. "الاخلاقيات" التي توجه الأوساط المستثارة، مزدوجة المعايير، وليست اخلاقيات "خيّرة" كما يُظن، انما تنتمي للكراهيات المنفلتة في المنطقة.

ثم، إن مصر البعيدة عن الصراع السني الشيعي الداخلي، حيث لم تعش مثله منذ الدولة الايوبية، يراد أن تُدفع نحوه، في اطار شقاق اقليمي، يرفض القائمون عليه أن يكون ورثة الفراعنة خارجه.& وعندما فشل البعض بجرها عبر حكم الأخوان الذين لا يعيشون دون طائفية، كحال جميع تيارات الاسلام السياسي، تستمر المحاولات عبر تحريك قضايا تثير الرأي العام كقصة حنان شوقي.
&