مبادرة الرئيس بري لاستئناف الحوار
القوة الثالثة قيد التأثير في المشهد السياسي اللبناني

حزب الله يعلن استعداده للمشاركة في الاجتماع التشاوري في لبنان

بري يدعو إلى إحياء الحوار لفترة 15 يومًا

لبنان: توتير يسابق التهدئة

لبنان : أمنيات سياسية في العيد

جاء العيد ... هل انتهت الهدنة اللبنانية؟

هدنة رمضان تتمدد إلى آخر السنة

بلال خبيز من بيروت: جعل الرئيس نبيه بري بدعوته المتجددة لاستئناف الحوار بين الفريقين اللبنانيين المتخاصمين من نفسه ومن سيمثل في لبنان طرفاً ثالثاً. لكنه ليس طرفاً ثالثاً كما كانت عليه حال القوة الثالثة التي تشكلت بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومثلها الرئيس سليم الحص على نحو ما. تلك القوة التي تشكلت يومذاك وضمت شخصيات وقوى استبعدت من متن الحياة السياسية اللبنانية إلى هامشها، دخلت في مسارات متعرجة وافضى بها طوافها في النهاية إلى حضن فريق 8 آذار(مارس) الذي يشكل حزب الله وتيار الجنرال عون قوتيه الرئيستين.

القوة الثالثة في لبنان حلم قديم، ومجرد ان تلزم قوة سياسية ما جانبها، وتدعي انها تمثل هذه القوة الثالثة، فإن هذا الإدعاء يكسبها وزناً معنوياً لا يستهان بأهميته واثره في الشأن اللبناني عموماً. لكن الذين تنطحوا لتشكيل هذه القوة في لبنان منذ اكثر من عقد كانوا على الدوام يقعون على هامش الحياة السياسية اصلاً، أي انهم كانوا إلى هذا الحد او ذاك من المستبعدين من التشكيلات الرئيسة التي يتشكل منها عماد الحياة السياسية اللبنانية. لذلك كانت هذه القوة على الدوام لا وزن فعلياً لها، ذلك ان مثل هذا النوع من القوى يكتسب وزنه من قدرته على السلوك مسلكاً يملك من المصداقية والثبات على المواقف ما يؤهله لتحقيق النجاح والتأثير في مجرى الحياة السياسية عموماً.

والحق ان بداية عقد التسعينات من القرن الماضي عرف تشكيلاً سياسياً كان يملك بعض مقومات البقاء على قيد الحياة السياسية. كان ذلك التشكيل بقيادة الرئيس سليم الحص معارضاً للقوتين الرئيستين اللتين كانتا تتنازعان سياسة البلد، وضم في من ضم في عداده النائب السابق والمرشح الدائم لرئاسة الجمهورية نسيب لحود، ونائب البترون الماروني بطرس حرب وهما اليوم في عداد فريق 14 آذار/ مارس، وكذلك النائب السابق نجاح واكيم فضلاً عن بعض الشخصيات السياسية اللبنانية التي يملك بعضها وزناً معنوياً وبعضها الآخر يضيف إلى الوزن المعنوي بعض الوزن الشعبي. لكن الرياح التي عصفت بالبلد يومذاك واليد السورية الثقيلة التي كانت تدير الحياة السياسية اللبنانية بالعسف والقمع والأوامر العسكرية شتتت شمل هذه القوة ونزعت منها كل اعصاب الفاعلية الممكنة.

معنى ان تتشكل قوة ثالثة في لبنان اليوم لا يمكن اختصاره بالوزن المعنوي وحده الذي تملكه الشخصيات التي تنطق باسم هذه القوة. إذ تحتاج هذه القوة إلى الوزن الكافي في الشارع وفي الدور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ليتم اخذ رأيها ومواقفها في اعتبار القوى الاخرى، ولتكون على نحو ما بديلاً فاعلاً وممكناً وقابلاً للحشد والاستقطاب في حال لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار.

اليوم يشكل الرئيس نبيه بري وحركة امل من ورائه العمود الفقري لنواة القوة الثالثة. لكن هذه القوة الثالثة التي نتحدث عنها اليوم لا تشبه في المآل الاخير سائر القوى التي تشكلت في لبنان وادعت التوسط بين المتعارضين. قوة نبيه بري تتأتى من انه ممثل فعلي للطائفة الشيعية في لبنان، وهو على مستوى هذه الطائفة ليس رقماً سهلاً يمكن استبعاده والاستخفاف بمصالح من يمثلهم. لكنه ايضاً ليس من المفرطين بمصالح الطائفة الحيوية بل يطمح إلى جعلها شريكاً حقيقياً في السلطة واستغلال الموارد المتاحة امامها. وهو اكثر من ذلك قادر إلى حد بعيد على تثمير الانتصارات التي يحققها حزب الله في مجال تحرر البلد من الاحتلال الإسرائيلي والتدخل الإسرائيلي في الشؤون اللبنانية المزمن في مصلحة البلد عموماً وفي مصلحة الطائفة تالياً بوصفها شريكاً اساسياً في المعادلة اللبنانية المعقدة. لكن الرئيس بري ايضاً يكتسب الجانب الآخر من هيبته وقوته من كونه يريد استقرار البلد والعيش فيه في سلام وامن لكي يتاح للطائفة ان تثمر انتصاراتها فيه.

فمن دون تحقق هذا الشرط يصير الانتصار عزلة وتتحول التضحيات هباء. لهذا يجد الرئيس بري نفسه في موقع الشريك الاصلي والفاعل في الحياة السياسية اللبنانية والذي ينطق باسم مصالح فئة واسعة من اللبنانيين. لكنه اولاً وآخراً لا يملك وزناً شعبياً مقرراً وراجحاً خارج حدود الطائفة الشيعية، ولذا يمكن القول انه يقاسم حزب الله فعلاً تقرير مصير الطائفة.

في بعض الأحيان يلجأ الرئيس بري إلى الصمت ويلوذ به، ذلك انه في لحظات التوتر الكبرى والعاصفة لا يجد من يعير لمن يمثلهم اذناً صاغية لدى كلا الفريقين. لكنه لا يلبث ان يعود قوياً ووازناً بوصفه الرجل الذي يحسن استغلال الفرص والدخول من شقوق الحشود الهائجة. وهو بمن يمثل وما يمثل، والحق يقال، ليس طرفاً هامشياً من اطراف الحياة السياسية بل شريك اصلي واصيل ويمكن التأسيس على مبادراته. لكن ما ينقص مبادرات الرجل فعلاً وحقاً ان يشاركه النظرة إلى البلد رجال مثله، اقل حشداً او وزناً او اكثر، من الطوائف الأخرى. رجال من طراز نسيب لحود او بطرس حرب او الرئيس سليم الحص.

في هذه الحال وحدها تصبح القوة التي يشكلها الرئيس بري، والتي يصعب كسرها حتى الآن رغم انه ما يزال وحده من ينطق باسمها، قادرة على الحشد والاستقطاب وقادرة على العبور بلبنان من حال التشرذم والتفتت والانقسام التي يعيشها اليوم إلى نوع من الاستقرار والسلم الاهلي الذي يعزف الجميع على لحنه وايقاعه من دون ان تكون لهم اي علاقة بمضمونه ومعناه.