فتاوى وعلاوات وملاحق صحافية وبرامج تلفزيون وإستنفار أمني
مشهدان متناقضان في مصر للاحتفال بالعام الـ 80لميلاد مبارك

كتب ـ نبيل شرف الدين: quot;كيم آيل سونغquot; أو quot; الزعيم العظيم quot;، الذي يقولون عنه في كوريا الشمالية quot; لولاه ما ولد وطن وما عاش شعب quot;، هذه الحالة من المبالغة المفرطة في سياق وصف الحكام الذين يوصفون بالشموليين، كانت حاضرة ـ على نحو ما ـ في أجواء مصر عبر تفاصيل مشهد الاحتفالات quot;شبه الرسميةquot; بالعام الثمانين للرئيس المصري حسني مبارك، الذي يحكم البلاد منذ العام 1981 وحتى الآن بسلطات شبه مطلقة، ومن دون أدنى بارقة أمل في إمكانية التداول السلمي على السلطة، على الأقل في المدى المنظور .

وبدا مشهد الاحتفال بعيد ميلاد مبارك الثمانين بالغ التناقض، ومنقسمًا بين فريق مؤيد أو موالٍ للحكم بدوائره وتنويعاته المختلفة، وآخر معارض لكل ما يتعلق بالنظام وخاصة رأس النظام ممثلاً في شخص الرئيس مبارك، ووصل الانقسام إلى حالة من الاستقطاب المتشنج .

أما السلطات المصرية فقد استبقت يوم الإضراب الذي يتزامن مع يوم الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس المصري بالتأكيد على أنها لن تتهاون مع أي أعمال شغب أو جهات تحرض على زعزعة استقرار البلاد، وانتشرت قوات الأمن في عدة مدن مصرية وفي الصدارة منها العاصمة القاهرة ومدينة المحلة الكبرى الصناعية التي شهدت أعمال عنف في يوم الإضراب السابق في السادس من نيسان (أبريل) الماضي .

موالاة ومعارضة وفتاوى
فريق الموالاة المصري ذهب في تأييده للنظام وسياساته ورموزه إلى أبعد مدى، فأصدرت عدة صحف حكومية ملاحق خاصة احتفاء بعيد ميلاد quot;الأب القائدquot;، كما بثت كل محطات التلفزيون الحكومي وحتى المحطات الخاصة التي يملكها رجال أعمال وتبث من مصر شاركت في عيد ميلاد quot;الريسquot;، ووصل الأمر بالكتاب ومعدي البرامج إلى حد ذابت فيه الفواصل بين الزعيم والوطن، فالوطن هو الزعيم، والزعيم هو الوطن بتضاريسه وتاريخه وحتى تفاصيله اليومية .

أما المعارضون فاعتبروا النظام ورأسه سببًا لكل بلاء يحل بالبلاد والعباد، ولم يدعوا نقيصة إلا وألصقوها به، وتجاوزوا كل حدود اللياقة حين وصفوا يوم ميلاد الرئيس بأنه quot;يوم أسودquot;، كما دعوا إلى الاتشاح بالسواد في هذا اليوم، ورفع الرايات السوداء على المنازل، وطالبوا الناس بالبقاء في منازلهم في إضراب عام على غرار إضراب السادس من أبريل الماضي .

أما الرئيس حسني مبارك نفسه فقد فضل أن يقوم اليوم بجولة في مدينة السادات الصناعية بمحافظة المنوفية ـ مسقط رأس الرئيس ـ في ما وصف رسميًا بأنه يأتي quot;في إطار متابعة الرئيس المستمرة لعملية التنمية والتطور الصناعي الذي تشهده المدن الصناعيةquot; .

وحتى الشيخ يوسف البدري صاحب الفتاوى المثيرة للجدل لم يشأ أن يمر هذا الحدث من دون أن يدلي بدلوه فيه، فالمشهد ساخن وبالتأكيد سوف يستقطب وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات، التي اعتاد الشيخ على الظهور عبر شاشاتها، لهذا فقد أطلق فتوى حرم فيها الدعوة إلى الإضراب معتبرًا أنها تعطل مصالح العباد والبلاد، واستنكر على من وصفهم بالدهماء والغوغاء مطالبة رئيس البلاد بالتنحي عن الحكم قائلاً إن هذا الأمر من حق من وصفهم بأهل العقد والحل وفق اشتراطات محددة اتفق عليها الفقهاءquot; على حد تعبيره .

صحافة وفضائيات
الصحف الحكومية دخلت غمار هذه المعركة بقوة، وأصدرت ملاحق احتفالية خاصة بيوم ميلاد الزعيم واليوم الذي ولدت فيه البلاد مجددًا كما قالت الأهرام، فتحت عنوان: quot;يوم أن ولدت مصرrlm; من جديدquot;، كتب أسامة سرايا رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) قائلاً : quot;في ذلك اليوم ولدت مصر من جديدrlm; .. نحتفي بسجل طويل ومشرف من الإنجازات به ومعه، فالرجل الذي تولى الحكم ورؤوس تيارات الفكر والسياسة في مصر يرزحون في أغلال الحبس والاعتقال، فأطلق سراحهم وحفز أقلامهم وتجاوز كثيرًا عن مساوئهم، ليس بحاجة إلى من يدافع عنهquot;، على حد قوله .

وعلى نهج (الأهرام) كبرى الصحف الحكومية في مصر، فقد سارت بقية الصحف الحكومية الأخرى، لكن اللافت أن صحف المعارضة التي تصدر عن أحزاب سياسية معارضة تجاهلت الإضراب تمامًا، بعد أن أعلن قادة تلك الأحزاب ـ خاصة الوفد والتجمع ـ أنه إضراب مجهول المصدر والهوية ويصب في صالح الفوضى العارمة، ولا يخدم المصالح العليا للبلاد .

غير أن صحيفة (العربي) لسان حال الحزب الناصري المعارض نشرت عدة تقارير تقف على الجانب الآخر من مشهد الحفاوة الحكومية، منها على سبيل المثال تقرير بعنوان quot;عيد ميلاد مبارك الثمانين يتوافق مع تدهور اجتماعي وسياسي يهدد النظامquot;، وتقرير آخر مترجم بعنوان : quot;نظام مبارك يعيش حالة من الرعب بعد أحداث المحلة الكبرىquot; .

وبينما تأهبت الفضائيات العربية والأجنبية لتغطية أحداث هذا اليوم بتجهيزات واسعة تختلف باختلاف سياسة كل منها، فقد تعامل التلفزيون الحكومي مع الأمر باعتباره لم يحدث، حتى لو حدث أي شيء، فهو لا يستحق هذا الاهتمام الاعلامي الواضح في الصحف الحزبية والخاصة والفضائيات الأجنبية والعربية .
وتحدثت مصادر صحافية عن توجيهات شفهية من وزير الاعلام أنس الفقي إلى الفضائيات المصرية الخاصة ومكاتب عدد من الفضائيات العربية بتجاهل تغطية احداث الإضراب من قريب أو بعيد .

ومن بين الآليات التي اقترحها الداعون إلى الإضراب quot;مقاطعة الصحف الحكومية (الأخبار والأهرام والجمهورية)، وامتدت الدعوة إلى مقاطعة مترو الأنفاق في الأسبوع الأول من مايو، كما دعا هؤلاء إلى كتابة عبارة quot;شارك في تحديد مصيرك.. شارك في الإضراب السلمي يوم 4 أيار/مايوquot; على كل عملة ورقية تقع تحت أيدي المتعاطفين مع الدعوة إلى الإضراب .

أحزاب ومواقف
الأحزاب الصغيرة التي يطلق عليها تندرًا في الشارع السياسي المصري quot;أحزاب الأنابيبquot; عقدت مؤتمرًا تحت شعار quot;معًا من أجل مصر.. ولا للإضرابquot; شاركت فيه ستة من هذه الأحزاب التي لا يعرف المصريون مجرد أسمائها، وهي حزب الوفاق القومي ومصر الاشتراكي والسلام الاجتماعي والجمهوري الحر وشباب مصر والوطني الديمقراطيquot;، وبدا واضحًا اهتمام الصحف الحكومية بهذا المؤتمر فأبرزته في صدر صفحاتها وكتبت عنه كما لو كان حدثًا جليلاً.

من جانبه، أكد عبدالوهاب المسيري، المنسق العام لحركة كفاية ضرورة دعوة كل القوى السياسية بمن فيهم الإخوان المسلمين، إلى الاشتراك في هذا الإضراب وقال : quot;رغم أن الإخوان لهم مواقفهم وحسابتهم الخاصة، لكن يستحب دعوتهم إلى قوة تواجدهم في الشارع المصريquot; .

وبعد مقاطعة جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; رسميًا للإضراب الفائت في السادس من أبريل، غير أن هذه المرة أعلن مئات من شباب الإخوان المسلمين خروجهم علي الجماعة، وقرروا الانضمام إلى هذا الإضراب ووضعوا quot;اللوجو الخاص بالإضراب علي صفحاتهم في موقع الـquot;فايس بوكquot;، ومدوناتهم الخاصة، وهاجم عدد كبير منهم قيادات الجماعة الداعية إلى مقاطعة الإضراب، وكتب أحدهم في مدونته، التي تحمل اسم quot;إخواني مش تابع لحدquot; يقول: quot;لا طاعة لجماعة إخوان الحكومةquot; .

أما من اصطلح على تسميتهم بحزب quot;فايس بوكquot; فقدموا أنفسهم خارج السياق الحزبي وكتبوا في مجموعاتهم المتعددة عبر هذه الشبكة الاجتماعية الشهيرة : quot;إحنا مش حزب سياسي، ولا نسعى للحكم، إحنا أكبر تجمع مخلص لمصر على الإنترنت وفي الواقعquot;، وقالوا في بيانات يجري تداولها عبر عشرات المواقع على الإنترنت، إن quot;إضراب السادس من أبريل نجح وسنكمل المشوار، ونعطي فرصة للحكومة لتنفيذ مطالبنا المحددة والمشروعة؛ وهي حد أدنى للأجور لكافة الفئات والوظائف، وربط الأجور بالأسعار كما يحدث في جميع الدول التي تعاني من الغلاء، واتخاذ إجراءات حقيقية لوقف ارتفاع الأسعار ومنع الاحتكار والإفراج عن جميع المعتقلينquot;.

وقالوا أيضًا: quot;لقد أصبحنا أكبر حركة شعبية غير سياسية، ولن يسيطر علينا تيار سياسي، نحن نبض الناس، وملح الأرض، نجحنا ولن نتوقفquot; .