"التراث العربي الإسلامي" بديلا عن حرية التعبير عن الرأي

لا يتطلب الأمر المزيد من "التأويل" كي نؤكد على كلام الشاعر عبد القادر الجنابي في إيلاف العدد 1225/ 28/9/2004 تحت عنوان (هل سيقاطع العراقيون معرض فرانكفورت؟). وهاهو معرض الكتاب في فرانكفورت يُقاطع من قبل أربع دول عربية ضمنها العراق.إذ أن "الثقافة" العربية الرسمية ممثلة بالجامعة العربية تريد الاحتفاظ بكل سمات فشلها التاريخي والميداني الذي وصل بالمثقف العربي إلى مستوى الحضيض على المستوى الثقافي والإنتاج الإبداعي بسبب فقدان الحريات البسيطة على كافة أوردة الحياة وهوامشها الضيقة والسرية منها. ليتم الاتكاء على مصادر التاريخ العربي في نهضته وتراثه الإسلامي بشكل مبتذل ومزيف يرفضه العلم الحديث كونه لم يشكل عنصرا حضاريا في العصر الحديث. بل على العكس، نراه يشكل وصمة عار في جبين العرب والمسلمين عندما تحوله الحكومات العربية إلى مجرد يافطات إعلامية دعائية على غرار السياحة في منطقة الجيزة بالقاهرة لرؤية الأهرامات بينما لا يزال المواطن يمتطي البعران وينيخها للسائحين الأجانب من مختلف البلدان. هكذا أضحت الثقافة العربية في نظر المسؤولين الرسميين في الحكومات العربية. مجرد "تراث" وإنجازات غابرة لمع فيها الأجداد الذين لم يكونوا عربا "أقحاح" في غالبهم.

عملتُ في السويد موظفا صغيرا في مكتبة الدولة لما يقارب الخمسة أعوام. وكنتُ بيدي أصفف مؤلفات، فضلا عن القرآن الكريم، الطبري والبخاري والمسعودي والشهرستاني والفراهيدي والكندي وأبن بطوطة وأبن خلدون وأبن سينا والفارابي والكندي وجابر بن حيان الكوفي..وووو.. حتى عثرتُ ذات مرة على كتاب غريب مترجم للسويدية أسمه "دعاء زين العابدين" الملقب عراقيا بـ "الإمام العليل" الذي نجا من القتل في واقعة كربلاء حيث قُتل أباه سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). وحين سالتُ، نفسي أولا، والمسؤولين بالتالي: ما الجدوى من ترجمة مثل هذه الكتب؟ قالوا لي: من أجل المعرفة وزيادة الخبرة بما تفكر به الشعوب.

لم أعرف مكانا ولا زمانا، حسب عمري وتجربتي المتواضعة، يتم فيه النظر إلى ثقافتنا العربية والإسلامية بمنتهى الدقة والموضوعية وشيء من "الاحترام" سوى في بلاد الغرب. على الخصوص في أوروبا التي يريد "الإسلام الجديد" تحطيمها. نقصد إسلام بن لادن والزرقاوي وملا عمر وطالبان باكستان وأفغانستان وحثلاتهم في الجزيرة العربية ومصر وسورية والمغرب العربي. وأذكر ذات مرة، وكنتُ أدرس في أحد المعاهد أن ذكر الأستاذ المحاضر ـ سويدي ـ أسم جابر بن حيان الكوفي وهو في معرض الحديث عن شرح معنى كلمة "الجبر" في علم الحساب والرياضيات المعاصرة "اللوغارتيمات" وقال أنها مستمدة من أسم مؤلف ومكتشف اللوغارتيمات الأول في التاريخ هو العالم العربي "جابر بن حيان الكوفي". عندها تطلع نحوي معظم التلاميذ "الكبار" بدهشة وفضول وإعجاب كما لو كنت أنا من أكتشف اللوغارتيمات. وعرف الأستاذ أنني عراقي ولم يستغرق الأمر ثوان حتى دعاني للحديث عن جابر بن حيان الكوفي أمام الطلبة وكان هو يعرف عنه أكثر مما أعرف في مجال الاختصاص، أقصد العلوم الرياضية والحساب.
تتمتع أنظمتنا العربية الحاكمة بلوثة "حضارية" مزدوجة منذ سقوط نظام الخلافة الإسلامية العثمانية في استنبول على يد الجنرال اتاتورك 1924. ففي الوقت الذي حارب فيه أجدادنا العراقيين قوات الجنرال الإنكليزي "مود" الذي قال للعراقيين: "جئتكم محررا لا فاتحا"، وكان ذلك عام 1917 فلم تمض سوى ثلاث سنوات حتى قامت ثورة العشرين التي حققت استقلال العراق الحديث. هذا التاريخ محض كذب وتزوير وتزييف لم يكتبه سوى ثلة من الطلاب الأغبياء الذين كانوا يتلقون علومهم بكسل من الإنكليز أنفسهم. تدل على ذلك تلك الأهزوجة العراقية التي كم تبدو شديدة الفخار وعديمة الحيلة وهي تتخيل أنها هزمت جيشا نظاميا مدربا شرسا بآلته العسكرية مثل الجيش الإنكليزي الذي كان يحتل نصف قارة أفريقيا ونصف قارة آسيا بـ "المقوار" حيث تقول تلك الأهزوجة الأثيرة: "الطوب أحسن لو مكواره". والقصد أن "مقوار" العراقي الذي هو عبارة عن عصا غليظة من الخيزران في رأسها كتلة من القير اليابس هي أقوى من المدفع البريطاني في ساحة الحرب. انسحب الجيش البريطاني من العراق شكليا وتم تعيين المسز بيل التي كانت تختار بعض الرجال ليصبحوا ملوكا للمالك وسلاطين للسلطنات وأمراء للإمارات في الجزيرة العربية. وقد أصدرت كتابا شهيرا بهذا الخصوص (مذكرات) يدور حول صناعة الملوك. لكن العراق بحكوماته وشعبه بقي عمليا وواقعيا تحت الانتداب والوصاية البريطانية حتى ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وإن أستقل عنها بشكل يكاد أن يكون شكليا أيضا.

نخضع اليوم، نحن العراقيين، أحفاد ثوار "ثورة العشرين" إلى تجربة مشابهة وكريهة في العصر الحديث. السبب الرئيس فيها هو أخطاء أجدادنا الساذجين والمحتالين والخبثاء.

بسطاء لماذا؟ ومحتالون لماذا؟ وخبثاء لماذا؟

أولا بسطاء مغفلون:
لأنهم لم يدركوا عناصر القوى الدولية الكبرى التي كانت تغير وجه خارطة العالم بعد الحرب العالمية الأولى واضمحلال الخلافة العثمانية ومركزها الإمبراطوري في الأستانة. كانوا خارج مفهوم الزمان، وبالتالي يجب تهميشهم في المكان. وليس ذلك بانتقاص لهم. إذ ورغم نشر لينين قائد ثورة أكتوبر 1917 لوثائق تقسيم الممتلكات العائدة للإمبراطورية العثمانية المريضة بين الدول الكبرى آنذاك، بريطانيا فرنسا ألمانيا، لم ينتبه أجدادنا العظماء إلى هذا التغيير الخطير في الميزان الدولي بسبب فقرهم الثقافي والمعرفي بالمقارنة مع المستعمرين غزاة العالم. وظلوا بداة منفردين غير متحدين يعقدون الصفقات الجانبية مع المستعمرين كل على حدة وكل ضد الآخر. كانوا ببساطة أناس أميين بلغة الحاضر ولم يكونوا قد حفظوا من أجدادهم ولا من الدين سوى سورة الفاتحة التي يقرؤونها في حالة الزواج وفي حالة الممات. فهم بالتالي شيوخ عشائر يتمتعون بأخلاق فاضلة ورجال دين بسطاء شبه دجالين عند الحاجة، وليس ذلك بغريب في كل مجتمعات الأرض. حيث مارست الكنسية الأوروبية أسوأ أنواع الدجل ضمن إطار مجتمعاتها وشعوبها على مرّ التاريخ.

ثانيا محتالون:
لأنهم استطاعوا بمنتهى الغباء خداع أنفسهم ورجال مرحلتهم، وبالتالي الأجيال اللاحقة بأنهم هزموا "الاستعمار" الإنكليزي بـ "المكوار". وكانوا على علم يقين أنهم لم يحققوا ذلك على الإطلاق. وخير من عبّر عن هذه المعادلة في السياسة العراقية رئيس الوزراء العراقي لسبع حكومات، ورجل المهمات الصعبة نوري السعيد. إذ أن هذا الرجل "الدجال" الذي نترحم على أيامه من شدة بؤسنا في هذا الزمان العجيب والغريب، استطاع بالحيلة والنفاق واللعب بالأوراق أن يقود مرحلة مهمة شهد فيها العراق أول برلمان ـ حتى وإن كان صوريا ـ وأول قانون عقوبات تنص عليه فقرات دستور مكتوب للبلاد لأنه كان يدرك جيدا أهمية بريطانيا ومستواها العلمي والحضاري مقارنة بالجهل والتخلف العربي آنذاك. وإذا كان رئيس الوزراء العراقي الوطني من عشائر السعدون في المنتفك (الناصرية) عبد المحسن السعدون الذي ضرب رأسه بالرصاص منتحرا بسبب اتهامه من قبل مجايليه من السياسيين العراقيين بالخيانة الوطنية لصالح الإنكليز، وأقيم له تمثال في بغداد وسط شارع رئيسي ينبض في قلب العاصمة سمي باسمه (شارع السعدون) فهذا الأمر يندرج في باب "الخبث".

ثالثا خبثاء:
ورث حكم صدام البائد كل ما يمكن أن نطلق عليه "عنصر اللؤم في الحكم". هذا لم يتأت من فراغ. أجدادنا خبثاء جدا، حتى اشتهروا بالدهاء لكثرة خبثهم. لا يعجب القارئ الكريم من هذا الخلط بين السياسة والأخلاق. حيث إن السياسة الحقيقة للدول والحكومات لا تقوم إلا على أخلاق نبيلة ارتضاها البشر كمفاهيم وأهداف إنسانية توحد بينهم. والشذوذ السياسي ـ الفكري التاريخي الأول الذي خرج عن القاعدة هو السياسي الإيطالي الشهير "ميكلفللي" الذي أعتبر، ولأول مرة في التاريخ، أن الدولة ـ الحاكم ـ الأمير ـ السلطان ـ الملك ـ الزعيم ـ الرئيس لا يجب أن يخضع للأخلاق الفاضلة المعروفة والمتداولة بين الناس. يجب أن يكون الحاكم شرسا ومحتالا ودجالا وخبيثا وقويا فيما إذا أراد البقاء في الحكم. حكام العرب على مر تاريخ انحطاط الإمبراطورية الإسلامية لم يكونوا شرسين ولا أقوياء ولا سياسيين محنكين. لذا لجئوا إلى طريقة مثالية تنقذهم من الشرور المحيقة بهم وهي طريقة "الخبث". كانوا زعماء الخبث بجدارة. أطاحوا بعضهم ببعض على مر التاريخ العربي المجيد وحتى هذا اليوم. فلا يوجد زعيم عربي يحب زعيما عربيا إلا نفاقا وفي ما يتخطى أصول المجاملة والضيافة المسمومة إلى مستوى الشكليات.

لنترك الحديث عن صفات الأجداد وطباعهم الغريبة، ولننظر ماذا فعلوا بنا وما أورثوه لنا من إشكاليات ومطبات تاريخية عويصة لم نزل نرزح نحت وطئها. فهؤلاء المالكون الكبار للأراضي الزراعية المنتجة والإقطاعيون والتجار الكبار ورجال السياسة البارزون، يلحق بهم كذيل ذليل من رجال الدين المخولين بإصدار الفتاوى على الدهماء التي لا تقرأ ولا تكتب، هؤلاء جميعا ممن وضعوا على صدورهم أوسمة "طرد" المستعمر الإنكليزي من البلاد هم أنفسهم مَنْ سارعوا قبل غيرهم بإرسال أبنائهم فلذات أكبادهم إلى بلاد "الإفرنجة ـ الإنكليز" لينالوا العلم والمعرفة وبالتالي حق السيطرة على الدهماء. كان ذلك حكرا لهم على مر التاريخ العراقي المعاصر، منذ ثورة العشرين وحتى أيام صدام الأخيرة.
لم يسنح الوقت لهذه الشعوب بفحص مفهوم "المستعمر" جيدا. وفي الوقت الذي انطلقت فيه هذه الشعوب بفطرة بشرية سوية للدفاع عن أراضيها ونطاقها الجغرافي وحيزها الاجتماعي والفكري المحصور بنمطها الديني الروحي وضيق أفقها العلمي والمعرفي، فإن وعي الزعامات التي كانت تقود هذه الشعوب كانت أكثر ضحالة من وعي جماهيرها الفطري السليم. لذا سلمت هذه الزعامات زمام أمورها للمستعمر الذي طالما أوهمت الشعوب أنه "العدو الأول". في الوقت الذي تتفق فيه مع هذا العدو على تسليم كل مقدرات البلاد بأكثر مما يفعل المرء مع صديق مخلص صدوق حين يأتمنه على عرضه وأرضه وماله. هكذا وصلت حكومات وزعامات عربية وعالم ثالثية إلى دست الحكم بحجة مقارعة الاستعمار. وغالبا ما كانت هذه الزعامات "الوطنية" الجديدة هي الوريث الشرعي لما خطه الأجداد من قبل. هم أبناء أولئك الثوار السذج من رجال الدين والإقطاع وملاك الأراضي ونخبة العساكر الجدد الذين تدربوا في مدارس البلد المستعمر وثكناته العسكرية.
"الاستعمار" مفردة عربية أصيلة تعني في ما تعنيه إعادة الأعمار. لكنها اكتسبت هذا الصيت السيئ والمفهوم السلبي المشحون بمشاعر العداء المسبق لعدو وهمي جراء الدعاية التي اتخذتها الأنظمة العربية الوطنية الحديثة لتبرير وجودها الأبدي في الحكم. كان هناك ولازال قانون الهيمنة الاقتصادية والسياسية للدول العظمى على الدول الفقيرة. هذا قانون شامل يعمل به العالم منذ آلاف السنين. منذ الحضارات القديمة الكبرى في وادي ما بين النهرين بابل وآشور، إلى الفراعنة في مصر، إلى العصر النهلستي زمن الحضارة الإغريقية، إلى الإسكندر المقدوني ذي القرنين. القوى العظمى تمد ذراعها العسكري إلى أي مكان تطوله هذه الذراع ولم تكن الإمبراطورية الإسلامية لتشذ عن هذه القاعدة عندما احتلت البلاد وسبت العباد تحت يافطة الدين الإسلامي ونشر عقيدته.
نعود إلى الجامعة العربية وثقافة الأنظمة الرسمية. جرى قبل فترة استفتاء في "إيلاف" حول كم المثقفين الذين يخضعون للأنظمة الحاكمة والذين لا يخضعون لها. وكانت النتيجة مذهلة. إذ أكد القراء أنهم يعتقدون أن سمة انحياز المثقف العربي لنظامه هي أكبر من نسبة حياده أو الخروج عنه. تخطت تلك النسبة الثمانين بالمئة. ربما يشعر وزراء الثقافة والإعلام بالغبطة لهذه النتيجة جراء التأكد جيدا من خدماتهم الجليلة لأنظمتهم الرسمية عن طريق تغييب الحريات العامة وقمع الأدوات الحرة من صحف ومنابر إعلامية أخرى وسد منافذ الإبداع الأدبي والفني في وجه كل أديب ومثقف تسول له نفسه الخروج عن القاعدة المألوفة في إعلان الطاعة للسلطان ومؤسساته الثقافية الهابطة والمزيفة القائمة على تجميله وتجميل حكمه بكل الطرق وأشنعها قباحة. حتى وصلنا ووصل بنا المطاف إلى هذه التظاهرة الثقافية العالمية للكتاب في فرانكفورت.

العرب "ضيف شرف" في هذا الحدث الثقافي العالمي. لكن ماذا يمكن للثقافة العربية الرسمية الفقيرة تقديمه في هذا المضمار العالمي؟
هل هو مجموع الكتب التي تطبعها وزارات الثقافة بالعالم العربي المختصة بتمجيد الحكام؟
أم هل هو تلك الكتب المختصة بالتاريخ العربي "المجيد"؟
أم هي الكتب المدرسية التي تطبعها الدول العربية وفق مفاهيم علمية وتاريخية منقرضة؟
هل سيرى القارئ الأوروبي كتب محمد شكري ونصر حامد أبو زيد وحيدر حيدر وكتب عشرات المثقفين العرب الذين منعوا من النشر في بلدانهم؟
هل سيرى المختص الأوروبي تراجم عربية لكتاب "الآيات الشيطانية" لمؤلفها سلمان رشدي؟
هل ستعرض الوزارات الثقافية العربية مؤلفات المنفيين من الأدباء المعارضين لسلطاتهم الحاكمة؟
أسئلة كثيرة يمكن أن يطرحها المرء في هذا المقام. وقد كُنبت عشرات المقالات في مختلف الصحف العربية والأوروبية بصدد هذه التظاهرة الثقافية المرتقبة والمشاركة العربية فيها. بيد أن السؤال الأكثر أهمية من غيره يتلخص هكذا:
هل الثقافة العربية الرسمية التي تقدمها الحكومات ممثلة بالجامعة العربية هي التعبير الحقيقي للثقافة العربية بجميع تياراتها الراهنة؟
الجواب: قطعا كلا.

الثقافة العربية الرسمية في معظمها ثقافة مزيفة ولا تقوم على أسس إبداعية حقيقية. وتشير الإحصائيات إلى وجود ثقافة مغيبة ضمن هذا الإطار تتعلق بالإبداع الأدبي والنقاش الديني والاجتماعي حرصت السلطات السياسية ورديفها الديني الكهنوتي بحجبها ومصادرتها بكل أنواع القمع المعروفة والتنكيل الذي صاحب كاتبيها ومنتجيها. تتعكز الثقافة العربية الرسمية في المحافل العالمية على التراث الإسلامي. وبما أن هذا التراث قد شوه وتشوه بفضل تلك الأنظمة ذاتها عن طريق دعمها المبطن لشرائع الذبح والهمجية وتغليب عناصر الفروسية والقتال والجهاد في طرحها لمفاهيمها الدينية في مجتمعاتها المقموعة سلفيا وتاريخيا، الأمر الذي حدا بالغرب وأميركيا على وجه الخصوص إلى توجيه "الأوامر" إلى الدول المعنية بضرورة فحص برامجها التعليمية وإعادة النظر فيها من جديد؟
تغيب مفاهيم "حرية التعبير عن الرأي" و "الديموقراطية" كليا عن ثياب الثقافة العربية الرسمية في مفرداتها الواقعية اليومية. وفي مناخ مثل هذا لا يمكن إنتاج معرفة حقيقية ولا ثقافة حقيقية ولا إبداع أصيل. وعند الحديث عن الغرب ونظرته إلى الثقافة العربية الراهنة، فأن المصيبة تبدو اكبر وأعمق. ففي الوقت الذي تتعكز فيه الثقافة العربية الرسمية على التراث العربي الإسلامي جاهلة أو متجاهلة أن هذا الغرب فحص هذا التراث جيدا إلى حد الغرف منه والاستفادة من علومه ضمن مفهوم الزمان الذي لا يدركه الفخورون بهذا التراث جيدا إلا من باب التباهي واتهام الآخرين بالسرقة، غافلين أن الثقافة ذات طابع إنساني عالمي كوني هي بالأخير محصلة وخلاصة لثقافة الجنس البشري على الأرض.

اقرأ أيضا:

* هل سيقاطع العراقيون معرض

* فرانكفورت وانحطاط الثقافة