&لو سئل مواطن سعودي أو أجنبي مقيم في المملكة العربية السعودية عن صفة يتسم بها المجتمع السعودي لأجاب أنه "مجتمع محافظ"، وبلاشك هذه السمة ليست سلبية وليست إيجابية فحتى أميركا لديها قاعدة كبيرة ممن يتسمون بالمحافظين، وهذه السمة طبيعة إمتداد تاريخي وتراكمات ثقافية عاشها المجتمع ألبسته الوصف العام بكونه مجتمعا محافظا يقدم عاداته وتقاليده وفي السعودية مع تقديسهم للعادات والتقاليد يقدسون المنابر الدينية ويتبعونها بالمطلق، ومن هنا عظم دور المنبر الديني فتجد المواطن المتوسط والأقل معرفة يرتمي في أحضان الخطباء وأصحاب المنابر الدينية ليشبع نهمه من الأسئلة التي تحتمها نوازل العصر وظروف الحال، فيتشبع بفكر أحدهم ويتأدلج لاشعوريا مع منبر قدم الخوض في فروع الفرعيات والرد على الشبهات مغفلا تكريس المبادئ الأساسية التي جاء بها رسول الرحمة -اللهم صلي وسلم عليه- وهنا أشدد على عدم التعميم، حيث أن بعض المنابر"وليس الكل" لم تختار النأي بنفسها عن الخوض في جدليات تحيلها لنقد العامة فتضعف دورها الذي يجب أن يكون عظيما في توجيه المجتمع وترسيخ مبادئه الأصيلة لا أن ينعت هذا المنبر بالسلفي أو الإخواني أوالجامي....الخ وللقارئ أن يضيف!

ونحن هنا لاندعو لان تنفصل المنابر الدينية عن واقع الأمة وقضاياها المعاصرة بل يجب أن تضطلع بدورها وتناقش قضاياها ولكن ليس بعيدا عن ترسيخ الأصول الأساسية فمثلا عند الخوض في التيارات الإسلامية يجب البدء عند تحريم دم الإنسان أولا وتقديس حياته إنتهاءا حتى لايفهم المستمع البسيط أن الإختلاف أبعد من كونه فكريا فيصل به الحال لأن يتصور أن المخالف لهذا التيار إن لم يكن قد خرج عن الملة فهو منافق إحترامه هدر للعقل والتعقل!

لايمكن إنكار أن هناك منابر وسيطة بين أيدلوجية وأفكار الخطيب والمستمعين، فيستغلها الخطيب ربما عن قصد أو لحماسة مفرطة&غير مسؤولة لتمرير إنتماءاته الفكرية غير آبه للمستويات العقلية لدى المتلقين وخلفياتهم العلمية وكيف تصل لهم الرسالة من المنبر وكيف تؤول؟! لذا كانت المسؤولية كبيرة في ضرورة الإمتناع عن الخوض في المسائل التي بها مساحات إختلافية شاسعة إلا إذا كانت تعزز فكر الإختلاف وتعدد الآراء وعدم إقصاء الرأي الشرعي الآخر فكل القائلين بآرائهم موحدين مسلمين مجتهدين لهم تصوراتهم، وقبل كل شيء عدم إغفال الأساسيات العليا للدين كما سبق إيضاحه، وهذا لو كان موجود أساسا لما نادينا للفصل بين المنابر والإنتماءات الفكرية للقائم عليها، خصوصا في ظل الأوضاع التي تعيشها الأمة والتي لاتحتمل إنقسامات فوق ماتعانيه، ولاتحتمل تأويل شاب لرأي يؤدي به للإندفاع وتوظيف حماسه بشكل خاطئ، فينشغل بتكفير الآخرين أو النيل منهم وقد يصل به الحال للحاق بالجماعات المتطرفة التي تعج بها منطقتنا!

اليوم بلاشك تتعاظم مسؤولية الخطيب ومعها تتعاظم مسؤولية أجهزة الدولة كل في مجالها، فوزارة الداخلية معنية بتفعيل الأمر الملكي الصادر بتاريخ 3/4/1435هـ والذي يجرم الإنتماء لجماعات متطرفة أو مصنفة بكونها منظمات إرهابية داخليا أو دوليا، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي أو التحريض على شيء من ذلك أو الترويج له بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى. فمن شأن تفعيل هذا الأمر الملكي أن يقنن الخطب الدينية ويباعد عن أدلجة شبابنا.

ويقع على عاتق وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد مسؤولية تأهيل الخطباء وتوجيه المنابر للوجهة الصحيحة والإرتقاء بها عن الخوض فيما يجعلها عرضه للنقد أو العزوف المجتمعي، فمن طبيعة أي إنسان أن يبني تصوراته الفكرية ومعتقداته الدينية وفق المتأثرات التي تكتنفها حياته، والخطيب هو أيضا ذلك الإنسان الذي يتأثر وينتمي لمعتقدات معينة فلايمكن أن نطالب بمصادرة حريته

في الإعتقاد لكن من الواجب أن نطالب بمصادرة تلك الإعتقادات إذا ترجمت واستغلت جهارا على منبر!

نحن اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة المسلمين للدائرة الأولى التي بدأ منها نشر الإسلام، فيجب تكريس في أذهان الناس أن هذا الدين جاء ليحيي النفوس عضويا وروحيا وفكريا ولتحريم الإعتداء والإسترقاق وهدر الدماء، وأصل التسامح لغة ومنهاجا، ونبذ العنف وعالجه بالرحمة والتواد والإحسان، يجب أن تكون كل هذه المبادئ المنطلق الرئيسي لمناقشة أي قضية ولتحقيق ذلك في إطار المنابر الدينية أرى ضرورة تشريع قانون يختص بالخطب والمنابر الدينية فيحدد إلتزاماتها وواجباتها ويقيد فضاءها بما يتلائم مع المصالح الدينية والوطنية، كما يحظر أي طرح يشير إلى إنتماء سياسي أو حزبي أو التحريض ضد أشخاص فالخطب يجب أن تراعي أن المسجد للجميع وليست محلا للخوض في الخلافات الأيدلوجية وتصفية الحسابات فضلا عن التجاذبات السياسية!