لم يكن الوضع الأمني المتدهور في البلاد همّ الحكومة!!!
لما ذا فُرضت الطوارئ في باكستان؟؟؟

عبد الخالق همدرد من إسلام:
برر الجنرال مشرف لفرض الطوارئ في البلاد بتدهور الوضع الأمني في البلاد وحمّل مسؤولية كل ما يجري في البلاد المحكمة حيث إنها قامت بإطلاق سراح الإرهابيين على حد قوله وعرقلت طريق الحكومة لمكافحة الإرهاب كما أن استدعاء كبار المسؤولين وإيقافهم في قفص الاتهام أحبط همم الضباط والمسؤولين وبالتالي فإنهم لا يريدون القيام بأي عملية ضد الإرهابيين.... والملخص أن معظم كلمته الطويلة التي استغرقت 52 دقيقة دارت من حول دور القضاء في عرقلة مسير الحكومة. كما أن تلك الكلمة كانت باسم رئيس القوات المسلحة الجنرال برويز مشرف فوصف الإعلام المحلي إعلان حالة الطوارئ انقلابا قام به quot;الجنرال مشرفquot; على quot;الرئيس مشرفquot; وأطاح بحكمه الذي دام لمدة ثماني سنوات.
ولم يمض على ذلك الانقلاب أكثر من نصف أسبوع إذ بدأت النوايا الحقيقية تطفو على سطح بحر السرية العميق. وعلى الرغم من القيود المفروضة على الإعلام المقروء والمرئي يقوم الإعلام المقروء بتوجيه انتقاد شديد إلى النظام القائم ويصف الطوارئ بالحكم العرفي بكل معنى الكلمة. أما الإعلام المرئي فلم يستطع مقاومة تلك القيود بسبب الأجهزة الحديثة التي توقف إرساله ولو قام ببث ما لديه.
وقد أكد تقرير نشره صحيفة (ذي نيوز) الوطنية الشهيرة بأن الطوارئ لم تُفرض بسبب الانفلات الأمني بل كانت ورائها دوافع أخرى لا تهدف إلا إلى تمديد نظام مشرف . ونقلت الجريدة عن مسؤول في قصر الرئاسة دون ذكر اسمه أن قضية الأمن التي برر بها مشرف خلال كلمته لفرض الطوارئ لم يكن موضع نقاش في الأوساط الرفيعة في أروقة الحكم؛ بل الطوارئ فرضت لأسباب تالية:
1.ضغوط بينظير على مشرف لإزاحة العراقيل عن طريق مرسوم المصالحة الوطنية المزعوم الذي أصدره مشرف لكسب تأييد حزب بينظير. وكان من المتوقع أن تلغيه المحكمة جراء معارضته الواضحة للدستور.
2.تم ترحيل رئيس الوزراء السابق نواز شريف في 10 من شهر سبتمبر الفائت على الرغم من صدور قرار للمحكمة يقر بحق عودته إلى البلاد. وبالتالي كانت المحكمة تستمع إلى عرائض رفعت إليها بشأن مخالفة أوامر المحكمة بترحيله. وكان من المتوقع أن يصدر قرار المحكمة في ذلك الصدد بإدانة كبار المسؤولين في الحكومة. وقد يكون المدان رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أيضا.
3.تمت إعادة انتخاب مشرف في الاستحقاق الرئاسي في 6 من شهر أكتوبر الماضي؛ لكن رُفعت إلى المحكمة طعون في أهليته للترشح في ذلك الاستحقاق مع احتفاظه بمنصب رئيس القوات المسلحة إضافة إلى منصب رئيس الدولة. وذلك ما يمنعه دستور البلاد. وفي هذه الحالة أيضا كان يتوقع أن تصدر المحكمة قرارها ضده.
وأضاف ذلك المسؤول أن مجرد فرض الطوارئ لم يكن ليفي بحاجة الحكومة إذ إنها لا تستطيع منع المحكمة من مواصلة أعمالها. ومن هذا المنطلق قرروا تعليق الدستور نفسه لتكتيف أيدي المحكمة التي تعمل تحت صلاحيات تستمدها من الدستور.
ويرى بعض المحللين أن أهم الأمور التي دفعت مشرفا إلى اتخاذ ذلك القرار النهائي هو قضية quot;المفقودين quot; منذ انضمام باكستان إلى التحالف الأمريكي ضد الإرهاب. وكانت المحكمة طلبت إلى الحكومة البحث عنهم. ولم تكفّ عن طلبها على الرغم من مماطلة الحكومة فيها. وأخيرا لم تبق أمام الحكومة سوى إطلاق سراح بعض المفقودين على الرغم من اعترافها بتواجدهم لدى أجهزتها. وقد بلغ عدد من رجع إلى أهله بعد اختفاء لمدة من دون أن يكون لدى أحد علم بموقعه إلى أكثر من 120 شخصا.
وخلال جلسات الاستماع لتلك القضية كادت المحكمة أن تستدعي كبار الضباط في الأجهزة الأمنية العسكرية وأوضحت أن المحكمة ترغب في إيصال تلك القضية إلى نهايتها المنطقية إذ الأمر قد انكشف بأن جميع المفقودين رهن قيد الأحهزة الأمنية.
ومن المثير أن الجنرال مشرف كان يدافع عن المخابرات في تلك القضية من خلال تصريحاته ويتهم quot;المجاهدينquot; بنقلهم إلى ساحة القتال. وقد بلغ الأمر إلى أن قال ذات مرة أنني رأيت كشفا بأسماء المفقودين ووجدت أن عناوين أكثر من مائة منهم خاطئة. وعندما بدءوا يعودون إلى بيوتهم من سجون مختلفة أو من مواقع مجهولة لم تبق لتلك التصريحات مصداقية.
وكان هذا الأمر أحد أهم أسباب تقديم الإحالة الرئاسية إلى المجلس الأعلى للقضاء ضد قاضي القضاة افتخار محمد شودري في 9 مارس الماضي، ما أدى إلى إثارة ضجة كبيرة في الأوساط القانونية فعاد إلى منصبه مرفوع الرأس في 20 من يوليو الماضي.
من جهة أخرى بدأت الصحف المحلية تدل على الطريق الآمن والمشرف لخروج مشرف من المأزق الحالي. وقد كتبت صحيفة (ذي نيوز) التي كانت في معظم الأحيان تؤيد السياسات الحكومية في كلمة تحريرها أن النظام الحالي فوضوي من جميع النواحي بدءا من أسلوب الحكم إلى سياساته الاقتصادية. ومن أجل ذلك ليس أمام مشرف سوى خيار واحد: أن يظهر على شاشات جميع القنوات وليس القناة الرسمية فقط ويعتذر إلى الشعب ويرفع الحظر عن الإعلام ويعلن موعدا للانتخابات ويخلع البذلة العسكرية ويبقى رئيسا للبلاد مدنيا إذا كانت لديه رغبة شديدة في ذلك؛ لكن إلى حين إجراء الانتخابات ثم ينقل الحكم إلى ممثلي الشعب.