أمام قصر الحريري (الصور لإيلاف وائل اللادقي)
فداء عيتاني من بيروت: بيروت ليلا، منذ ساعات قليلة كانت السماء في العاصمة ملبدة بدخان الانفجار الذي اودى بحياة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الان بيروت هي مدينة اشباح، تعبرها بين الحين والاخر سيارات مسرعة، اغلبها سيارات عسكرية، او موكب لسياسي، او مظاهرة من عشرات المظاهرات التي عمت العاصمة. لم تعد "بيروت مدينة عريقة للمستقبل" الليلة بحسب الشعار الذي اطلقه الحريري نفسه.

ليلا: منزل رفيق الحريري في قريطم: مئات من انصار الحريري تجمعوا يهتفون بحياة بهاء الحريري، ابن الرئيس الميت، ويرسلون الشتائم ضد حكومتهم الحالية ورموزها، ثم يتلون ايات من القرآن، والفاتحة "عن روح الشهيد"، اجراءات الامن المشددة لم تمنع المئات من الشخصيات السياسية والثقافية من الوصول إلى منزل الحريري، كما لم تمنع عشرات الصحافيين من الوصول إلى الطابق الخامس في مبنى الاستقبال في قصر قريطم.

نواب المعارضة كانوا هناك في القصر، الكل حاضر، الا الرئيس السابق للحكومة، والرجل الذي كان يعتبر إلى ما قبل ظهر اليوم "الرجل الاقوى في لبنان"، كان المعارضون قد اتفقوا على الاجتماع في منزل الحريري عشية مقتله، أي بعد ساعات من اعلانه الالتزام بموقف المعارضة وان كان تحت سقف اتفاق الطائف، والليلة اجتمعوا هناك، حيث قدموا التعزية إلى عائلة الفقيد اولا، ثم قدموا مطالبتهم بسيادة لبنان واستقلاله، بعد ان تحول الاجتماع المتفق عليه مع الحريري إلى اجتماع لتدارس المواقف بعد رحيل الحريري.

كانت الوجوه في قصر قريطم شاحبة، ليس الحزن هو وحده ما سيطر عليها، مروان حمادة الذي كانت محاولة اغتياله فاتحة الرسائل المفخخة الحديثة كان يعلو وجهه قلق بالغ، نسيب لحود كان يتجول في القصر، وبين نسيب لحود وقلقه كان بيار امين الجميل هناك يتحدث بين مجموعة من المعزين والسياسيين والصحافيين. وكانت المواقف تتجه إلى المزيد من التصعيد، وان كان ليس بمستوى ما تطالب به الحشود اسفل القصر، حيث كانت تصرخ "يا بهاء لا تعبس بدك عسكر لح نلبس"، ولكن المعارضة قدمت خطوة اخرى إلى الامام بعد مقتل الحريري، ذاهبة إلى تكريس الانقسام مع السلطة والاطراف السياسية التي باتت تسمى بالموالاة.

وخارج المقر الذي عاش فيه رفيق الحريري وكان رمزا لصعوده كمعيد لبناء لبنان بعيد الحرب الاهلية، كان الحشد الحزين يستمر بالتكاثر، البعض يرحل بعدما بلغبه البكاء حد التعب، ثم يأتي شبان آخرون مع حماسة الغضب والصراخ، معلنين باصواتهم اسماء مناطقهم البيروتية التي اتوا منها، ويطالبون بالثأر.

كرامي والمفتي ووزراء في دار الفتوى (الصور لايلاف)
في اطراف بيروت كانت هناك تجمعات صغيرة تعبر الشوارع وتصرخ بشعارات الوفاء للحريري، دون ان يعلم احد بما هو مطلب هذه المظاهرات الصغيرة، ودون ان تعترضها القوى الامنية، التي كانت تمر بهدوء قرب المتظاهرين.

مقر البعث

وفي طرف بيروت الجنوبي، وعلى تخوم احدى أكثر المناطق فقرا وتأييدا للحريري في ان معا، كانت مظاهرة مرتجلة تتعرض إلى مركز حزب البعث العربي الاشتراكي بالتحطيم والرشق بالحجارة، وحرقت المجموعة المتظاهرة الاطارات في الشارع محاولة اغلاق الطريق، كما حطمت اللوحات الاعلانية التي تحمل شعارات الحزب، ولوحة اخرى تحمل اسم "مستوصف باسل الاسد"، وحين وصلنا هناك كانت الحشود قد تفرقت مخلية مكانها لعشرات من العناصر الامنية اللبنانية.

ويصرخ احد الشبان بمصورنا وهو يدفعه "توقف عن التصوير .... ممنوع". "ومن انت؟" يسأله المصور، "انا من الحزب... هات الكاميرا سلمني الفيلم". يرفض مصور إيلاف ويتعرض للدفع عدة مرات قبل ان يتدخل اخرون ويحولون دون تعقيد الموقف أكثر من ذلك. وتطلب منا الشرطة اللبنانية عدم تصوير الحريق في الشارع، ثم يتدخل ضابط مطالبا بانسحابنا فورا.

كان التوتر باديا على رجال الشرطة، وبيروت خالية من السابلة في السادسة مساء، وفي ليلة عيد العشاق التي تحظى بنصيبها من السهر والتجول الليلي واللهو، فلا احتفالات اليوم، وفي بعض الشوارع كانت وحدات من الجيش اللبناني تنتشر بهدوء وتقف عند مفارق الطرق دون ان تعترض سبيل المارة او المتظاهرين، واصدر لاحقا الجيش اللبناني بيانا معلنا اتخاذه سلسلة من التدابير الاحترازية. وفي قلب بيروت كذلك كانت الحركة شبه معدومة، كان الوسط التجاري هو ابرز انجازات رفيق الحريري، وليلة مقتل الرجل كان الوسط التجاري ميتا أيضا.

تبادل التعازي بين كرامي وقباني (الصور لايلاف)
المحال التجارية بدأت بالاقفال في وقت سابق، بعيد الظهر، وبعد حوالي الساعتين من مقتل الحريري، وحين تأكد النبأ لجأ الجميع إلى منازلهم، ليس اليوم مناسبا لمزاولة الاعمال، وترافق هذا الاقفال مع تعليق عشوائي لصور الحريري، على ابواب المحال التجارية، وعلى السيارات المتوقفة إلى جوانب الطرق.

في لحظة توتر شديد قال احد أعضاء المعارضة ومن منزل رفيق الحريري ان "الموالاة لن تشارك في تشييع الرئيس الحريري" وان المطلوب منها موقف حقيقي من عملية اغتيال الرجل.

دار الفتوى

وفي دار الافتاء للجمهورية اللبنانية كانت الدعوة قد وزعت لعقد اجتماع طارئ، رجال الدين موزعون هناك وهناك يتابعون اعمال التحضير للقاء رجال الطائفة السنية التي فجعت بمقتل الحريري، وقبل نصف ساعة من موعد انعقاد الاجتماع كانت الشخصيات السياسية قد بدأت بالتوافد على الدار، تحميها اجراءات امنية مشددة.

وقبيل التاسعة، موعد انعقاد الاجتماع، تصل مظاهرة لعشرات من انصار الحريري، تحمل رايات سوداء وصورا للحريري، وتهتف بحياةابن رفيق، بهاء، وتشتم سورية "بدنا نحكي الحقيقة سورية ما منطيقا" (نريد قول الحقيقة لا نطيق سورية)، لحظات قليلة انقضت وكان التجمع قد بدأ بالتجمهر أمام البوابة الرئيسة لدار الافتاء، التي تقع في احدى المناطق السنية الفقيرة والمكتظة سكانيا.

كان الحشد ينذر بالخطر، ان لم يكن بالفعل العنيف فبالعنف اللفظي، لمناصرين تيتموا ظهرا وراحوا يقولون انهم فقدوا قائدهم، بينما علماء الدين الشبان يقفون على بوابة دار الافتاء يراقبون الحشد، "لا اله الا الله الشهيد حبيب الله" يصرخ الحشد، ثم "بدنا نحكي عل مكشوف كرامي ما بدنا نشوف" في مطالبة باستقالة رئيس الحكومة عمر كرامي، ويهمس احد رجال الدين في الداخل "اغلقوا الابواب" مستدركا حصول اي اعمال عنف، ويسأل العلماء بلطف الدخول إلى داخل المبنى.

مستوصف باسل الأسد (الصور لايلاف)
وزراء ونواب ورؤساء سابقون وشخصيات سياسية من الطائفة السنية اجتمعت هناك، يقف بعضهم ليستمع إلى صراخ الحشود، ويدخل رئيس الحكومة من بوابة جانبية إلى داخل قاعة الاجتماعات مباشرة، قبل ان يصل مفتي الجمهورية وسط صراخ يعلو من الخارج.

وبعد دقائق يتخللها تبادل التعازي بين الواصلين والجالسين، تغلق ابواب قاعة الاجتماعات قبل ان يخرج المفتي ببيان الطائفة.

وفي خارج صحن الدار كان الحشد لا يزال يكبر وان كان ببطء، والشوارع المحيطة فارغة، قبل ان تتجاوز الساعة العاشرة ليلا.

نص البيان

وبعد الاجتماع تلا المفتي قباني بيانا عن المجتمعين هذا نصه بحسب ما نقلته الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية:

تداعى المجتمعون في الطائفة الاسلامية السنية في لبنان لاجتماع طارىء في دار الفتوى للتدارس في الوضع الخطير الناجم عن الجريمة المنكرة والشنعاء التي اودت بحياة الرئيس رفيق الحريري. وبعد التداول في هذا الحدث الجلل الذي يشكل كارثة وطنية وما يترتب عليها من نتائج وتداعيات.

رأى المجتمعون ما يلي: اولا: ان المسلمين السنة في لبنان الذين راعهم وصدمهم هذا الاغتيال الجائر والظالم لدولة الرئيس رفيق الحريري ومرافقيه، وهو في قمة عطائه وبذله، بعد خروجه مباشرة من مجلس النواب، ليشعروا ان قتل الرئيس الحريري يستهدفهم في وجودهم ودورهم وكرامتهم وهم لن يكتفوا بالاستنكار لهذه الجريمة النكراء، ولن يسكتوا عن حقهم ومطالبتهم بكشف الجناة المجرمين ايا كانوا ومعاقبتهم، وهم يعلنون انهم قد نالهم من الضيه ما يكفي ومن الصبر ما لم يعد يحتمل.

ثانيا: ان هذه الكارثة الوطنية بخطورتها واستهدافها تضرب الاستقرار الداخلي في الصميم، وتعرض الامن الوطني للخطر، وتدخل لبنان في منعطف خطير وفي نفق مظلم لما كان يمثله شخص الرئيس الحريري من قيمة وطنية كبرى، لها امتداداتها العربية والاسلامية والدولية، ولذلك فالمسلمون في لبنان يضعون هذه القضية بكل خلفياتها وتداعياتها في يد الشعب اللبناني، وفي ضمير الامة العربية والاسلامية، ويشددون على ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم الكاملة على هذا الصعيد.

ثالثا:إن الرئيس رفيق الحريري الشهيد لم يكن بالنسبة الى المسلمين السنة في لبنان رجل سياسة ورجل دولة فقط، ولكنهم وجدوا فيه نعم الاخ والصديق والانسان الكبير الذي وقف الى جانبهم في أحلك الظروف وأصعبها وآسى جراحهم، وعلم شبابهم وشاباتهم في أرقى الجامعات، ودافع عن حقوقهم وكراماتهم. وفضله قد عم الوطن بكامله، فمسيرة إعادة البناء والاعمار التي رعاها في كل لبنان تشهد له، واستعادة لبنان مكانته ودوره الحضاري على المستوى العربي والدولي إنجاز من إنجازاته الكثيرة.وخسارتنا له لا تعوض لانها خسارة للوطن وللامة وسيكون غيابه مدعاة حزن وألم لهما حاضرا ومستقبلا .

رابعا:إن المجتمعين إذ يشاركون عائلة الرئيس الشهيد وأهله وأصدقاءه ومحبيه وخاصة أهل بيروت الذين أحبهم وأحبوه، والذي أعادها لهم منارة تشع وتضيئ على الوطن كله، إذ يشاركونهم حزنهم العميق ومصابهم الكبير وغضبهم وسخطهم بما يليق بمقام وعظمة فقيدهم الغالي، وأن لا ينجروا الى اعمال تخل بالامن وبالسلامة العامة، ولا يرضى عنها الرئيس الحبيب الذي افتدى نفسه دفاعا عن مجتمعه وبلده وعروبته وحبا بلبنان وأهله، فنحن معنيون بوحدة البلاد وأمنها وهو ما كان يعمل عليه الرئيس الحريري ويحرص.

خامسا: إن المجتمعين يعدون أهلهم في بيروت وفي صيدا وفي كل لبنان بأنهم سيتابعون بكل إصرار عملية اغتيال الرئيس الحريري المدبرة مع كل الجهات المسؤولة، ولن يغمض لهم جفن قبل أن تنكشف خيوط المؤامرة التي تستهدف المسلمين خصوصا واللبنانيين عموما، كما والأمة العربية، وهم يطالبون المسؤولين جميعا بإعطاء هذه القضية الخطيرة التي تنال من أمن المواطن وأهله الأهمية القصوى.

جنبلاط في منزل الحريري قبيل اجتماع المعارضة (الصور لايلاف)

اطفاء الحريق امام مقر البعث في بيروت (الصور لايلاف)

امام منزل الحريري ليلا (الصور لايلاف)

لافتة مقر حزب البعث في بيروت (الصور لايلاف)

صفحة صور عن الحريري
صور خاصة بإيلاف ضمن : فعلوها... وقتلوا الحريري
الوليد:اغتيال الحريري جريمة
الحريري بدأ حياته قاطفا للحمضيات
الحريري عشق المعمار التراثي
الحريري ملياردير ورئيس وزراء سابق
دول عربية تشجب اغتيال الحريري
النجاة تطلب معجزة لم تحصل
من هو رفيق الحريري؟؟
السعودية: قتل الحريري عمل إرهابي