قبل فترة من الزمن ليست بالبعيدة، كان نمط الأداء الحكومي في الدول العربية نمطا متدني الكفاءة وكان يجب على المراجع أن يتحلى بالصبر وينتظر دوره للنظر في معاملته الورقية التي يغص الملف بها. وكان ذلك ينطبق على المدارس والمستشفيات والمحاكم وغيرها، وبالطبع فعلى الرغم من التحسن الذي طرأ على كيفية إنجاز المسئوليات، لا تزال هناك دول عربية يعاني القطاع العام فيها من سوء الأداء وانتشار الفساد. بينما نجحت دول عربية أخرى في رفع مستوى كفاءة القطاع الحكومي.&

لا أحد ينكر أن التمويل يلعب دورا كبيرا في رفع مستوى الأداء، ولكن دبي لم تعد تعتمد على القطاع النفطي في إدارة اقتصادها، ولا يشكل النفط فيها 4% من دخلها المحلي، ورغم ذلك تمكنت من إدارة شؤونها بفعالية شهدت به تقارير صندوق النقد الدولي، وتمكنت من الخروج من أزمة العقارات في زمن وجيز. ولا يأتي هذا المقال من قبيل المديح، بل هو من قبيل عرض قصة نجاح يحتذى بها. فها هي اليوم تطرح مبادرة الأداء الحكومي المتميز، ولم تسبقها إلى ذلك دولة عربية أخرى. فالتميز بمفهومه التقليدي كان يقتصر على القطاع التجاري، ولم يفكر مسئول بتخصيص جائزة للأداء الحكومي المتميز.&

ربما تريد دبي أن تستفيد من خبرات الدول المتقدمة، حيث يعامل المراجع بمنتهى الاحترام ويتم التواصل معه في بيته وتذكيره بمعاملته وأين وصلت، بل أن بعض العرب المهاجرين، يقولون أنه أحيانا كانت الشروط لا تنطبق عليهم، فيقوم الموظف بإرشاده ماذا يجب عليه أن يفعل لتسهيل معاملته وعدم إرجاعها له. وأين نحن من هذا التعاون مع المراجع؟ وفي الحقيقة أننا لنا في تدني مستوى الخدمات عذر خاصة في الدول العربية غير النفطية وفي الفترة التي أعقبت حرب 1967 وتدفق النازحين إلى الدول العربية التي استقبلتهم في مدارسها ومستشفياتها.&

دبي ليست ذات عبء بسيط، فعدد الوافدين أضعاف عدد المواطنين، ومع ذلك، فهم لا يشتكون من بطء المعاملات أو سوء المعاملة، وهذا يعود إلى حسن الإدارة وفعالية التنفيذ. وتأتي مبادرة الأداء الحكومي المتميز استكمالا لهذا النمط الإداري الذي يركز على رفع مستوى الكفاءة والتعليم والتدريب المستمرين. وفي النهاية، يصب ذلك كله في مصلحة الدولة ككل. كما أن التميز في الجانب الالكتروني والمالي وهما الجائزتان اللتان تسعى جميع الدوائر الحكومية للمنافسة عليهما بالإضافة إلى جائزة التميز في الأداء، يعزز الشفافية والمساءلة والحوكمة المؤسسية، وهي مفاهيم اعتدنا أن نتداولها فيما يتعلق بالشركات الكبرى، واليوم ها هي تطرح في القطاع الحكومي.&

وبالطبع، فإن الاشتراك في هذه المسابقة يشجع الجهات الحكومية على الالتزام بمعايير النزاهة والأداء الفعال، بالإضافة إلى الإجراءات السابقة كالتدقيق المالي والتفتيش الإداري، ويعود السبب إلى أن فريق التفتيش في مبادرة الأداء الحكومي المتميز يقوم بالتفتيش الدقيق على كافة جوانب العمل طوال أسبوع وهو يقوم بما يشبه التحقيق الذي يحتاج إلى أدلة على كل شيء يقوله الموظفون.&

إن مبادرة الأداء الحكومي المتميز من شأنها تعزيز التنمية لأنها تدور حول قياس الإنجازات، والتنمية تحتاج إلى إنجاز واستخدام أمثل للموارد، وهذا من شأنه المحافظة على الوقت والمال ويوجه الجهود المبذولة في الاتجاه الصحيح.&