دوام الحال من المُحال، وفي عالم السياسة لا صديق دائم ولا عدو دائم، هذا ربما يصدق على سياسة الولايات المتحدة الراهنة تجاه الدول العربية عموما ودول الخليج على وجه الخصوص، فالواضح انه لم يعد التزام واشنطن بأمن الخليج يمثل أولوية لها في الوقت الحالي كما كان الحال قبل ثلاثة عقود، دول الخليج تستشعر هذا الامر، وتشعر أن الاعتماد على الإدارة الأميركية في الوقت الراهن لن يجدي نفعا وإدارة أوباما تشعربمخاوف دول الخليج، ومن ثم كانت دعوة أوباما لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لقمة في كامب ديفيد في الثالث عشر والرابع عشر من مايو الجاري على خلفية التقارب الأميركي الإيراني الذي سيتوج في نهاية الشهر المقبل باتفاق تاريخي حول البرنامج النووي الإيراني ينهي ثلاثة عقود ونصف من العداء، السعودية بادرت بعاصفة الحزم وهي ترى الحوثيين المدعومين من إيران يهددون أمنها وامن دول الخليج دون اخذ الإذن من واشنطن، ولحفظ ماء وجهها، كانت واشنطن أول من بارك عملية عاصفة الحزم، كما كانت أول من أثنى على وقف العاصفة بشكل مفاجيء.

ويبدو أن واشنطن تخطط لبدء مفاوضات جديدة بين أطراف الازمة اليمنية برعاية أممية، وقد تشارك فيها طهران بشكل غير مباشر أو حتى بشكل مباشر خاصة أن أوباما طالب بأن تكون إيران جزءا من الحل، رغم أنه يعلم جيدا دعم إيران للحوثيين وتدخلها في عدد من من الدول العربية، واشنطن لم تلق بالا لتقرير سري قدمه خبراء للأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي يفيد بتسليح ايران للحوثيين منذ عام 2009، وحمل التقارير معلومات تقول إن السلطات اليمنية احتجزت سفينة جيهان الإيرانية التي كانت محملة بالأسلحة وفي طريقها للحوثيين، وأحال المجلس هذا التقرير إلى لجنة العقوبات على إيران، والمعروف ان هناك تقرير الامم المتحدة رقم......الصادر عام 2007 يحظر على إيران بيع أو شراء أسلحة او تمويل إيران اي دول او أطراف بالسلاح باشراف لجنة من الخبراء تتابع هذا الحظر.&

عاصفة الحزم توقفت نظريا لا عمليا، ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات على وقف اطلاق النار، فالسعودية التي تقود التحالف العربي ضد التمرد الحوثي تشترط انسحاب الحوثيين من جميع المدن اليمنية، وتسليم أسلحتهم قبل الحديث عن أي تفاوض، في حين يشترط الحوثيون أن تتتوقف غارات التحالف، وأن تعلق السعودية جميع عملياتها العسكرية قبل بدء التفاوض، وفي اعتقادي أن عملية التفاوض ستبدأ عقب لقاء أوباما مع قادة دول الخليج، أوباما سيطمئن دول الخليج على التزام واشنطن بأمن المنطقة، وسيؤكد حصوله على تعهدات إيرانية ملزمة باحترام الشرعية الدولية، والتوقف عن عن مساندة الحوثيين، وعدم التدخل في شؤون الدول العربية ووقف تمدد النفوذ الإيرانى فى العراق ولبنان وسوريا واليمن، وهذا من الناحية النظرية فقط، لأن إيران ستمارس دورها ونفوذها تحت سمع وبصر الأميريكيين في كل هذا المناطق، وربما تتخلى مؤقتا عن دعم الحوثي حتى يمر الاتقاق النووي بسلام دون آثار قد تهدد مصالح الولايات المتحدة وإيران فى المنطقة.

معنى ذلك أن الإدارة الأميركية ترغب في ضرب عصفورين بحجر ترويض الحصان العربي المريض، وكبح جماح الحصان الفارسي مؤقتا أو حتى نهاية السباق، والتوقيع على الاتفاق النووي، أوباما وإدارته يدركان أن إيران واسرائيل هما القوتان النوويتان في المنطقة، ولا تبالي واشنطن كثيرا بوجود خلل في التوازنات الاقليمية، العرب أدركوا ذلك مؤخرا حين حدث التقارب الأميركي الإيراني فسارعت دول الخليج إلى المطالبة بحقها في امتلاك تكنولوجيا نووية لأغراض سلمية.

لا يبقى أمام الدول العربية خيار سوى الوحدة والحديث بصوت واحد وتوحيد الرؤى تجاه الصراعات الكثيرة الحاصلة في الدول العربية، واقناع الإدارة الاميركية والاتحاد الأوربي أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، سيؤثر بالسلب على المصالح الغربية، وأن الإرهاب سيطال أوربا واميركا والعالم بأسره ما لم يتوقف دعم جماعات الإرهاب والدول الراعية له، دول الخليج ترى اليوم تراخيًا أميركيًا حيال التهديد الإيراني لها، وأوباما سيحاول في قمة كامب ديفيد إزالة هذه المخاوف، واستعادة التأثير الاميركي على هذه الدول بعدما تبين لإدارته أن السعودية، بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، قررت أن تمسك بزمام المبادرة الخليجية والعربية، بمعزل عن أي قرار دولي لا يأخذ في الاعتبار مصالح الخليجيين وأمنهم واستقرار بلدانهم، وشنت عاصفة الحزم في إطار تحالف عربي، كما أن قادة دول المجلس يلتقون اوباما ولديهم قوة عربية مشتركة قرروا تشكيلها في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ، ستكون الذراع العربية القوية لدحر الإرهاب ووقف طموح إيران التوسعي عند حده.