دعكم من "الثندر" – وتعني الرعد بالإنجليزي.. ده يا قارئ! - وسببه في عنوان مقالي فقد أردته سجعياً، فأنا اليوم بصدد الحديث عن المقال "الثندر" القاصف العاصف للأمير بندر الذي أحدث دوياً في الأيام القليلة الماضية وصل صداه حتى البيت الأبيض. وما دفعني لذلك، أولاً، أن المقال يُعدُّ "فتحاً" قلّ وندر بين "أفواه" المسؤولين العرب المطبقة دائماً سوى من صيغة مكررة في التعاطي مع الأحداث تكاد العرب أن تتفق على رتابة لفظها ومن ثم لفظها! ثانياً، وبعد وقوفي مطولاً عند المقال وقراءته أكثر من مرة – وهذا سبب تأخر نشر مقالي قبل اليوم -، ومع اتفاقي الكامل مع أغلب ما جاء في مقال الأمير، وبخاصة جزئية "التصوف" السياسي عند حكامنا!، المتمثلة في السير على بركة الكريم! إلا أن لي رأي اختلف فيه اختلاف مودة مع بعض ما جاء في المقال، وأنا الأقل علماً وخبرة من سمو الأمير لذا اعتبروا مقالي هذا "حاشية مطوّلة" تحت مقال الأمير.

تشابه الاتفاق النووي من عدمه بين ذلك الذي عقده في حينه الرئيس الأميركي بيل كلينتون مع كوريا الشمالية، ومع الاتفاق النووي بالأمس القريب الذي تم بين مجموعة 5+1 وعلى رأسها الزعيمة - الدي فاكتو – أميركا برئاسة أوباما والجانب الايراني، لا ينفي تقاطع الاتفاقين، أولاً، ومع حصول كوريا الشمالية حينها على القنبلة النووية (التي أصبحت قنابل!)، وما أصبحت تعرف عليه بعدها من "مافيا" لبيع التقنية النووية لعدد من الدول، سنجد أن من بين أهم تلك الدول التي استفادت من التقنية الكورية الشمالية النووية والخبرة الناعمة لتصنيع القنبلة (know how) هي إيران! ثانياً، تشابه نمط السياسة الخارجية الأميركية المستخدمة في الاتفاقين، فكلاً من كلينتون وأوباما لم يخرجا في الحالتين في المضي قدماً نحو الاتفاقين عن ما يسمى بسياسة "الأمر الواقع – real politick"، وهي السياسة القائمة على المصلحة والانتهازية المادية البحتة المتجردة من أي مبادئ وقيم، وينظر فيها الطرف الأقوى – عسكرياً بالدرجة الأولى - بشكل استراتيجي للمعطيات النهائية للوضع القائم والأطراف فيه أو بمعنى آخر "المناورة السياسية الأخيرة قبل الخيار العسكري"!، وقد يجد عندها الطرف الأضعف فرصة للخروج من عنق الزجاجة أو حتى تفادي الحرب. (وهي السياسة التي يُعد من أشهر منظريها ومطبقيها على أرض الواقع هو صديق الأمير الثعلب العجوز هينري كيسنجر، ولعل في تفاوض كيسنجر مع عم الأمير الملك فيصل – رحمه الله - إبان أزمة النفط المشهورة في سبعينيات القرن الماضي، خير مثال للتدليل)، وقد أكبرت على مثل الأمير وهو من هو دبلوماسياً وسياسياً وفي قربه من مركز صناعة وصناع السياسة الخارجية الأميركية لسنوات طوال، أن يصف دافع كلينتون حينها لتوقيع الاتفاق النووي مع كوريا الشمالية بأنه نابع عن "رغبته ونواياه الحسنة لإنقاذ شعب كوريا الشمالية من مجاعة تسببت بها قيادته"! أو أن الدافع الحقيقي لأوباما لعقد الصفقة النووية مع إيران يكمن في أنه "صادقٌ ومتصالح مع نفسه"! يا سمو الأمير أنت أفضل من يعلم بأن السياسة – وخاصة الأميركية – لا تدخل فيها النوايا والمبادئ بل تنظر إلى النتائج والمصالح. وأنت أفضل من يعلم أيضاً بأن الرئيس الأميركي يتغير وأن مركز صنع قرار السياسة الخارجية الأميركية ثابت في مجلس الأمن القومي، الذي وإن كان يرأسه الرئيس الأميركي فبمعيته رؤساء آخرين أي "حكومة داخل حكومة"! وكمثال هنا – من بين أمثلة - فإذا تأملنا في عهد كلينتون، والحرب التي شنّها في يوغسلافيا نرى أن دافع الحرب المُعلن حينها كان يتبجح فيه كلينتون على أنه "انساني بحت" نتيجة للمذابح التي تعرض لها المسلمون هناك. بينما اليوم يُباد المسلمون بالآلاف في سوريا ولا نرى أوباما يُحرك ساكناً بدافع "الانسانية"!، لتخليص هذا الشعب من ظلم واضطهاد المجرم السفاح "ميلوسيفتيش العرب".. بشار وزبانيته! ماذا نفهم من هذا المثال؟ الذي نفهمه بأن أميركا شنّت حينها الحرب في يوغسلافيا بدافع جيو استراتيجي وهو تصفية المنطقة – أوروبا، المهمة استراتيجاً لأميركا - من "عدو شيوعي" حليف لروسيا التي للتو قامت على أنقاض الاتحاد السوفيتي. بينما نرى اليوم هذا الدافع "الجيو استراتيجي" ينتفي أمام أميركا في سوريا، في حين أن الوضع "الانساني" فيها لا نستطيع قياسه لفظاعته مع يوغسلافيا! نستطيع من هذا المثال أن نرى كيف أن الرئيس الأميركي يتغير.. والسياسة الخارجية الأميركية ثابتة أمام مصالحها فقط.. بلا انسانية.. بلا بطيخ!

عودة إلى صلب الموضوع، ما الذي نستطيع أن نفهمه – نتوقعه - من وراء صفقة أوباما النووية الأخيرة مع إيران؟ باختصار، فقد جاءت الصفقة بالنسبة لإيران، كما ولو أن "الفقيه قد خرج من سردابه"! أي بمعنى الفرج الاقتصادي ل "أوليائه الأثرياء" بالدرجة الأولى (ودعك من مسرحيات لطم بعض المحافظين الإيرانيين ممن انتقدوا الاتفاق!) بين مكونات الشعب الايراني (الذي وبحسب تقديرات رسمية إيرانية، يرزح الملايين منهم تحت خط الفقر ناهيك عن الهجرة لأعداد كبيرة من الإيرانيين وبخاصة ذوي المؤهلات الجامعية حيث أنه وبحلول عام 2014، قُدِّرت الهجرة من إيران بنحو 150 ألف إيراني سنوياً من حملة الشهادات الجامعية!). هذا الفرج الاقتصادي المرتقب سيمكن إيران من إنجاز أحد أهم مخططاتها في المنطقة الذي لا يقل خطورة عن تصنيع القنبلة النووية ألا وهو مخطط "النفط الشيعي"! أو مشروع الانتاج المشترك للنفط بين إيران والعراق – عبر خط أنابيب مشترك بينهما -، والذي سيجعل قدرتهما الانتاجية مجتمعة أعلى من قدرة أكبر مصدر للنفط في العالم اليوم.. السعودية! (وأول البشائر، في إطلاق المشروع الإيراني قبل أيام لتطوير حقل "الدرة" النفطي في المنطقة البحرية المتنازع عليها حدودياً مع الكويت!).

في تحليلي المتواضع جداً ما يعنيه الاتفاق النووي هو أن أميركا بقيادة أوباما امتثلت في النهاية إلى "وصية" عرّاب المدرسة السياسية الواقعية الجديدة، برفيسيور السياسة الأميركي المعروف/ كينيتث والتز، تلك الوصية التي جاءت على شكل مقالٍ نُشر له - قبل أن يتوفى بشهور قليلة - في مجلة “Foreign Affairs”، في عام 2012،، بعنوان، "لماذا يتوجب على إيران أن تحصل على القنبلة النووية"، وفيه رأى أن الحل الناجع لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط لن يتأتى سوى بإعادة "توازن القوى" في هذه المنطقة بمعنى أنه علاوة على القوة النووية الوحيدة فيها وهي "إسرائيل" فيتوجب أن توازنها دولة أخرى في المنطقة من ناحية القوة النووية، وأن الأجدر والأكفأ بين دول المنطقة هي إيران وحدها! ولمن قد يستبعد واقعية تحليلي هنا فعليه أن يتأمل في استماتة إسرائيل في الأعوام القليلة الماضية للتخطيط لأكثر من مرة في شن هجوم عسكري ضد إيران. وأن يتأمل أكثر في المعلومات المُسربة مؤخراً حول اتفاق إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يسمح فيه لإيران بالتفتيش الذاتي لمواقعها النووية!

ختاماً، تحية أكررها للأمير بندر الذي خرج عن صمته ينادي في "ربعنا".. "حماة الوضع الراهن" منذ أن قامت دولهم! ولو كان الأمر خلاف ذلك لرأينا دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية – المارد الذي تنحنح مؤخراً.. ولم يستقيظ بعد! - على أقل تقدير وعلى سبيل التغيير تُشكل مجتمعة رقماً إضافياً صعباً في معادلة 5+1!، ولكن تبقى المصيبة الكبرى كما وصفها الماغوط، "مصيبة كبرى عندما لا يفرق السياسي بين الخيار الاستراتيجي والخيار باللبن.. عندها لن ترى أي فرق بين السُلطة والسَلَطة".

أخشى يا سمو الأمير بأنه.. لا حياة فيمن تنادي.
&

&
كاتب بحريني